تفسير مثير لمبارك الفاضل بشأن تصريحات مساعد قائد الجيش    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    البرهان بين الطيب صالح (ولا تصالح)..!!    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البينة بين القانون والدستور
نشر في حريات يوم 08 - 09 - 2015


نبيل أديب عبدالله / المحامى
لقد قادنا البحث في حق التنبيه إلى مسألة إستبعاد البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع، وهي مسألة تقع بشكل أساسي في نطاق قانون الإثبات ولكنها ليست بمعزل عن قانون الإجراءات الجنائية. وهي مسألة من جهة أخرى تقع حيث تتقاطع مصلحتين للمجتمع: الأولى يتولاها بشكل أساسي القانون، وهي توفير الأمن و ما يتطلبه ذلك من أجهزة قادرة على إكتشاف الجريمة وعقابها. والثانية يتولاها بشكل أساسي الدستور، وتتعلق بتوفير الأمان وما يتطلبه من توفير الحق فى الخصوصية، و في الحرية الشخصية. في بعض الأحيان يدفع حماس الشرطة لضبط الجريمة لإنتهاك بعض الحقوق القانونية والدستورية للمواطنين، وقد تسفر تلك الإنتهاكات عن الحصول على بينة تثبت ضلوع شخص ما، في جريمة وقعت أو فى سبيلها للوقوع، فهل يمكن قبول تلك البينة والاعتماد عليها في محاكمة ذلك الشخص ؟ .
معاقبة المجرمين لا تعنى التضحية بالحريات العامة
كانت الشريعة العامة الانجليزية فى أول الأمر لا ترى غضاضة فى ذلك، وعبر عن ذلك القاضي كرومتون في دعوى ليثام الشهيرة بقوله"لا يهم كيف تم الحصول على البينة، سنقبلها حتى ولوكانت مسروقة متى ما كانت موثوق بها ومنتجة في الدعوى " ولكن المحكمة العليا الأمريكية في بحثها عن حماية الحريات العامة من تغول السلطات عليها، رأت عدم قبول البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع حتى تقفل الباب تماماً أمام الشرطة حين يتغاضون عن حقوق المواطنين فى سبيل تحقيق نجاحاً فيما هو موكول اليهم من مهام. وقد لاقى هذا المبدأ أول الأمر إعتراضاَ عبر عنه دين ويجمور بقوله "هذا المبدأ يبدو غير مبال بأنه يؤدى لأن يجعل من تطبيق العدالة أقل فعالية. فهو يعتبر الشرطى المتحمس لأداء عمله أكثر خطورة على المجتمع من القاتل، أو السارق، الذى يدعه المبدأ يفلت من العقاب "والذى جاء الرد عليه فى حكم المحكمة العليا فى دعوى ويكس "بقدر ما تستحق محاولات المحاكم معاقبة المذنبين من مساعدة، إلا أن ذلك لا يجب أن يعنى التضحية بتلك المبادئ العظيمة التي تم إدخالها في القانون الأساسي للبلاد نتيجة لتضحيات جسام "
لا يجوز للقضاء أن يؤيد مخالفة الدستور
أسست المحكمة العليا الأمريكية هذه النظرية في عام 1886 فى دعوى بويد ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي دعوى مدنية تم إرغام المدعى عليه فيها على أن يبرز مستندات خاصة تحتوي على مواد من شأنها أن تدينه جنائياً. رفضت المحكمة العليا قبول تلك المستندات لأن إرغام المدعى عليه على تقديم بينة ضد نفسه، منى شأنه أن يخرق التعديل الخامس للدستور الأمريكي. ولكن هذه القاعدة أصبحت قاعدة لا تحيد عنها المحاكم في أمريكا عقب حكم المحكمة العليا في ويكس ضد الولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م والتي تتلخص وقائعها في أن الشرطة دخلت منزل ويكس بدون امر تفتيش وقبضت