منذ مراهقتي.. وأنا أفكر في مقولة منسوبة للكاتبة السورية غادة السمان (ثمة مصاص دماء لطيف نتغزل به جميعاً وندين له بالولاء، اسمه الحب ..أصيب بالهياج في طفولته.. وأصيب بالجنون في مراهقته.. وبالفتور في كهولته..أصيب بفقدان الذاكره في شيخوخته.. لكنه ما زال يحكمنا !...). تلك الأنثى المتفردة التي لطالما غمست قلمها في دم قلبها مداداً لتكتب، فالكتابه عن مخاض الحب عند النساء، وصفعات الرجال لهن ليست هينة، فالرجال أول من يكفر بالحب ويضرب بقيمه عرض الحائط، ليذهبوا بحثاً عن أخرى تضع مكياجاً أكثر، أو ترتدي فستاناً ضيقاً، وتمارس الدلال باحتراف، يتركوننا نتخبط، ونسقط وننهض في اللحظة آلاف المرات، تخيب آمالنا وتصيب، ونكتوي بنار الحنين ليالٍ طويلة. فالأنثى عندما تعشق.. تزيح من عينيها كل أوهام الكبرياء، والغرور الأنثوي، وتركض خلف ذلك القاتل حتى تتفطر قدميها، وتذرف الدموع، وتفقد القدرة على التركيز، ويبدأ العد التنازلي لمكنوناتها وقيمها التاريخية، تترك كل شيء وتصبح عاشقة فقط. لك وحدك: هذه الكلمات لك وحدك دون غيرك، ولكني أكتبها الآن ليقرأها الجميع باعتبارها شهادة إثبات (عشقي لك)، أرغب بأن يشهد الجميع أنك قاتلي ومنهكي، وأنك مالك القلب والوجدان والدواخل. أصحو صباحاً..أحمل هاتفي من تحت وسادتي على أن أجد رسالة هاتفية تطفئ لهيب ذلك الحُلم الذي لازمني طيلة نومي، وأنت بطله. وعادة.. يكون الهاتف جامداً، فارغ المحتوى، أتزلج فيه على جليد قلبك، وبرودة تعاطيك معي، وأرضى بقدري، ولطالما رضيت بك قدري. طاردك قلبي في كل الطرقات والموانئ والمطارات والأرصفة وبائعات الشاي، وتحت الأشجار، والمطاعم، ولحق بك.. في عملك وبيتك، ونزواتك وغضبك وهدوئك وحزنك وفرحك، لم ينقطع عن المطاردة، ولم توقفه الكدمات والصفعات، ولم يمل. وما زال ينتابني ذلك الحزن القاتل.. الحزن اللزج..يلتصق بي، لا يتركني، فكلما أصاب بوعكة أفتش في هاتفي رسالة منك أقرأها لتُسكن الألم الذي ينتابني، وأبحث عن وجهك داخلي في ذلك المكان المظلم من ذاكرتي، حيث دفنتك هناك، استعيدك داخلها وتبدو كما أنت دوماً.. وسيماً، رقيقاً، رائعاً.. رجل ليس ككل الرجال، أتحسن قليلاً وأمضي في سبيلي. عندما تستعصي عليَّ الكتابة.. وتهجرني الكلمات، ويجف مدادي، أعود مرة أخرى الى ركن رفاتك داخلي، وأنبش قبرك، وأخرج جثتك التي حنطتها باتقان، أزيح غطاءها أتأملها وأمسح على وجهك بيد مرتعشة، وأشم عطرك الذي لم يفارق أنفي، وبعدها.. تبدأ الكلمات بالعودة، ويعود الحبر الجاف ليناً طرياً، وترتب أوراقي نفسها، وأبدأ أكتب. أكتب عنك.. وأكتب بك.. وأكتب لك.