الإنذار المبكر.. الوقاية خير من العلاج تقرير: القسم السياسي انتزعت تلك المشارِكة المنقبة، فرصتها بالقوة، في ورشة (دورة نظام الإنذار المبكر والوقاية من النزاعات)، التي نظمها مركز تحليل النزاع ودراسات السلام بجامعة أم درمان الإسلامية، وخاطبت المنصة غاضبة، وقالت: "كيف تريدون منا أن نتدخل لإيقاف نزاعات لم تبدأ بعد، النزاعات أمامنا يجب أن نعرف كيف نصل لتسويتها وإنهائها، بدلاً عن أن نطارد السراب"!. بدا حديثها منطقياً لبعض المشاركين، إلا أن الجميع أدرك بعد نهاية الورشة، أن التدخل في مرحلة ما قبل النزاع، هو أفضل الخيارات وأقلها تكلفة؛ فأفضل طريقة لمحاربة الألغام هي عدم زراعتها من الأساس، إن لم يكن إيقاف صنعها. دورة النزاع يرى الخبير الدبلوماسي د.عبد اللطيف عبد الحميد، أن النزاع يمر بأربع مراحل، هي ما قبل النزاع، ثم تصل لمرحلة المواجهة التي تشهد مواجهات متقطعة، قبل أن تنفجر الأوضاع وتصل للحرب، لتهدأ الأوضاع وتصل مرحلة ما بعد النزاع. ويعدد عبد الحميد أسباب النزاع في العالم، ويلخصها وفقاً لليونسكو بأنها تأتي لقصور اقتصادي، وظلم اجتماعي، وقهر سياسي. ويزيد عبد الحميد أن مشكلة السودان ونزاعاته باتت لأجندة خارجية أكثر من كونها داخلية. استشعار الخطر الحادثات التي تنادي بحتمية الانخراط في تفعيل نظم الإنذار المبكر، تقابلها وقائع أخرى تفيد باللامبالاة المفرطة، والتجاهل الأرعن للدراسات التي تحذر من وقوع النزاعات السياسية والمسلحة من قبل الحكومة. وقريباً من هذا المنحى، فإن السفير إبراهيم حمرا يرى أنه "لا بد من استشعار الخطر قبل وقوعه، شريطة تفعيل حزمة إجراءات استباقية من خلال ما يعرف بالدبلوماسية الوقائية، لتفكيك الأزمات والنزاعات المتوقعة"، منوها إلى أن "تجارب الأسرة الدولية في الدبلوماسية الوقائية، تبدو ناجحة في بعض حالاتها، وغير موفقة في حالات أخرى". ويشير حمرا إلى أن الأممالمتحدة تستخدم معايير نوعية وكمية للتنبؤ بالنزاعات، مستندة إلى تقارير بعثاتها والدبلوماسيين والإعلاميين. ويلفت حمرا إلى أنه في بعض الأحيان توجد إنذارات مبكرة، ولكن ضعف التعامل معها يقود لنتائج كارثية، ويشير إلى ما حدث في يوغسلافيا ورواندا ودارفور، ويقول: "أشارت تقارير مختلفة لاحتمالات نزاع عنيف في تلك المناطق، ولكن لم يتم التعامل مع الأمر بشكل فعال". وليس بعيداً عن سابقه، فإن مدير مركز تحليل النزاعات ودراسات السلام د.راشد التجاني، يرى أن الرهان على نظام الإنذار المبكر، سيجنب البلاد شرور كثير من الملمّات التي يمكن تفكيكها، حال انخرط الباحثون في استقراء مسبباتها واحتمالية حدوثها، كخطوة استباقية لتلافي الآثار غير الموجبة للصراع السياسي والصراع على الموارد، مؤكداً على أن "المركز لن يدخر جهداً في تفعيل نظم الإنذار المبكر من خلال تحليل النزاعات السابقة، كخطوة مهمة لتجنب تكرار الصراع". معترك كبير النزاعات المسلحة توشك أن تلف خاصرة القارة السمراء، وتكاد تحيلها إلى معترك كبير للصراع السياسي والنزاع على الموارد. ولأن السودان ليس بدعاً من ذلك، فإنه استحال إلى مسرح عريض للنزاعات، الأمر الذي يحتم الركون إلى تفعيل نظام الإنذار المبكر، خاصة في وجود إشعارات وافرة عن احتمالية تفجر النزاع. غير أن أستاذ العلوم السياسية د.محمد أحمد عبد الغفار، يرى أن الاتجاه إلى تفعيل نظام الإنذار المبكر، تعوقه الكثير من العقبات، أقلها بطء حماسة الدول لمخرجات عمل بيوتات الخبرة الناشطة في نظام الإنذار المبكر، في دورة (نظام الإنذار المبكر والوقاية من النزاعات)، التي نظمها مركز تحليل النزاعات ودراسات السلام، التابع لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، وشدد عبد الغفار على ضرورة المواكبة في ما يلي الدراسة الاستباقية الوقائية، لإخماد النزاعات المتوقعة، ومضى يقول: "إن تطور أساليب الجماعات الناشطة في النزاعات على الموارد والنزاعات السياسية، يحتم ضرورة تطوير آليات استقراء احتمالات نشوء الصراع". منوها إلى بروز مؤشرات جديدة يمكن الاستفادة منها في طرق الإنذار المبكر، وذلك من خلال تطوير أدوات البحث والتقصي". ولخّص عبد الغفار المؤشرات الفائدة باحتمالية بروز نزاع على الموارد أو نزاع سياسي في: الأمن الغذائي، القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، النفقات العسكرية، السوابق التاريخية والعلاقات الخارجية. ولفت السفير إلى أن تحقق الحد المطلوب من هذه المؤشرات، كفيل بالانخراط في دراسة حالة لكتابة وصفة تتلافى بموجبها الحكومات حدوث النزاعات المسلحة، داعياً إلى تركيز البحث وتأهيل الكوادر، لتفعيل نظم الإنذار المبكر. وقريباً من قول "عبد الغفار" عاليه، فإن عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية الدكتور أمين إبراهيم آدم، أكد على ضرورة "تنشيط نظم الإنذار المبكر، بوصفها قرون استشعار تتحس الغد الآمن وتحذر من المستقبل الدامي، وتعهد آدم بالمشي قدماً في مجال تأهيل الكوادر، رغم العراقيل الممتدة والعقبات المتراصة، بنيّة أكيدة وعزم لا يلين".