على المراسلات الخاصة به، لاشتباهها بأنه كان يستخدم البريد لإرسال أوراق يانصيب مخالفاً القانون،. قررت المحكمة العليا ان البينة المتحصل عليها نتيجة لتفتيش غير مشروع هي بينة غير مقبولة في الإجراءات الجنائية الفدرالية، وقد ذكر القاضي داي الذي كتب رأي الأغلبية "إذا صادقنا على تلك الإجراءات سنكون قد أيدنا بموجب حكم قضائي إهمال متعمد، إن لم يكن تحد سافر، لحكم دستوري قصد به حماية الشعب ضد هذه الإجراءات غير المشروعة "
القوانين الأنجلوسكسونية
لم يعد القانون الأمريكي فريدا في هذا الموقف وإن كان رائداً فقد تبعته القوانين الأنجلوسكسونية كلها من كندا وحتى استراليا في اقرار ذلك المبدا الهام ففي كندا حيث رفض القضاء تبني قاعدة استبعاد البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع على إطلاقها، وحدد ذلك في سابقة Wray الشهيرة بضرورة أن تكون تلك البينة متحصل عليها بخرق اساسى لحقوق المتهم لا يتناسب مع اهمية المسألة المعروضة على المحكمة. تدخل التشريع بصدور ميثاق الحقوق والحريات لعام 1982م والذي حملت المادة 24(2) منه الحكم التالي (إذا تبين للمحكمةأن البينة قد تم التحصل عليها بطريقة انتهكت او اغفلت أحد الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا القانون على المحكمة ان تستبعد تلك البينة إذا ظهر، بعد الاخذ في الاعتبار بكل الظروف، أن قبولها من شأنه أن يحط من قدر أجهزة العدالة)
أما فى إنجلترا فقد حدت الدعاوي الحديثة من غلواء الشريعة العامة حين تبنت مبدأ المعقولية، فرأت استبعاد البينة إذا رأت المحكمة الجنائية أن قبولها من شانه أن يؤثربشكل يفتقد الإنصاف على موقف المتهم. ولكن قانون الشرطة والإثبات لعام 1984م تبنى قاعدة الإستبعاد في المادة 78 منه والتي تنص على أنه " يجوز للمحكمة أن ترفض قبول أي بينة يعتمد عليها الاتهام إذا تبين لها بعد الأخذ في الاعتبار بكل الظروف بما في ذلك الظروف التي تم الحصول فيها على البينة أن قبول البينة من شأنها التأثير سلباً على عدالة الإجراءات وذلك بدون مساس بأي قاعدة في القانون تقضي بعدم قبول البينة) وفي استراليا استقر القضاء على ضرورة الموازنه بين ما تقتضيه السياسات العامة المتعارضة في عقاب المجرمين من جهة، والحفاظ على الحريات العامة من جهة أخرى، وأن قاضى الموضوع يملك وفقا لما تسفر عنه الموازنة سلطة استبعاد البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع .
البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع في القانون اللاتيني
والوضع في القانون اللاتيني يأتي بنتائج مشابهة وإن كان يقوم نظرياً على مسألة مختلفة وهي نظرية البطلان، فالفقه اللاتيني يرى انه إذا كانت المخالفة للقانون تبطل الإجراء فإن ذلك يمنع المحكمة من قبول البينة المتحصل عليها نتيجة لإجراء باطل لأنه لا ينجم عن البطلان إلا البطلان.
وعيب هذه النظرية أنها نظرية شكلية وتظل شكلية في تطبيقاتها لذلك فقد قضت محكمة النقض المصرية في 4602 لسنة 53 يجب إبداء الدفع ببطلان إذن التفتيش فى عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه. و من ثم فإن مجرد قول المدافع عن الطاعن فى مرافعته أن الدعوى خالية من التحريات لا يفيد الدفع ببطلان الإذن .
