تختص محارق النفايات الطبية بحرق النفايات الناتجة عن العمليات التشخيصية والعلاجية بالمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، ومراكز البحوث الطبية، ومراكز العلاج والبحوث البيطرية. وتنقسم النفايات الناتجة عن هذه النشاطات الصحية إلى نوعين أساسيين: نفايات معدية، ونفايات غير معدية. وتقدر كمية النفايات المعدية الموجودة فى نفايات المستشفيات والمراكز الطبية بحوالي 15 إلى 20% من حجم النفايات الكلى. وتشتمل النفايات المعدية على دم ومخلفات دم المرضى (human blood and blood products) ، الأوساط الحيوية لمزارع البكتيريا، المعدات الملوثة والأدوات الحادة وإبر الحقن، والأنسجة البشرية والخلايا الناتجة عن العمليات الجراحية، وغير ذلك، أما النفايات غير المعدية فعادة ما تكون نفايات بلدية تنتج عن النشاطات البشرية الأخرى. ولمعالجة والتخلص من النفايات الطبية، هنالك العديد من التقنيات المختلفة، الا أن نظام الحرق كان أكثر شيوعاً فى معظم دول العالم. والسبب فى ذلك هو كفاءة نظام الحرق فى تقليل مستوى درجة الخطر الذى يصاحب النفايات الطبية وذلك لإحتوائها على مخلفات معدية، بالإضافة إلى تقليل حجم وكتلة النفايات وتحويلها إلى رماد. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعرض النفايات الطبية إلى درجات حرارة عالية داخل أفران الحرق ولفترة زمنية تكفى لإبادة الميكروبات وحرق النفايات القابلة للإحتراق. وحتى عهدٍ قريب ظلت عملية حرق النفايات هى الطريقة السائدة للتخلص من النفايات الطبية فى العديد من دول العالم المتقدمة وفى مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الإتحاد الأوربي وغيرها. وتكمن مزايا هذه التقنية فى كونها قادرة على معالجة والتخلص من جميع أنواع النفايات وتقليل درجة خطورتها بالإضافة إلى خفض حجمها وكتلتها بنسبة تزيد عن 90% وتحويلها إلى رماد، غير أن التكلفة المالية لإنشاء وتشغيل محارق النفايات الطبية والتحكم فى إنبعاث ملوثات الهواء الناجمة عنها تظل باهظة مقارنة بالأساليب والطرق والتقنيات الأخرى. وقد شجعت بعض الدول الأوروبية إستخدام هذه التقنية مع تطبيق أفضل الوسائل والتقنيات المطورة للتحكم فى إنبعاث الملوثات. كما تشير الإحصائيات إلى أن هنالك أكثر من 5.000 محرقة للنفايات الطبية كانت تعمل فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى بداية التسعينات، ولم يبقى منها على رأس العمل الا 500 محرقة تقريباً، وأن حوالي 82% من هذه المحارق قائمة بالمستشفيات ومراكز الرعاية الطبية ومراكز البحوث. وتشير الإحصائيات أيضاً أن ما يقارب 2% فقط من هذه المحارق مزودة بوحدات للتحكم فى ملوثات الهواء. ويعزى ذلك إلى أنه تم إنشاء وتركيب وتشغيل عدداً من هذه المحارق بالولاياتالمتحدة فى فترة زمنية لم تكن القوانيين والمقاييس والإرشادات البيئية فيها موجودة ومطبقة فعلياً حيث أن أول لائحة تنظيمية وإجرائية خاصة بالنفايات الطبية صدرت عن وكالة حماية البيئة فى عام 1990م (Clean air Act amendments, 1990) . ونظراً لإحتواء النفايات الطبية على ما يزيد عن 15 % من البلاستك وكذلك الزئبق والمعادن الثقيلة الأخرى مثل الرصاص والكادميوم، فقد أكدت نتائج الدراسات التى تبنتها وكالة حماية البيئة الأمريكية إلى أن محارق النفايات الطبية تعد المصدر الرئيسي الثالث لإنبعاث الفيوران والدايوكسين، وتحتل المركز الرابع فى إنبعاث الزئبق بالولاياتالمتحدة . وقد أكدت الدراسات العملية أن محارق النفايات الصحية تعتبر المصدر الرئيس الثالث لإنبعاث مركبات الدايوكسين والدايفيوران والزئبق والمعادن الثقيلة المسببة لأمراض الصدر والسرطان الرئة وجهاز المناعة والجهاز العصبى والجهاز التناسلي وغيرهم. ومن المعروف أن مركبات الدايوكسين والفيوران تنبعث إلى البيئة تنيجة لحرق المركبات العضوية متعددة الحلقات والمواد البلاستيكية عند درجات حرارة عالية. وتنتقل هذه الملوثات بعيداً عن مصادر إنبعاثها بواسطة الهواء وتدخل إلى السلسلة الغذائية من خلال المياه السطحية والجوفية والتربة. وتقدر نسبة النفايات الطبية المحتوية على الزئبق بحوالي 20% من إجمالى النفايات الصلبة، ويعزى ذلك للإستخدامات المتنوعة للزئبق فى مجال الرعاية الصحية، حيث يدخل الزئبق فى صناعة الثيرمومترات وأجهزة قياس ضغط الدم وأنابيب التغذية والبطاريات الجافة ولمبات الإضاءة (الفلوروسنت) وغير