لقد كتبت محذراً قبل ثلاث أشهر في هذه المساحة بالتحديد محذراً عن اتكالية كل عام ؛ فكل عام يتكرر نفس السناريو ونفس المشهد ونفس التبريرات ونفس تصريحات المسئولين وكأن أمر الفيضان والأمطار أمر استثنائي يأتي عام ويغيب ثلاثون عاماً ؛ وكأنما هو أمرغير متوقع أو لا تُعرف عواقبه؛ ومع كل الانجازات التي شملت أوجه الحياة في العاصمة ؛ تصبح جميعها عرضة للمخاطر إن لم تكن لدينا خطط للصيانة الوقائية ، التفتيش ، خطط طواريء وقائية مسبقة ؛ لدرء الكوارث إن أمكن أوتقليل خطرها ومخاطرها . ولكن إتضح أننا نستعد استعداداً مظهرياً لا يعتمد على التفتيش والتدقيق ؛ ولذلك يصح القول علينا بأننا لا نتعامل إلا بردات الفعل وننتظر دوماً الفأس حين تقع في الرأس فنصرخ ونهرول وكأن الأمر حدث جديد يحدث لأول مرة في تاريخنا بل من المؤكد أن الصغير والكبير؛ الوزير والمدير ؛ والخفير والخبير؛ والمتعلم والجاهل الأمي يدركون جميعاً أن السيول حدث موسمي يصاحب موسم الأمطار ويجب التحوط واتخاذ التدابير الوقائية القصوى حتى نتفادى الآثار السالبة التي تكلف معالجتها أضعاف تكلفة الاجراءآت الوقائية ، ولكن يبدو أن هناك فئات تستفيد من هكذا ظروف وكوارث ؛ وعلى ما يبدو أن مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد ؛ وهذا أسوأ أنواع الانتهازية .!! نحن لا ننكر أنه قد تحدث فيضانات في أي مكان نتيجة غزارة الأمطار, وقد يسقط المطر الغزير على ارض جافة وصلبة حيث لا يتمكن الماء من اختراق الأرض. وربما يكون سبب الفيضانات عواصف رعدية , و إعصار استوائي ؛ منخفض جوي عميق, حالات عدم الاستقرار الجوي. والفيضانات تؤثر على حياة الإنسان من مختلف النواحي وقد تكون سببا في الوفاة , ومن نتائجها ومخاطرها انتشار الأمراض والإغراق ولدغ الأفاعي وهدم وتكسير وأنقاض وانزلاق للتربة وانهيارات وتسرب المجاري وكما تؤثر سلبا على الزراعة والثروة الحيوانية , فإحصائيات المنظمات العالمية أثبتت بأنه قد تأثر بفعل الفيضانات 1,5 مليار شخص في العقد الأخير من القرن العشرين . إذن أن الأمر جد خطير ولا يستهان به. في بعض الدول التي تتكرر فيها الكوارث موسمياً أنشئت وزارة تسمى وزارة الطواريء ، وهذه الوزارة جل همها الاستعداد دائماً للطواري خاصة حماية الحياة المدنية والاقتصادية والبيئة ؛ فطيلة العام يظل منسوبي هذه الوزارة في حالة تأهب قصوى وتدريب مستمر على سرعة التدخل والانقاذ مع سرعة الحركة وخفة المناورة ومن أهم مهامها ضرورة توفير إحتياجات الاغاثة والانقاذ وضرورة توفير الاحتياطي اللآزم من المواد الطبية والغذائية وكذلك تأمين جميع المعينات من الطواقم البشرية اللآزمة والمتخصصة؛ الموظفة والمتطوعة في كل المجالات؛ مع تأمين وسائل ووسائط النقل ؛ وكذلك الآليات والمعدات المتحركة الآزمة التي تكون دائماً في حالة جهوزية وتأهب واستنفار للتدخل السريع. إن المشاركة الوجدانية والعاطفية والاعلامية ومواساة المنكوبين من قبل السلطات أمر طيب ولكن بحد ذاته لا يكفي لمنع كارثة أو تصريف مياه السيول أو طمي برك المياه ؛ولا تمنع من جرف الأخضر واليابس لأن المشاركة الوجدانية فقط لن تمنع توفير بيئة حاضنة للأمراض نتيجة تكاثر وتوالد البعوض في المستنقعات الذي هي مسبب وباء الملاريا ؛ إن حدثت كل هذه المصائب فهذا مرده لأن السلطات لم تحتاط بما يلزم من الاجراءآت الوقائية التحوطية والاحترازية لتفادي الكارثة المتكررة