رحم الله الأستاذ مندور المهدي الذي ظلّ يصارع المسؤولين بالتربية والتعليم حول المناهج الدراسية مندداً أولاً بعدم نقل التجارب التعليمية للدول الأخرى فيما يختص بالمناهج التعليمية بإعتبارها مجتمعات لها خصوصيتها وتراثها وتاريخها ولتلاميذها قدرات استيعابية ولمدارسها تجارب في توصيل المعرفة والعلم و«لمعلميها» تاريخ طويل داخل المعاهد التربوية مكنتهم من الإلمام بالمناهج وطرق التدريس.. كنا نعتقد بأن رجال التربية والتعليم (السودانيين) الذين نشهد لهم ومعنا العالم بكفاءتهم عبر إختيارهم للتدريس في أعظم وأشهر الجامعات بل تم اختيار بعضهم للمشاركة في «وضع» مناهج الكثير من الدول العربية خاصة الخليجية وحتى بالنسبة للأفريقية «كنيجيريا».. كنا نرجو منهم الإلتفات الى مناهجنا التعليمية خاصة بالنسبة لمرحلتي الأساس والثانوي العام والعالي وذلك بمراجعتها وتقييمها لمعرفة صلاحيتها بعد اكثر من ربع قرن من تطبيقها. لقد اشتكى المعلمون بالمرحلتين من الحشو و«الأطناب» في المناهج وحتى الكتاب نفسه يزدحم بالصفحات التي يصل عددها الى ما يقرب المائة اما المحتوى «المنهج» فإن كتاب أو كتب اللغة الإنجليزية لمرحلة الأساس تحتوي على دروس وكأنها تخاطب أولاد «جون» وليس أبناء السودان حتى أن بعض الآباء فشلوا في «تدريس» أولادهم لصعوبة اللغة وإنعدام السلاسة والبساطة والجاذبية والتسويق وينسحب كل ذلك على الكتب الأخرى حتى الدروس الدينية، حيث يجد التلاميذ صعوبتين الأولى في حفظ الصور «الكبيرة» وفي التفسير أما الكتب فإن الحقيبة تنوء بحملها خاصة لمن هم في سن الثامنة.. رحم الله رجال التربية والتعليم الذين كانوا «يجيزون» المناهج الدراسية من واقع مجتمعنا وبمفهومنا و«فهمنا» وبمستوانا ولا زلنا نحفظ مقرر الجغرافيا «صديق عبدالرحيم القولد» ويظل محفوظاً في الذاكرة من طريقة توصيل المادة وأسلوب المعلم في التدريس وهضمه هو «نفسه» للمادة، لذا يقوم بتدريسها «بطلاقة» وجاذبية تمكن الطالب من استيعابها وهضمها.. أما التطور بالنسبة للدول العربية كالشقيقة مصر فقد تمّ إلغاء إمتحان المرحلة الإبتدائية نهائياً بعد أن تبين عدم جدواه وإهداره لزمن التلاميذ عند جلوسهم للإمتحان والإنتقال للمرحلة الإعدادية.. وبالنسبة لنا المطلوب من علماء التربية والتعليم التفكير في وضع «مناهج» معاصرة تتناسب مع قدرات الجيل الجديد من التلاميذ «المسكون» بألعاب الكمبيوتر والنت مطلوب اعداد مناهج تخضع للتجربة مع إحياء دور معاهد بخت الرضا - شندي معاهد التربية بالدلنج ..الخ على أن تبدأ من السنة الأولى وبعد تنقيحها يتم إعتمادها للتدريس مع مراعاة تبسيط المناهج وبتر «الحشو» حتى لا يكون التلاميذ حقل تجارب للمناهج الوافدة وإطلاق الحوافز لمؤلفي وكتاب المناهج علماً بأننا لمسنا في عجلة من أمرنا خاصة بعد تدهور مستويات التلاميذ.. علينا أيضاً مراجعة السلم التعليمي الحالي وتقييم مدى ملاءمته لظروف بلادنا وأحوال التلاميذ والأسر والتمسك بتدريب المعلمين بمعاهد التربية وعدم إلحاق أولئك الذين تنقصهم الخبرة وذلك لأن كافة المجالات تخضع للتجارب عدا «التعليم». إن معظم الأسر تظل في حيرة من أمرها أولاً لضعف مستويات الأبناء الدراسية خاصة بالنسبة للغتين «العربي والإنجليزي» وقديما ً كان الحساب ابان الإمتحانات «فراق الحبايب»، أما الآن فإن ضعف المستويات امتد لكثير من المواد مما دفع البعض «تهكماً» لتسمية تلك المواد بدلاً من «فراق الحبايب» الى «فراق القبائل».. ثانياً تعاني العوائل من بند أصبح يرهق ميزانياتها الا وهو «الدروس الخصوصية» التي أصبحت «مقاولة عديل» المادة بالشىء «الفلاني» علماً بأن الطالب يحتاج لتقوية في كافة المواد.. أما المدارس الخاصة فأصبحت تتحاشى إصدار النتائج بالنسبة لإمتحان نهاية العام بالأرقام أي الأول والثاني الى «الطيش» وركزت على تقييم مستوى الطالب «ممتاز جيد» ومنحه درجات «خرافية» بينما مستواه لا يرقى لذلك.. أخيراً إنها صيحة نطلقها لرجال التعليم الأوفياء لحمايتنا والأبناء وأجيال المستقبل.