الوضع فى القانون السودانى
لم يتعرض قانون الإجراءات الجنائية لعام 1925م ومن بعده قانون 1974 م لمسألة حكم البينة المتحصل عليها عن طريق مشروع، لأن هذه المسألة من حيث الموضوع تخرج من نطاق الإجراءات إلى الإثبات، ولكن حمل قانون 25 نصاً تبناه قانون 74 في المادة 261 مؤداه عدم جواز إلغاء أي قرار في الاستئناف لمجرد الاستناد إلى أن البينة قُبِلت خطأ، أو إلى وجود عيب في الإجراءات، مادام المتهم لم يضار في دفاعه، وكان القرار أو الحكم سليماً. والمادة كما هو واضح لا تعنى سوى بالحق في المحاكمة العادلة، فتستبعد البينة التي تم الحصول عليها بإجراء غير صحيح، إذا إذا أدت إلى الإضرار بدفاع المتهم، ولكنها لا تحفل بما إذا كانت البينة تم الحصول عليها بإنتهاك حقي الخصوصية، أو الحرية والأمان. و المادة فى جوهرها تمنع التمسك بالعيوب الشكلية، وهى بذلك تقف على وجه نقيض مع نظرية البطلان اللاتينية. فى غمرة الصراع بين الفقهين اللاتينى والأنجلوسكسونى على أثر تزايد خريجى الجامعات المصرية بين ممارسى مهنة القانون، وما كانوا يثيرونه عن تخلف الشريعة العامة الإنجليزية فى هذه النقطة عن القوانين الأخرى، إستندت المحاكم على هذه المادة لإستبعاد البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع دون اللجوء لنظرية البطلان اللاتينية .
ففي دعوى حكومة السودان ضد نصر عبد الرحمن وآخر والتي بدأت الإجراءات فيها ببلاغ تحت قانون معاقبة الفساد، والذي قررت المحكمة العليا بطلانه بعد ذلك، رأت المحكمتان الأدنى أن إجراءات التحري بموجب قانون تم إلغاءه تعتبر باطلة، و ذكر القاضي شقاق وهو يكتب رأي المحكمة العليا ما يلي :-
نبادر فنقرر أن النائب العام أصاب في قوله أن القانون السوداني لا يعرف ما يسمى بمبدأ البطلان، وأنه مبدأ مستمد من النظام اللاتيني معمول به في القانون المصري. والقواعد العامة التي تسترشد بها محاكمنا في هذا الشأن هي تلك التي أشار إليها النائب العام ومؤداها أن عدم اتباع إجراءات معينة لا يؤدي إلى البطلان إلا إذا ثبت أن تلك المخالفة قد أدت إلى إجهاض العدالة. وقد تعرض النائب العام إلى ما أورده الشراح الهنود في هذا الشأن قائلا (وقد ذهب العلامة Sarkar للحد الذي قال فيه أنه حتى الأخطاء التي تلازم الإجراءات القضائية أو الأحكام لا تبطل تلك الإجراءات أو الأحكام، إلا إذا كان من شأن تلك الإجراءات أو الأحكام عرقلة أو إعاقة سير العدالة، هذا بالرغم من خطورة ما يترتب على الإجراءات القضائية. فإذا كان هذا هو الحال في الإجراءات القضائية، فكيف يكون الرأي في حالة الإجراءات التي لا يترتب عليها أثر، ولا تلحق ضررا بأي شخص كان).
أما القاضى عبد الرؤوف حسب الله ملاسي خريج الجامعات المصرية فيأخذ فى دعوى ابراهيم عيسى وآخر أخذ بمذهب المحمكة العليا الأمريكية وبنظرية البطلان اللاتينية معاً (أولاً : من أبسط القواعد القانونية، أو من أبسط القواعد الأصولية المستقرة فقهاً وقانوناً، هي أن من يطلب من الناس أو الأفراد الالتزام بالقانون وحدوده وضوابطه، لحماية المجتمع وقيمه ومثله، لا بد أن يكون في المقام الأول ملتزماً بحدود القانون أو ضوابطه. إذ من غير المعقول أن نخالف القانون أو نخرقه بحجة أننا نريد أن نحمي المجتمع من الخارجين على قوانينه. فسيادة القانون لا تتجزأ، فإما ن يؤخذ بها ككل، أوى أن ترفض ككل. أما الإمساك بالعصا من النصف، فمعناه الخروج على القانون. ثانياً : إن أمر التفتيش عندما نص عليه المشرع في قانون الإجراءات الجنائية م73، م74، نص عليه بضوابط وقيود واضحة، بل محددة، لا مجال للاجتهاد بشأنها. وعندما حدد المشرع هذه الضوابط قصد أن تطبق، وألا يفتح أي مجال للتحايل عليها بأي صورة، لخطورة أمر التفتيش، ومساسه الواضح بحريات الأفراد. ومن ثم فالمخالفة لأي قيد نص عليه المشرع يجعل أمر التفتيش باطلاً ومخالفاُ للقانون. ولا يجب أن نقبل أي بينة أو دليل متحصل منه حتى لو أدى إلى اكتشاف جريمة، لأن ما بني على باطل فهو باطل.)