ذلك. ويعتبر بخار الزئبق الناتج عن حرق هذه المواد مسبباُ لأمراض السرطان ويمثل خطراً على صحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، هنالك العديد من ملوثات البيئة الأخرى تنبعث عن حرق النفايات الطبية وتشمل عوالق الهواء والمعادن الثقيلة مثل الكادميوم والنيكل والرصاص والباريوم والزرنيخ، والكروم، وكذلك أول أكسيد الكربون واكاسيد النيتروجين وومركبات الكبريت، والهيدروكربونات التى تضر بصحة الإنسان والبيئة بوجه عام. وفى سبتمبر 1997م، أصدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية مجموعة من المقاييس والإرشادات للحد من إنبعاث ملوثات الهواء من مداخن محارق النفايات الطبية. وتشمل هذه المقاييس وإرشادات خاصة بكبح الإنبعاثات من المصادر القائمة وتلك التى سوف تنشأ فى المستقبل وذلك بتركيب وتشغيل أفضل تقنيات التحكم فى الإنبعاثات Control Technology) Available (Maximum. وقد أدى تطبيق هذه المقاييس إلى توقف أكثر من 90% من محارق النفايات الطبية عند تفعيلها خلال السنوات الماضية. ويعزى ذلك إلى الزيادة فى تكاليف حرق النفايات التى تنتج عن تكاليف تركيب أجهزة ووحدات كبح إنبعاث ملوثات الهواء ، وتشغيلها وصيانتها. وعلى الرغم من أن تقنيات حرق النفايات الطبية بدأت تتضاءل فى الولاياتالمتحدة بسبب تلك المقاييس والإجراءآت البيئية التى تتخذها وكالة حماية البيئة الأمريكية، إلا أنها إزدهرت فى اليابان وفى ألمانيا والنمسا والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا. ويعود السبب فى ذلك إلى قناعة القائمين على حماية البيئة فى تلك الدول بأن تقنية الحرق، بالرغم من تكاليفها المالية العالية، هي الأفضل والأجدى والأمن للتخلص من النفايات الطبية مع تطبيق أفضل الوسائل والطرق الكفيلة بكبح إنبعاث ملوثات الهواء من مصادر الإنبعاثات لمحارق النفايات الطبية، بالإضافة إلى أن حجم النفايات الصلبة (الرماد) الناتجة قليل ولا يحتاج إلى مساحات أرض كبيرة لطمره . وأشارت نتائج دراسة للبنك الدولى (1999م) إلى أن تقنية محارق النفايات الطبية بالولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوربية ماضية فى طريقها إلى الإنقراض ، وأن بعض الشركات الصانعة ومنشآت معالجة النفايات تسعى لتصريف وتسويق محارق النفايات الطبية فى أسواق الدول النامية. بدائل المحارق ونتيجة للأضرار الصحية والبيئية التى تتنتج حرق النفايات الطبية، بدأت فى الثمانينيات من القرن الماضى مجموعة من الدول المتقدمة البحث عن تقنيات إقتصادية أخرى تكون بديلة لمحارق النفايات الطبية. وقد شجع فى ذلك القوانين والإجراءآت البيئية التى إتخذتها تلك الدول لضبط إنبعاثات محارق النفايات الطبية. حيث أصبحت تكلفة تطوير هذه التقنية وتشغيلها وصيانتها باهظة، الأمر الذى يزيد من تكلفة معالجة والتخلص من هذا النوع من النفايات. ومن التقنيات التى طورت وإستخدمت منذ مطلع التسعينات فى معالجة والتخلص من النفايات الطبية، كبدائل مناسبة للمحارق، تشمل تقنية الأتوكليف والمايكرويف والأكسدة الحفزية والمعالجة الحرارية مثل البلازما بالإضافة إلى المعالجة الكيميائية والإشعاعية. وتعتبر المعالجة الميكانيكية جزاءاً هاماً ومكملا ً لهذه التقنيات وذلك لدورها فى تلقائية المناولة وتقطيع وتمزيق وكبس وخفض حجم النفايات. وبالرغم من تعدد هذه التقنيات والبدائل الا أن لكل منها مزايا وعيوب. ومن مزاياها أنه ليس لها إنبعاثات سامة مثل تلك التى تنبعث عن محارق النفايات الطبية.. ومن عيوبها أنها لا تعالج جميع أنواع النفايات كالمحارق، ومن الممكن أن تنبعث عنها ملوثات فى حالة عدم الفرز الجيد. وللتخلص من النفايات الصلبة بعد المعالجة يجب دفنها فى مرادم النفايات الصلبة مما يتطلب أراضى واسعة وإدارة خاصة بهذه المرادم. وتستهلك التقنيات التى تعتمد على بخار الماء فى عملية التعقيم مثل الأتوكليف حوالي لتر من المياه تقريباُ لكل 3 كيلوجرامات من النفايات، الأمر الذى يتطلب التأكد من معالجة هذه المياه وتعقيمها قبل التخلص منها. وبالرغم من أن جميع تقنيات معالجة والتخلص من النفايات الطبية لاتخلو من المخاطر التى تلحق الضرر بالإنسان والبيئة، الا أنه يمكن الإستفادة منها بأقل الأضرار وذلك من خلال صياغة وتنفيذ برنامج شامل لمعالجة والتخلص من النفايات الطبية بحيث يشتمل على تقليل إنتاج هذه المخلفات والفرز وإعادة الإستخدام