وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    والي الخرطوم يشيد بمواقف شرفاء السودان بالخارج في شرح طبيعة الحرب وفضح ممارسات المليشيا المتمردة    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    محمد خير مستشاراً لرئيس الوزراء كامل إدريس    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة جديدة لكتاب حروب الأشباح قصة الفشل الاستخباراتي الأمريكي (2-3)


قصة الفشل الاستخباراتي الأمريكي (2-3)
محمد عبد السيد
رهان الحكومة السودانية على تبدلات في مواقف أمريكا تجاهها صائب ولم يكن وزير الخارجية علي كرتي وعدد من معاونيه وفى أكثر من مناسبة مخطئين او حالمين وهم يحسبون بأكثر من صيغة أن تبدلا قد حدث في نظرة الحكومة الامريكية تجاه السودان خلال الأشهر القليلة الماضية, وبالتوازي فإن رهان قوى من المعارضة على ضغوط أمريكية على الحكومة خاطئ, فقد بدرت في الفترة الرئاسية الثانية لبراك أوباما ومن مراكز اتخاذ القرار العديدة هناك إشارات دالة على ذلك, فقط كان مطلوبا من الدبلوماسية السودانية والمعارضة إعادة قراءاتها وتفسيراتها, خاصة وأن بعض الإشارات بدت متعارضة أو متقاطعة مع المجرى الرئيسي للعلاقات في ربع القرن الأخير.
لم يكن واردا فى بال المسؤولين فى واشنطن ما يمكن أن يسببه المجاهدون العرب في أفغانستان من مشاكل. أولئك الذين تلقوا دروسا فقهية تعيد تعريف الكفار وتحددهم عينا (أمريكا وإسرائيل), ولم يشر إليهم السياسيون في واشنطن خلال الحملة الانتخابية لبوش الأب وكلينتون عام (1992م).
وكان الأخير بالكاد مهتما بما تشكله (العراق وإيران وحزب الله) من مخاطر على المصالح الأمريكية. أما ما يحدث في أفغانستان فلم يكن يلفت نظر أحد في واشنطن، وقال أحد محللي وكالة المخابرات: "لم تكن المسألة أساسية حتى في الفترة الأخيرة من حكم إدارة بوش الأب".
وفي سياق مواز كان الغضب والرغبة في الانتقام والإضرار بأمريكا التي تتجاهل وتتستر على الجرائم الإسرائيلية يعتمل في صدور شباب من المسلمين من بينهم مثلا, مير أمل قاسي الباكستاني الأصل، المقيم في أمريكا قادما إليها من ألمانيا بحثا عن فرصة حياة جديدة.
وفي يناير (1993م) اختمر في رأسه اعتقاد راسخ بأن المخابرات الأمريكية هي سبب كل مآسي المسلمين، وكان الاعتقاد يتكثف كلما مر أمام مبني الوكالة.
ووضع قاسي خطة محكمة تمثلت في شراء رشاش (الاي كاي 47) ولم يكن عصيا عليه استخدامه إذ كان مدربا على استخدام السلاح في بلاده، وحجز مقعدا للسفر الى باكستان مساء 26 يناير.
وفي صباح 25 ركن قاسي سيارته قرب منعطف لجهة اليسار من المدخل الرئيسي للوكالة وترجل منها فشاهد رجلا يقود سيارته اتجاه المبنى فأطلق عليه النار من الزجاج الخلفي، ثم اقترب منه وأطلق عليه النار من جديد ثلاث مرات واتضح لاحقا أن القتيل أحد ضباط الخدمات السرية في الوكالة، وتقدم قاسي نحو مدخل المبنى وأطلق الرصاص على أربعة رجال آخرين, خر واحد منهم صريعا. ولم يجد قاسي صعوبة في مغادرة المكان سريعا,لأن الضحايا كانوا أولئك الأشخاص الذين بدأوا في التوافد للعمل مبكرا، وفي اليوم التالي غادر أمريكا لبلاده تاركا رجال المباحث المركزية والوكالة يتخبطون.