قانون الإثبات لعام 1983م
عندما صدر قانون الإثبات لعام 1983م اختارت المادة (11) منه موقفاً متشدداً واقتصر حكمها على القانون الإنجليزي القديم، والذي عدل عنه الإنجليز مؤخراً، وقبلت البينة المأخوذة بطريق غير مشروع. ولكن ذلك لم يغير موقف القضاء الذى كان قد استقر في وجدانه عدم جواز قبول البينة التي تم الحصول عليها بخطأ جوهري ومن شأنها أن تضر بدفاع المتهم. ولما كانت المادة جوازية، بمعنى أنها لا تفرض على المحكمة قبول البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع، وإنما تجيز لها ذلك، فقد ظل القضاء يطبق نفس المعايير التي كان يطبقها، وظل موقفه بغير تغييرحتى بعد تبنى الشريعة كمصدر للقانون، إستشعاراً منه بأن القانون ما زال يستقى أغلب أحكامه من القانون الهندى. ففى حكومة السودان ضد عمر محمد إدريس م أ/أ س م /93/1989 فرقت المحكمة بين التفتيش الشخصي وتفتيش المنازل، والأماكن، فرأت أن تفتيش الأماكن أحاطه القانون بسياج من الضمانات حمايةً لحقوق دستورية، مستندة على المادة (30) من الدستور الانتقالي لعام 85. ردا على نقاش محامي الدفاع بأن التفتيش بدون أمر هو تفتيش باطل وما يستند على الباطل فهو باطل، رأت المحكمة أن القانون السوداني لا يأخذ بنظرية البطلان. و فرقت بين الأخطاء الجوهرية والأخطاء الشكلية، ورأت أن الخطأ الشكلي لا يمنع المحكمة من قبول البينة المتحصل عليها عن طريقه. وقررت أنه في حين أن عدم وجود الأمر بالنسبة لتفتيش الأماكن هو خطأ جوهري فهو ليس كذلك بالنسبة لتفتيش الأشخاص، وبالتالي فإنه يمكن تجاوز عدم وجود الأمر، إذا كان المتهم لم يضار في دفاعه. وبالتالي فقد أيدت المحكمة الإدانة، لأن المتهم في هذه الحالة لم يضار في دفاعه.
قانون الإثبات عام 1994
عندما أعيد إصدار قانون الإثبات فى عام 1994 تغير الموقف تشريعياً للأحسن فجاء نص المادة العاشرة من قانون الإثبات كالتالي:- ( 1- مع مراعاة أحكام الإقرار ، والبينة المردودة لا ترد البينة لمجرد أنه تم الحصول عليها بإجراء غير صحيح متى أطمأنت المحكمة إلى كونها مستقلة ومقبولة .2- يجوز للمحكمة متى مارأت ذلك مناسباً لتحقيق العدالة ، ألا ترتب إدانة بموجب البينة المشار إليها في البند (1) ما لم تعضدها بينة أخرى .)
