يقول البروفيسور هيمان: " في الوقت الذي يركز فيه العالم على الإستجابة للانتشار السريع لفيروس الإيبولا في غرب القارة الأفريقية ,والحالات الجديدة من الإصابات في القارة الأوربية والولايات المتحدةالأمريكية ,تفشى فيروس الإيبولا في المنطقة الإستوائية من القارة الأفريقية وتحديداً في جمهورية الكنغو الديمقراطية. بدأ انتشار الإيبولا في الكنغو في شهر أغسطس الماضي في قرية (أكانامونقو) ومثله مثل كل الأمراض الوبائية المعدية عبر الفيروس والحدود التي تفصل بين الإنسان والحيوان ليصيب شخصاً واحداً وبعدها ينتشر لأشخاص آخرين. وأول شخص يصاب بداء الإيبولا في قرية (أكانامونقو) كانت امرأة أصيبت عندما كانت تجهز طعاماً لأسرتها من لحم حيوان لتنتقل منها العدوى مما أدى لإصابة 70 شخصاً ووفاة 43 ولكن وعلى خلاف ما يحدث في غرب أفريقيا فقد حدثت اخر إصابة في الكنغو قبل ثلاثة أسابيع ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن خلو الكنغو من فيروس الإيبولا بواسطة منظمة الصحة العالمية قريباً. في عصر العولمة الحالي ,يعتبر في حكم المؤكد ظهور حالات أكثر من الإصابات بفيروس الإيبولا لتصل إلى القارة الأوربية والولايات المتحدةالأمريكية – على الرغم من برامج الكشف التي بدأت في العديد من مطارات الدول . وإذا أخذنا هذا بعين الإعتبار إضافةً للتقديرات الحالية التي تتنبأ بإرتفاع معدلات الإصابة لتصل إلى (10000) عشرة آلاف حالة في الأسبوع بحلول شهر ديسمبر المقبل ,يبقى من الضروري و بسرعة تعلم الدروس حول كيفية مكافحة الإيبولا وهزيمته . فعندما وصلت تقارير للسلطات الصحية في عاصمة جمهورية الكنغو الديمقراطية عن تفشي فيروس الإيبولا بالكنغو كانت الإستجابة سريعة – فقد تم استدعاء الفريق الطبي الذي استطاع محاصرة والقضاء على العديد من الأمراض الوبائية في الماضي – وقد كان الفريق الطبي برئاسة البروفيسور في علم الأحياء الدقيقة والرئيس الحالي لمعهد الأبحاث بجمهورية الكنغو الديمقراطية جيان جاكوس ميومبي، وقد كان أول طبيب يصل لمنطقة (يامبوكو) عندما تفشى أول مرض وبائي بها في العام 1976م. لقد تمكن فريقه خلال السنوات الماضية من محاصرة والقضاء على أكثر من 10 أمراض وبائية في الكنغو وبعض الدول المجاورة الأخرى للكنغو مثل يوغندا مما يعني أن الإستجابة والتحرك السريع يجعلان من الإمكان إيقاف الوباء الذي يحدث في المناطق الريفية وعدم إتاحة الفرصة له للانتقال للمناطق الحضرية والعبور عبر الحدود الدولية.ففي الحقيقة ,وفي العام 1995م نجح الفريق الطبي الكنغولي في منع مرضاً وبائياً من الإنتشار في العاصمة كنشاسا ذات التسع ملايين نسمة ,وذلك عندما تحرك مريض مصاب بالداء الوبائي من منطقة (كيكويت) ووصل مستشفى في كنشاسا التي تقع على بعد خمس ساعات بالسيارة. وفي منطقة (كيكويت) نفسها تقع الثلاثة مراكز الرئيسة والمختبرة والتي أثبتت جدواها في مكافحة فيروس الإيبولا ,حيث تقوم: بالتعرف السريع على المصابين وعزلهم إضافة لحماية العاملين بالمراكز.وتعقب أي شخص كان متواصلاً مع شخص مصاب مع مراقبة درجات حرارة أجسامهم لمدة 21 يوماً وعزل المصابين بالحمى في هذه المراكز الطبية المجهزة,إضافةً لرفع الوعي عند المواطنين المحليين وتعليمهم كيفية المحافظة على أنفسهم من الفيروس وتوفير وسائل نقل آمنة للمرضى ودفن الموتى والعمل مع أعيان القرى وكبارها لمحاربة الشائعات التي تدور حول أصل الوباء. والآن ماهي الأخطاء التي أرتكبت في غرب أفريقيا مع الانتشار للداء القاتل؟ أولاً ,ففي الوقت الذي وصلت فيه التقارير عن حدوث المرض في المناطق الريفية لم يكن تحرك السلطات بالسرعة المطلوبة الأمر الذي جعل المرض ينتشر بسرعة في المناطق الريفية التي تقل فيها الرعاية الصحية كما تقل ثقة المواطن بالحكومة بسبب الحروب الأهلية المنتشرة وفي الوقت نفسه إنهار النظام الصحي في عدة مناطق تماماً مما أدى لإصابة حتى العاملين في الحقل الصحي . كما أن الشائعات التي انتشرت عن أسباب انتشار المرض وما يحدث في المراكز الصحية وفي الوقت نفسه كانت صعوبة قياس درجات الحرارة لسكان المدن المكتظة بالسكان.وكان من الضروري حماية أكبر عدد من الأرواح بتوفير المحاليل الوريدية للمرضى والإطعام بالفم إذا كان ذلك ممكناً للمحافظة على النظام المناعي عند المصابين ليهزم الفيروس . لقد تم اكتشاف طرق جديدة ومبتكرة لتعمل بديلاً للنظم الصحية الجماهيرية الضعيفة في أكثر ثلاث دول ينتشر فيها فيروس الإيبولا ففي سيراليون يبقى المواطنون في منازلهم لمدة ثلاثة أيام ويتم تزويد أكثر من 70 بالمائة من ربات المنازل في المناطق المنكوبة بمعلومات عن مرض الإيبولا وطرق مكافحته .وهذا بالطبع مثير للجدل :فهل توجد إمكانات لعزل المصابين؟ وهل هنالك فرق لدفن الموتى لأخذهم بعيداً؟ ومع ذلك تم تنفيذ هذه الإجراءات دون الأخذ بعين الإعتبار التحفظات الخارجية. ويمكن أن يكون من ضمن المبتكرات استخدام الهواتف الجوالة لتتبع التواصل أو مساعدة المصابين بالحمى بإبلاغهم عن الأماكن التي يراجعونها حتى يجدوا التشخيص الصحيح,وكذلك يمكن تطوير مراكز الرعاية الصحية الأولية حتى يمكن استخدامها لمرضى الإيبولا وعلى سبيل الخصوص توفير التشخيص الصحيح والعلاج إضافةً لعزل المرضى الذين فاقت أعدادهم أعداد الأسرة بالمستشفيات.لقد منح البروفيسور ميومبي وفريقه الأسر في المناطق الريفية في جمهورية الكنغو الديمقراطية مواداً للحماية لأنهم يتمسكون بإبقاء مرضاهم بالمنزل.كما أنهم ظلوا يراقبون تلك المناطق بصورة يومية الأمر الذي جعلهم ينجحون في محاصرة المرض خلال أشهر فقط. لقد أزداد الدعم الخارجي لغرب أفريقيا وسادت النوايا الحسنة وهذا بالطبع شئ ضروري للنجاح , وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذا الأسبوع بأن العالم لا يعمل بصورة كافية لمكافحة مرض الإيبولا ولكن من المهم أن نتذكر الدروس من هاييتي بعد كارثة الزلزال التي ضربتها في العام 2010م عندما انتشر داء الكوليرا بصورة وبائية ,لقد كانت مشاركة المجتمع الدولي واستجابته سخية، ولكن التنسيق لم يكن فعالاً مما أدى لمضاعفة الجهد ,في حين بقيت الهوة في الإستجابة الضرورية كما هي. وعلى الرغم من عدم التنسيق المبكر في غرب أفريقيا ,وعلى الرغم من الإعلان عن صعوبة إحتواء انتشار مرض الإيبولا بسبب الفقر والحروب الأهلية المنتشرة في الإقليم فإنه ليست هنالك أعذار.وبدعم منظمة الأممالمتحدة,يجب تقوية مجهودات الحكومات .و ينبغي ألا تكرر الأخطاء التي أرتكبت في هاييتي في الماضي حالياً في غرب أفريقيا التي يستمر فيها فقدان الأرواح يومياً". تحت العنوان أعلاه كتب البروفيسور ديفيد هيمان الذي يعمل حالياً بمدرسة لندن للصحة والأمراض المدارية ورئيساً للمركز العالمي لتأمين الصحة في (جاثام هاوس) في لندن قارعاً جرس الإنذار حتى تصحو الدول لمكافحة فيروس الإيبولا القاتل الذي ظل يحصد الأرواح بصورة يومية في غرب أفريقيا، مشيداً بالجهود التي بذلت في جمهورية الكنغو الديمقراطية والتي أثمرت في حماية العديد من الأرواح، داعياً بقية الدول لتحذو حذوها ومنادياً المجتمع الدولي لمساعدة دول الإقليم في مكافحة المرض الوبائي القاتل حتى لا يتكرر ما حدث عندما ضربت الزلازل هاييتي وتفشى داء الكوليرا. ولأهمية الموضوع ولأن حدود السودان طويلة مع دول الجوار الأفريقي ,كما أن البعثات الرياضية والسياسية وغيرها رحلاتها متواصلة رأت (قوون) ترجمة الموضوع ونشره حتى تعم الفائدة: