شعر الخليفة العباسي بشاعرية الشاعر علي بن أبي الجهم عندما استمع إليه مادحا: أنت كالكلب في الوفاء *** وكالتيس في قراع الخطوب وشعر بأزمته فسارع بنقله من الصحراء حيث الجفاف وقسوة الطبيعة إلى القصر في بغداد حيث الجمال والمدنية والراحة فقال قصيدته التي تعدّ من عيون الشعر العربي لدرجة أن النقاد قالوا إن المادح هو شاعر وقائل القصيدة شاعر آخر ومطلعها: عيون المها بين الرصافة والجسر*** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري هذا التحول الذي حدث للشاعر لفظا ومعنى، سلوكا ودواخل فطن إليه الخليفة إذ إنه راهن على شاعرية الشاعر وكسب الرهان بهذه النقلة البيئية، فمتى نفطن نحن إلى بيئتنا المدرسية وبعض مدارسنا تجلس في العراء حيث لا سور لها، وأثبت علم النفس (إذا رفع الرجل صوته في الحديث لدرجة الصراخ تأكد أنه يسكن في العراء)، والمنهج يحدثنا (من آداب الحديث خفض الصوت)، والمعلم يحدث الطالب عن الحدود الشخصية وضرورة التزامها والمدرسة التي يدرّس فيها هذا لا حد لها ولا إطار والمعلم يربي الطالب على قيم النظافة وضرورة المحافظة على مظهره الجميل فكيف يحافظ الطالب على نظافته وهو يتلقى دروسه مفترشا الأرض ومستنشقا العجاج؟ فإذا كانت النظافة قيمة جميلة فإن المحافظة على النظافة أجمل إذ فيها تتجلى خاصية (التعّلم). المنهج يحدثنا عن الشجرة وجمالها وأهميتها وحث المصطفى (صلى الله عليه وسلم) على غرسها حتى عند قيام الساعة، وفي بعض مدارسنا لا أثر للشجرة حتى في خيال الطالب، إذن كي يغرس المعلم في نفوس طلابه قيم الجمال ويفجر في نفوسهم طاقات الإبداع، وكي يصل المنهج إلى أذهان التلاميذ، وكي تترجم النظرية لا بد لنا من إنقاذ طلابنا حتى لا تتصحر نفوسهم ويجف ماء الحياة في أعماقهم، ولن نحلم بحل كحل الخليفة العباسي ولكن بالحد الأدنى مدارس جميلة ومخضرة ومسوّرة وطالب جالس بارتياح، ومدارس عندما تدخلها تحس بالحياة والحركة والإبداع لأن كل هذه الأشياء ستلقي يظلالها على نفوس الطلاب والإنسان ابن بيئته بدليل المعلم الذي جاء بطالبين من بيئتين مختلفتين وطلب منهما رسم (شوكة) و(عود) فرسم ابن البيئة الصحيّة الشوكة كما يجب والعود كما ينبغي أما (زولنا) فرسم (شعبة) للعود و(ضريسة) للشوكة، فإذا أردنا تنشبئة الطفل على قيم الجمال والنظافة والنظام وتفجير منابع الإبداع في دواخله فلا بد ن تكون هذه القيم محيطة به، وقد أثبت العلم الحديث أن الجمال يمكن أن يكتسب بالتنبيه وترديد الملاحظة فالطفل لا بد أن يكون جميلا حتى يرى الوجود جميلا، وأيّاً كان تواضع القرية التي أتى منها الطفل فيجب أن تكون مدرسته أرفع وأروع حتى يحس بجمال الحياة الجديدة، وكل مرحلة ينتقل إليها أجمل من سابقتها وهذا لعمري دافع يعزز في نفسه حب التعليم واستشراق المستقبل. نواصل مناهل إبراهيم ميرغني حسن معلمة - محلية المناقل -العزازي