وقبل أن تفيق هذه الأجهزة وصل باكستاني آخر هو يوسف رمزي الى نيويورك بجواز سفر مزور وحاملا كتيبا إرشاديا لصناعة قنبلة، واتصل فور وصوله بإسلاميين من أتباع الشيخ عمر عبد الرحمن وتفاكر معهم حول تأمين معدات لصناعة قنبلة تستطيع قوتها التدميرية تحطيم الدعامة الوسطى لأحد برجي مركز التجارة العالمي.
وبعد شهر من عملية قاسي زرع يوسف قنبلة مزودة بجهاز توقيت الكتروني في الطابق الثاني من موقف سيارات في مركز التجارة وعند انفجارها قتلت ستة أشخاص وأدت إلى جرح ألف شخص وتجاوزت قيمة التدمير 500 مليون دولار.
وبعث يوسف برسائل الكترونية يعلن فيها مسؤولية جيش التحرير الفيلق الخامس عن التفجير، وتوعد بمزيد من العمليات مالم تضع أمريكا حدا لمساعداتها لإسرائيل وحدا للعلاقات الدبلوماسية.
وساد اعتقاد داخل السي آى إيه أن حكومة أجنبية تقف وراء التفجير والاعتداء على مركز لاتغلي أيضا واحتل العراق رأس لائحة الدول المشتبه بها, يتبعها إيران وليبيا, كما كان السودان حيث استلمت حكومة إسلامية السلطة غداة انقلاب موضع شك أيضا.
ويقول كول معلقا: "عكست هذه اللائحة المبعثرة التي تحمل أسماء المشتبه فيهم, الطابع المقسم لما تسميه السياسة الأمريكية بالنشاطات الإرهابية حول العالم"، وكانت بيروقراطية مكافحة الإرهاب في واشنطن عام (93م) مشتتة ومتأثرة بالمنافسة بين الوكالات، ورازحة تحت وطأة الميزانيات المتقلصة، وكان مكتب مكافحة الإرهاب التابع للخارجية في حالة من الفوضى، وقد قوضته التقلبات في القيادات المتشاكسة فيما بينها.
وعلى الرغم من وجود ثائق تظهر ظل بن لادن خلف عدد من العمليات ومن بينها حادثتي قاسي ويوسف، إلا أن التحقيق في قضية تفجير مركز التجارة لم يركز عليه، بل كانت هنالك مذكرة تصفه (كعامل مستقل تعاون في بعض الأحيان مع أفراد آخرين أو حكومات من أجل الترويج للقضايا الإسلامية الجهادية).
ويؤكد الكتاب أن (عملاء الاف بي أي وعملاء السي آى إيه لم يلحظوا سرعة ظهور الجهاديين كقوة مستلقة تتعدى الحدود القومية) بينما اعتبروا إيران الشيعية منبع ما أسموه الإرهاب المحرك دينيا. وينقل الكتاب عن مستشار الأمن القومي في إدارة بوش الابن طوني لايك قوله: "هل نجد عندما نلتفت الى الماضي أننا أفسدنا الأمر؟" ويجيب قائلا: "بالطبع".
السودان في الصورة
شهد العام (93م) الذي وقع فيه حادثا لانقلى ومركز التجارة, وصول كوفر بلاك إلى الخرطوم قادما من لندن رئيسا لمركز وكالة المخابرات بالسودان ولكن تحت غطاء دبلوماسي بسفارة بلاده, وكانت الخرطوم حينها طبقا للكتاب موئلا للأصوليين والمناوئين لأمريكا ويقول كول إن الدكتور الترابي بصفته أمينا عاما للحزب الإسلامي الذي استولى على السلطة عام (89) أقر بأن بلاده قاعدة آمنة لحماس وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وجبهة الإنقاذ الجزائرية, كما رحب بابن لادن بعد ترحيله من المملكة في العام (1991).
ورغم أن التوجيهات الصادرة لبلاك هي العمل ضد الأهداف سالفة الذكر إلا أن التوجيهات العملياتية في قضية ابن لادن تم حصرها في جمع المعلومات، إذ لم يمنحه البيت الأبيض تفويضا باعتراض القاعدة وتعطيل عملها.