موسمياً. نؤكد أن أساس النهضة في كل بلد هي التعليم ؛ لابد لنا من أن نأخذ بأحدث مناهج ووسائل التعليم في الدول التي غيرت من برامج التعليم لتواكب ضرورات التنمية البشرية والاقتصادية ومن هذه الضرورات ما يسمى بالتربية الربانية التي تقوم على حماية الإنسان ووقايته من كل ما من شأنه أن يفسد حياته, ونحن نعلم أن منهج الإسلام التربوي يقوم في أكثر مساحته على الوقاية لكون الإنسان بحاجة لها أكثر من حاجته للعلاج ؛ قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...) سورة التحريم آية(6). تسمى هذه التربية اليوم بالتربية الوقائية (Protective Education) أو التربية الآمنة ومن أهم عناصرها: الوقاية من المخاطر الطبيعية, والأزمات البشرية, وعلاج مسبباتها فلابد من البحث في كيفية تفعيل أساليب ووسائل الوقاية المتبعة لمنع أو تقليل الخسائر المترتبة على الحدث قبل وقوع المخاطر الطبيعية وفي حال وقوعها. الأخذ بكل الوسائل والاسباب والمعطيات لغرس ثقافة درء المخاطر والتعامل مع الكوارث الطبيعية ومراعاة ما يلي: تعزيز ثقافة الحد من الكوارث الطبيعية بما في ذلك محاولة منع الكوارث إن أمكن والتخفيف منها والتأهب لها والتصدي والإنقاذ . التركيز الشديد على الوقاية من أخطار الكوارث التركيز على أهمية نظم الإنذار المبكر ويتم ذلك من خلال: الاستغلال الأمثل للمعدات وللتكنولوجيا بشكل عام ولتكنولوجيا الفضاء والاستشعار عن بعد والاتصال بشكل خاص. الاستغلال الأمثل للقدرات البشرية المدربة تدريبيا فنيا جيداً على استخدام التكنولوجيا والمؤهلة علمياً. وذلك من أجل القيام بعمليات الرصد والمراقبة والتحليل وبالتالي الحصول على التنبؤ الدقيق للظاهرة التي قد تؤدي إلى كارثة. الحاجة إلى شراكات وحلقات وصل تنظيمية على المستوى الوطني من أجل تعزيز آليات التحذير الوطنية بوقوع أخطار. قدرة نظام الإنذار المبكر على إيصال المعلومات الدقيقة إلى المعرضين للمخاطر. عمل البحوث العلمية ذات العلاقة بالموضوع والتعلم من الدروس السابقة للكوارث. استخدام الأدوات والعمليات المناسبة واللازمة لتقييم وتقدير المخاطر. تقوية البنى الأساسية. وجود خطط طوارئ على المستوى الوطني والمستوى المنزلي وحتى المستوى الشخصي قابلة للتطبيق في الوقت المناسب. العمل على قيام تعاون دولي وعالمي ويتم ذلك من خلال : o إقامة الشراكات مع المنظمات الدولية والإقليمية o القيام بمشاركة نشطة في الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث o المشاركة في الاجتماعات والمؤتمرات ذات الصلة والمتخصصة. o تبادل الخبرات مع الدول التي إكتسبت خبرات واسعة في مجال تقليل المخاطر ودرء الكوارث. علينا بالتخطيط السليم ووضع أهداف وبرامج محددة ومتطورة تأخذ بأحدث ما وصل إليه غيرنا على أن يتواءم وامكاناتنا وليكن ذلك وفق جدول زمني محدد ؛ وحتى لا ندعي الفجاءة ونهرول حول سلة التبريرات والاتيان بأسباب ما أنزل الله بها من سلطان لأمر هو معتاد ولا يغيب عاماً عنا ؛ بل هو زائر حتمي الحضور ومواقيته محددة . فيما مضى من التجارب المريرة كافٍ ؛ والآن علينا أن نظهر الجدية فالأمر يتعلق بحياة الغبش سالكني أطراف العاصمة والذين لا طائل لهم بإعادة بناء أو تأثيث أو حتى التوقف عن العمل لأن في ذلك يعني حرمان أسرته من قوت يوم غيابه عن العمل ولا نتوقع أن يمد يده من أجل " عطية المزين " من ديوان الزكاة .. !! Abubakr Ibrahim [[email protected]]