محمد الحسن أحمد كانت كلمة مقتضبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول بدء مساعيه لإنهاء أزمة السودان كافية لبعث الأمل داخل الشعب السوداني المنهك بفعل الحرب العبثية. فما إن تداولت وسائل الإعلام الكلمة حتى توشّح التايملاين السوداني بلون السلام الأبيض، فيما توارت غربان الشؤم من مشعلي الحرب ودعاة استمرارها لاستثمارها. دفعت الحركة الإسلامية بأخبث عناصرها ونفثت سمومها تعكيراً للمزاج العام عبر خطابات القتل والكراهية، وأسّست غرف الإعلام بالعواصم الحليفة وأنفقت الكثير من المال لتشكيل رأي عام لا تُبهجه سوى شلالات الدماء وسخائم النفوس وركام الخراب. ومع أول بارقة أمل ذهبت أموالهم المنهوبة وجهودهم المتبَّرة، ومن ثم ستكون عليهم حسرة ثم يُغلَبون. أعاد ترامب الكرة إلى ملعب الرباعية الذي سحبت منه الحركة الإسلامية الإجرامية لاعبي وفود التفاوض من الساسة وقادة الجيش، بل وأطلقت حملات مسعورة بتخوين كل داعية للسلام، وابتُهِجت أقلامهم وحناجرهم وحساباتهم المبثوثة على سابلة الفضاء بتعثّر جهود التوقيع على الهدنة الإنسانية. وهكذا ديدن أعداء الله والإنسانية من الكيزان. وفيما سارعت الكيانات والأحزاب ترحيباً بمساعي وقف الحرب، لاذت غربان الحركة الإسلامية بالصمت، ومن المؤكّد أن مجرميها الكبار يتدبّرون أمرهم بينهم في ظل دائرة تضيق وحبال تلتفّ حول أعناقهم. فإن هم قبلوا فقد وضعوا أيديهم الملطّخة بدماء الشعب السوداني في أغلال التصنيف جماعة إرهابية، ولعلّه البند الأوحد الذي تجمع عليه دول الرباعية بل شرّعته قانوناً لديها. كان من اللافت مسارعة ما يسمى بمجلس السيادة، ومن قبله رئيسه وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في الترحيب بتصريح ترامب. وهو ذات المجلس الذي قال نائب رئيسه مالك عقار: «لا ماشين جدة ولا جدادة»، في إشارة لرفضهم منبر جدة التفاوضي بالمملكة العربية السعودية، كما أكّد رئيسه غير مرّة رفض التفاوض موقفاً وتصريحاً. عليه يصحّ السؤال: شن جدّه على المخدة؟. لعلّ ما استجدّ على مخدة التفاوض هو الرفض الشعبي الواسع لاستمرار الحرب بعد أن أدرك الشعب عبثيّتها، إذ ظلّ وقودها وقد دفع فيها من الأثمان ما دفع من الأرواح والممتلكات وبعضٍ من المستقبل، في وقتٍ ازدهرت فيه أحوال مشعليها ونافخي كيرها من الإسلاميين. تَبَدى ذلك في ردّة الفعل العفوية الطالبة للسلام الرافضة لاستمرار إراقة الدماء على دعوة قائد الجيش للتعبئة العامة. ويبقى المستجد الأكبر دخول الرأس الأمريكية الكبيرة صاحبة العصا الغليظة التي تخافها الذئاب. كلّ ذي بصيرة كان يدرك عبثية الحرب التي لن تنتهي — ولن ينتهي معها مسلسل متطاول من الموت وأصوات الرصاص بدأ في أقاصي جنوب السودان (توريت) حتى بلغ الخرطوم العاصمة — إلا بحلّ سياسي ينفذ إلى أعماق الأزمة المتمثل في التهميش والإفلات من العقاب والفشل في إدارة التنوع، والتواضع على مشروع وطني واحد وموحد لأهل السودان. وذلك أمر لا تقوم له قائمة إلا باقتلاع من يرون الوطن وثناً، وسينادون قريباً ولات حين مناص. خروج: يبقى التهويل لمجرّد تصريح، والتعويل عليه لإحلال السلام، خَطَلاً كبيراً ما لم تسنده رؤية مدنية وطنية مطلوبة منها صاغية، وطالما لم ترعَه رغبة شعبية واعية. فمن أدخلوا البلاد في قاع الأزمة قادرون على جَرِّها نحو جحر ضبّ لم يعرفوا سواه في العلاقات السويّة مع العالم.