واهتم بلاك بصفة خاصة بزيارات الإيرانيين والعراقيين للخرطوم وكانت برقياته تصف ابن لادن بالقائد الناشئ الذي يريد أن يصبح لاعبا أساسيا في الحركة الإسلامية, وشخصا مستعدا لأن يمول شريحة واسعة من الجماعات الإسلامية وأخرى إرهابية إلا أن مركز الوكالة في الخرطوم وفي لانقلى لم يكن لديهما الدليل القاطع على اشتراكه المباشر في الهجمات الإرهابية بنيويورك وواشنطن مطلع (1993)، ويضيف الكاتب أن الأمريكيين راقبوا ابن لادن باعتباره شيخا وقورا وزاهدا محاطا بحراس مساعدين مسحلين.
وفي أواخر العام (94) بدأت تحليلات وكالة المخابرات المركزية تأخذ منحى جديدا ولكن بحذر وتردد بناء على تقارير بلاك من الخرطوم, فأثناء اجتماع بالبيت الأبيض في أوائل عام (95) شبه محللو الوكالة مقر ابن لادن في الخرطوم بمؤسسة فورد (للأصولية السنية مصدر هبات للعمليات العنيفة) وبنهاية عام (95) لم يعد لدى المركز في الخرطوم كما يقول الكتاب أي شك أن مساعدي ابن لادن يضمون أشخاصا ملتزمين دينيا وعلى استعداد لعمليات قاتلة, وتساءلت برقيات بلاك (متى ستواجه أمريكا ابن لادن بشكل مباشر).
وازداد الاهتمام بالرجل بعد القبض على يوسف الذي ظلت الاف بي آي تتعقب خيوط التفجيرات بمركز التجارة عام (93) إذ وجدت هذه المؤسسة فى شقة بمانيلا عاصمة الفلبين كان يوسف مقيما بها على بطاقة هوية تحمل اسم محمد خليفة تبين لاحقا أنه أحد أقرباء ابن لادن واتضح للمحققين أن يوسف أقام في فندق باكستاني يموله ابن لادن بعد حادثة التفجير.
وكانت وكالة المخابرات المركزية المهتمة بصدام والعراق غير متأكدة ما إذا كان يوسف منظما ضمن حركة أكبر أو يعمل بشكل فردي.
ولم تكن برقيات بلاك من الخرطوم تلقى التحليل الكافي والمتعمق من رؤسائه فى لانقلي, وعوضا عن ذلك تمسك عدد من المحللين بأفكار مسبقة حول من يجب اعتباره حليفا وفيا ومن يجب اعتباره عدوا, وهدفت الإستراتيجية الأمريكية التى صادق عليها الرئيس كلينتون فى العام1995 الى احتواء إيران والعراق. وتبقى المشكلة الرئسية فى نظر مؤلف كتاب حروب الأشباح أن الخبراء المتخصصين فى الشؤون العربية درسوا قضايا الشرق الأوسط على مدى عقود من خلال عدسة الحرب الباردة (الكتلة السوفيتية مقابل الغربية) وقد تحددت رؤيتهم بسبب التواصل المباشر والمستمر مع نخبة من العرب العلمانيين، ونادرا ما ارتاد رجال المخابرات المركزية أو معدو الإستراتيجيات المساجد الخاصة بأبناء الطبقتين الوسطى والدنيا فى القاهرة, الجزائر, تونس وكراتشى, حيث كانت تباع فى مداخل تلك المساجد أشرطة كاسيت تحمل خطبا معادية للغرب وعلى الأخص أمريكا.
