يمثل حي الأسكلا كل السودان، وهذه حقيقة لا تقبل الجدل. فكل رموز الخدمة المدنية والعسكرية ممثلة في قياداتها مرت عن طريق الأسكلة، ومن زمن الاستعمار الانجليزي كان بيت الحكمدار والمأمور وقادة السرايا يقطنون بها. وهي رغم صغر حجمها إلا أنها كانت تضم كل قطاعات الحكومة والخدمة المدنية فيوجد بهة ثلاثمائة منزل تقسم على النحو التالي.. مائة منزل للبوليس وعشرين للجمارك وخمسة للمطافئ وجزء غير يسير لسكة حديد والجزء الغالب لموظفي وعمال الموانئ البحرية والمعلمين. ما يميز الأسكلة جغرافيا أن الله تعالى حباها بموقع متفرد جدا فهي شبة جزيرة وتنفرد منتحية جانبا من الميناء في عزلة روحية موجبة، يحيط بها البحر شرقا والميناء والبحر غربا والمخازن تطوقها شمالا بينما يعانقها لسان ومدخل الميناء جنوبا. يميز الأسكلة على غيرها من مناطق البورت أن المستوى الاجتماعي فيها متساو ولا يوجد أي تفاوت طبقي مما عضد الوحدة الاجتماعية والتماسك الإنساني في نسيج رائع ويرجع ذلك لأنهم كلهم موظفون تتقارب رواتبهم ويحكمهم نظام عمل واحد كالسكة حديد عطبرة فيخرجون ويعودون في نفس الزمن وينتشرون كالنحل مساءً لممارسة نشاطهم الاجتماعي بالأندية والمنتديات محدثين حراكا وصل أثره لكل البلاد. ومن المعروف بأن أكبر معرض للكتاب تاريخيا أقامه أبناء الأسكلة ممثلا في نادي الكوكب وشمل أكثر من خمسة آلاف كتاب بنادي الميناء ولفت انتباه المهتمين في هذا المجال. من الرموز التي سكنت الأسكلة يحيى زكريا أول مدير عام للمطافئ في السودان ويلقب بأبو المطافئ وعدد من وزراء الحكومة الحزبية في الستيننيات مثل يحيى الفضلي والذي سكنت أخته بحي الأسكلة وهنالك حمزة الفاضلابي المدير العام للموانئ البحرية ونائب المدير العام للبوليس (لا أذكر اسمه بالضبط) وهنالك حسن بصل أول غطاس سوداني والذي ورث الصنعة عن سلفه الأغاريق في عهد الإنجليز. في المجال الرياضي استطاع الكوكب (رابطة البر الشرقي) استطاع ورغم صغر الحي أن يحرز بطولة كل المحافظة متربعا على عرش خمس روابط بالمحافظة تضم 75 فريقا ويحرز أول كأس وكان مرشحا للصعود للاتحاد المحلي إلا أن المؤامرات أطاحت به على أساس أن الأسكلة تفتقد للقاعدة الجماهيرية. ومن أبرز لاعبي الأسكلة بالاتحاد المحلي عبر الزمن كل من علي الكرار بخيت والزين طلب وحسن بصل (الخمسينيات) مرورا بقيلي (الشبيبة) وسمير عمو والجقير (عثمان ميرغني ) العرب وعثمان عوض الله وعبد الرحمن نيبة والهادي نيبة والسر ميرغنى والمصري وعدد كبير لا يسع المجال لذكرهم وعائلة جكنون اللاعب والمهاجم الخطير ووالده الحكم الدولي وعائلة جنبلان حمودة والزين ومنتصر الاقتصادي البارع والعقيد شرطة الفاتح وعائلة مدني منهم الفنان التشكيلي العالمي ابوالحسن مدني وعملاق الصحافة نور الدين مدني وعائلة بكري اصحاب اشهى مطاعم الفول. ومن اشهر المحلات التجارية دكان عبد الله طيفور وقهوة علي البكري كملتقى للنجوم الرياضية والشبابية. وهناك الدكاترة الاستشاريون ومدير بنك قطر الحالي وعائلة فايز خليل وتيسير وعادل ميرغني العالم وعائلة طمبل وعائلة محاري وجيرانهم العقيد شرطة الريح مكي وكثيرون إن لم يحالفني الحظ لذكرهم . وفي مجال السياسة فهنالك بعض الوزراء نذكر منهم كمال عبد اللطيف ودكتور مصدق رحمه الله واخوه حافظ محمد حسين بديوان الزكاة وعمنا الترزي وصاحب المخبز حواية الله والد ابراهيم جكسا ولهم (ويب صايد) على الإنتريت باسم ابناء الأسكلة أو شاطئ الأسكلة ولهم نشاطات ثقافية. وتمتد اتصالاتهم شرقا لدول الخليج وشمالا لأوربا وغربا حتى امريكا. للأسف فإن الأسكلة تتم إزالتها الآن وتختفي من خارطة السودان كأقدم حي في السودان (حي حكومي) تحت ستار العولمة والتوسعة وهي اغلى ارض كموقع شبه جزيرة سياحية مهمة واثرية وهو موقع لفندق خمسة نجوم. واختفاء حي هو اختفاء معلم تاريخي يجب التوثيق له. ولم يحدث في التاريخ الحديث أن اختفى حي من الوجود إلا بسبب الزلازل والبراكين. ابراهيم شنون