وبالكاد فى منتصف 1995 تمكنت المباحث المركزية وهى تعمل على قضية رمزي يوسف من الاستنتاج (أن جيلا جديدا من الإرهابيين قد ظهر على المسرح العالمي) فيوسف وشركاؤه وفقا للاستنتاج (لديهم الإمكانية للوصول الى شبكة عالمية توفر لهم الدعم والتمويل والتدريب والملجأ) وقال محللو المباحث (لم تتزايد عملياتهم التفجيرية والعنيفة بالصدفة بعد انتهاء الحرب الأفغانية السوفياتية, إذ كانت معسكرات التدريب حاسمة بالنسبة ليوسف). ويقول الكتاب إن أسبابا واضحة أثارت الشك بأن يوسف وشركاءه يتلقون دعما من أسامة. واعتبرت السى آى أيه اسامة بن لادن رجلا يستحق المتابعة فى مطلع العام 1996, وذلك بعد تعيين ريتشارد كلارك مديرا لمكافحة الإرهاب، ولاحظ الرجل أن كل البرقيات الاستخبارية الواردة من شمال إفريقيا تحمل اسم ابن لادن كأحد أهم ممولي الإرهاب. ونقل الكتاب عن كلارك قوله إنه طلب من المخابرات المركزبة ووزارة الدفاع الامريكية تطوير خطط عمل ضد القاعدة فى السودان بدلا من جمع المعلومات ولكن أيا منهم لم يرسم خطة ناجحة. وانخرط مركز كلارك فى رسم خطط لإلقاء القبض على ابن لادن, لكن المسؤولين فى البيت الأبيض لم يوافقوا على هذه الخطط ويقول كول: "وقبل أن يتمكنوا من إلقاء القبض عليه غادر السودان إلى أفغاتستان". ويعتقد كول أن ابن لادن كان على علم بالاتصالات الجارية بين الخرطوم وواشنطن لتفادي إغلاق سفارة الأخيرة فى السودان وقد سلم الأمريكيون للسودان قائمة بالمطالب تجنبا لإغلاق السفارة ولم يكن من بينها تسليم ابن لادن لأسباب تتعلق بالقوانين الأمريكية وكان بدلا من ذلك بالإمكان اقتراح طرده وهو ما لم يحدث أيضا. ويضيف الكتاب: "لم يتصرف السودان بالشكل المناسب فيما يتعلق بلائحة المطالب الأمريكية"، ولم يتطرق الكتاب الى تفاصيل اللائحة، وبدلا من ذلك قفز ليقول: "توصل الرئيس البشير إلى أنه لن يستطيع كسب ثقة واشنطن أبدا أو جذب الاستثمارات الأمريكية ما دام ابن لادن يتمركز فى الخرطوم. لذا أبلغه البشير عبر الأجهزة المسؤولة برؤيته تلك. ويضيف الكتاب أن ابن لادن كان واعيا جدا بمن هم أعداؤه الحقيقيون فأمريكا هى التى تدفعه فى النهاية لمغادرة السودان.
صعود طالبان برعاية أمريكية
تزامن وصول ابن لادن الى أفغانستان مع الصعود المضطرد لحركة طالبان فى المشهد السياسي هناك, وكانت
أفغانستان انزلقت نحو الفوضى والاقتتال الأهلي بعد خروج السوفييت ولعبت باكستان دورا كبيرا فى تلك الفوضى التى عمت الإقليم بسبب انحياز رجال استخباراتها لقبائل البشتون الذين يتمددون فى أفغانستان وباكستان. وفى السياق قرر المسؤولون لأسباب عقدية احتضان حركة طالبان من بين الجماعات البشتونية الأخرى. ويقول كول فى كتابه حروب الأشباح: "غالبا ما اعتبرت أمريكا وأوروبا بروز طالبان وظهور القائد الأعلى للحركة الملا عمر بمثابة انتصار مجموعة متدينة وتقية ومكونة من الطلاب المتدينين الذين وصلوا السلطة بعد انتفاضة شعبية على أمراء الحرب المجرمين فى قندهار."، ويعتقد كول أن الروايات التى نشرتها طالبان عن أشواق الملا لتحقيق العدالة الشعبية, وإقدامه على شنق أشخاص أدينوا بالفساد واغتصاب الفتيات عززت من النظرة الإيجابية الغربية لطالبان عام 1994 ويضيف: "عندما انتشرت طالبان خارج قندهار الى بقية قطاعات أفغانستان كانت مجرد لوح أملس كتب عليها الآخرون طموحاتهم, وكانوا فى نظر علماء اجتماع أوروبيين أنهم يختلفون عن بقية الفصائل الأفغانية الانتهازية, فهم يعنون كل ما يقولونه". وينتقل كول الى رؤية المسؤولين القليلين المعنيين بما يحدث فى أفغانستان بعد انتهاء الحرب الباردة ويقول: "لقد تقبلوا الروايات الباكستانية التى تقول إن طالبان قوة تطهير تهدف الى توحيد الباشتون وإنها قادرة على إحلال الاستقرار فى كامل أفغانستان ووقف سفك الدماء والحد من تهريب المخدرات"، وفى الأثناء طرأ عامل جديد دفع أمريكا لإعادة النظر فى سياستها التى تستخف بما يجري فى آسيا الوسطى وهى النفط والغاز.
المصالح الاقتصادية أولا
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراط عقد جمهورياتها لفت انتباه الشركات الأمريكية خاصة شركة أونوكال التى تعد واحدة من بين اثنتي شركة عالمية تعمل فى مجال النفط؛ حجم احتياطي الغاز البالغ(159) ترليون قدم مكعب و(32) مليار برميل نفط الكامنة فى آبار جمهورية تركمستان التى كانت قد أغلقت آبارها بعد نزاع مع الدولة الأم التى استقلت عنها وهى روسيا حول كيفية إدارتها واعتبرت شركات النفط الكبرى أن ماحدث هو مشكلة ولكنه أيضا فرصة. وتحركت اونو كال بسرعة على عدة محاور لأنها كانت على شفا الانهيار بعد أن بلغت خسائرها فى عام 1994 حوالي (153) مليون دولار. كان المحور الأول إنشاء خط أنابيب من تركمستان الى الموانىء الباكستانية عبر أفغانستان, ولم تكن هناك عقبة أمام إقناع الباكستانيين أو التركمانيين, إنما المعضلة هى كيف يمكن تأمين مرور الأنابيب عبر أراضي أفغانستان المضطربة. كان الحل فى تقدير مسؤولي أونوكال هو الاتصال بقادة طالبان. وكان تحرك مسؤولي هذه الشركة متماهيا مع سياسة إدارة كلينتون الرامية لمساعدة الشركات الامريكية وتعزيز استقلال جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا المنتجة للنفط, ووقف احتكار روسيا للأنابيب الناقلة لموانىء التصدير. وكان البيت الأبيض مستعدا لدعم إنشاء أنابيب من مناطق الإنتاج سالكة طرقا بعيدة عن روسيا.
النفاق الأمريكي
تمكنت طالبان من السيطرة على كابل فى مطلع عام 1996 وعلى الفور أصدروا عدة مراسيم من بينها منع النساء من العمل مطلقا ونتيجة لذلك على سبيل المثال فقدت ثمانية آلاف امرأة وظائفهن فى جامعة كابل, ووصل الأمر حد إصدار قوانين تعاقب الترزي الذى يحيك ملابس نسائية بالسجن.
من جانبها بعثت الخارجية الأمريكية بتهنئتها لحركة طالبان بقوانينها الجديدة. ويقول الكتاب إن الدبلوماسيين الأمريكيين عقدوا عدة اجتماعات مع ممثلين للحكومة الجديدة ونقلوا لهم اهتمام بلادهم بضرورة تحقيق الاستقرار وحقوق الإنسان, وكانوا يقولون: "نرحب بضماناتكم بالنسبة لإغلاق معسكرات التدريب العسكرية والإرهابية التابعة لحكمتيار وسياف والمجموعات العربية"، ثم يطرحون السؤال التالي: (هل تعلمون مكان الممول السعودي السابق والأصولي أسامة بن لادن؟) ويضيفون: "لقد سمعنا أنه فى المقاطعات الشرقية فوجوده هنا برأينا لن يخدم مصالح أفغانستان", وكان رد رجال طالبان إنهم لا يملكون أدنى فكرة عن مكان وجوده. وفى مطلع ديسمبر من نفس العام بعث وارين كريستوفر وزيرة الخارجية فى إدارة كلينتون ببرقية لقادة طالبان يقول فيها: (نريد التعاون معكم لطرد الإرهابيين كافة وكل من يدعم الإرهاب). وفى ذات الإطار, إطار دعم الحكام الجدد طلبت ممثل أمريكا فى مجلس الأمن من الأعضاء مساندة طالبان (من أجل إحلال السلام, فطالبان تسيطر على أكثر من ثلثي البلاد. إنهم أفغان, من السكان الأصليين, وقد برهنوا على قدرتهم فى الاستمرار.) وكانت المندوبة كما هو واضح فى الكتاب تعبر عن رأي شركة أونوكال البترولية التى كانت تأمل أن تؤدي سيطرة طالبان لتسريع المفاوضات المتعلقة بخطوط الأنابيب.
الثلاثة يحبونها
شهد خريف العام 1997 تسابقا محموما من ثلاثة أطراف لكسب ود حركة طالبان: الأول الولايات المتحدة الأمريكية التى لم يقتصر ترحيبا على الخارجية فقد طالب خبراء فى الحزب الجمهوري المعارض آنذاك وأعضاء فى الكونقرس(بإعطاء طالبان فرصة) وكتب خليل زلماي زادة المختص في الشئون الأفغانية تقريرا يقول فيه: (لقد آن الأوان لتعود الولايات المتحدة الى اللعبة. فطالبان لم تتبع سياسة معادية لأمريكا مماثلة للنظام الأصولي الإيراني بل هي أقرب الى السعودي), أما الطرف الثاني فهو أسامة بن لادن الذى (تسلل الى مملكة الملا عمر ووصل خلال شتاء1997 إلى صحراء قندهار للإشادة بحكمة الملا وأفكاره العظيمة حول المشاريع المعمارية التى ستغير عاصمة البشتون الروحية ومشيدا بإيمان الطالبان وقوتهم), واستنتج الكتاب أن تكون الاستخبارات الباكستانية سهلت التعارف بين ابن لادن وطالبان. وكان الرجل بالنسبة للطرفين حليفا جديدا ومتبرعا سخيا ولكنه يدعو للريبة لكونه دائم التهجم على الأسرة المالكة فى بلاده. ويضيف الكتاب: ولكن كان لابن لادن برنامجه الخاص الذى سيجعل الحكام الجدد فى أفغانستان يتبنون قضيته وكان هذا البرنامج حتى ذلك الحين غامضا للسي آي أيه ومكتب مكافحة الإرهاب فى البيت الأبيض فيما كان الرجل يرسل موالين لإفرقيا وأماكن أخرى للتحضير لهجمات ضد أهداف أمريكية. فالبيت الأبيض لم يأمر بالقيام بعمليات سرية ضده عدا عن تجميع المعلومات الاستخبارية إلا نهاية97 .
الطرف الثالث هو شركة أونوكال التى كان مسؤولوها يلتقون وينظمون زيارات راتبة لقيادات من طالبان لواشنطون. وتفيد تقارير اطلع عليها كول أن الشركة النفطية رصدت 900000 دولار لإنشاء وحدة تدريبية فى قندهار على أرض مساحتها 56 فدان لإعداد مواطنين أفغان للعمل فى إنشاء خط الأنابيب المزمع. وكانت الشركة فى أواخر العام 1997 تسعى لتحويل انتصارات طالبان الى صفقة خطوط أنابيب وكانت تشيع أن طالبان يمكن أن تكسب(100) مليون دولار سنويا. وكانت العقبة الآخذة فى التضخم أمام علاقات اقتصادية أو سياسية أمريكية مميزة بين أمريكا وطالبان تهرب الأخيرة من أي التزام لفض تحالفها المتنامي مع ابن لادن. وكانت وكالة المخابرات المركزية فى تلك الفترة تتلقى المزيد من المعلومات التى تحذر من خطر ذلك الثري السعودي.
نواصل...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.