وهو قد حسن كثيراً من الحكم الوارد في قانون 83 فالنص الجديد قد وضع جملة بإجراء غير صحيح، بدلاً من بطريق مشروع، مما يفتح الباب للقول بإستبعاد البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع، في الوقت الذل يدعم ما سار عليه القضاء من أنه لا يجوز قبول البينة إذا شاب الحصول عليها خطأ جوهري. وإضافة جملة "مع مراعاة أحكام الإقرار والبينة المردودة" تفتح المجال لرفض قبول الإقرار المتحصل عليه عن طريق الإغراء أو الإكراه ،لان المادة 20 (م) من نفس القانون تعتبر الإقرار المتحصل عليه عن ذلك الطريق إقرارا غير صحيح في المسائل الجنائية. كذلك فإن قواعد البينة المردودة تشمل البينة التي تنتهك الشريعة الإسلامية أو القانون أو العدالة أو النظام العام وهذا يشمل انتهاك الخصوصية وسائر الحريات الدستورية لأن هذه الحريات لابد أن تكون من النظام العام من واقع أحكام المادة 48 والتي تمنع المشرع من الانتقاص منها. ولكن مع إقرارنا بأن قانون 94 فيه تقدم واضح على قانون 83 ألا أنه أيضا لم يشمل كل المبادئ التي توفر المحاكمة العادلة، فأجاز للمحكمة متى مارأت ذلك مناسباً لتحقيق العدالة ، ألا ترتب إدانة بموجب البينة التي تم الحصول عليها بإجراء غير صحيح وكان الأولى أن يلزمها بذلك. أضف لذلك أن قانون الإجراءات الجنائية نفسه لم يحمي المتهمين ضد إجبارهم على تقديم بينة ضد أنفسهم، ومنح المحكمة سلطة إستجواب المتهم دون أن يحدد المقصود من تلك السلطة، متجاهلا بذلك حكم المادة 148 من قانون الإجراءات الجنائية لعام 74 والذي ذكر عن إستجواب المتهم " لتمكين المتهم من إيضاح أي ظروف تظهر من البينة ضده" وبذلك فقد حدد الغرض من الاستجواب وهو مساعدة المتهم في دحض التهمة، وهو الأمر الذي يفتقده القانون الحالي، مما يجيز للقضاة توجيه أسئلة تجريمية للمتهمين وأخذ إجاباتهم في البينة ضدهم خاصة وأن المادة 96 من القانون الجنائي تمنع المتهم من رفض الرد على سؤال القاضي أو الامتناع عن تقديم مستند طلب منه تقديمه. بالإضافة لجواز توجيه اليمين للمتهم في غير الحدود.
الحكم فى دستور 2005
إجبار الشخص على تقديم بينة ضد نفسه يخالف الدستور وذلك لان المادة الرابعة عشر من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في فقرتها (ز) تمنح لكل متهم الحصانة من أن يكره على تقديم شهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بالذنب وعليه فإن الإجابات التي يقدمها المتهمون على أسئلة المحكمة التجريمية أثناء الاستجواب يجب عدم قبولها في البينة .
وقد نصت المادة 156 (ج) من الدستور على أنه (لا يجوز انتهاك خصوصية الأشخاص ولا تقبل أمام المحاكم البينة المتحصل عليها بإنتهاك هذه الخصوصية ) وهذا النص لا يجب تفسيره بإعتباره يقتصر في حكمه على ولاية الخرطوم، بل يجب إعتباره تذكيراً لمحاكم الخرطوم بأنه يتوجب عليها رفض البينة المتحصل عليها بإنتهاك الخصوصية لان الحق في الخصوصية غير مقرر دستورياً في العاصمة القومية فقط، بل هو حق مقرر للسودانيين جميعاً بموجب المادة 37 من الدستور.
وهذا الحكم يذكرنا بحكم المحكمة العليا الأمريكية في ماب ضد أوهايو حين كان الرأى السائد آنذاك هو عدم إنطباق التعديلات الثمانية الأولى من الدستور على الولايات لأن نص تلك التعديلات كان يوجه الخطاب للكونجرس ألإتحادي.
ذكرت المحكمة العليا (قررت هذه المحكمة منذ 75 عاما أن التعديلين الرابع والخامس للدستور يهدفان لمنع انتهاك الخصوصية للأفراد بواسطة الحكومة وموظفيها. وأساس المخالفة ليس الدخول إلى منزل الشخص والعبث بأدراجه ومقتنياته الخاصة، ولكنه انتهاك حقه فى الأمان والحرية الشخصية الذي لا يجوز العبث به. إن استخلاص بينة بالقوة من الشخص او من اوراقه الخاصة او مقتنياته لاستخدامها ضده لغرض ادانته هي جزء مما هدف التعديلان لمنعه. يجب ان تفسر الأحكام الدستورية المتعلقة بأمان الشخص وممتلكاته تفسيراً واسعاً لأنه من واجب المحكمة حماية المواطن ضد أي محاولة للتغول خفية على حقوقه فلنذكر ما كتبه ماديسون عن ذلك " ستعمل المحاكم المستقلة يطبيعتها على مقاومة أى تغول على الحقوق التي منحها الدستور للمواطنين" في دعوى ويكس ذكرت هذه المحكمة "إذا كانت الخطابات والمستندات الخاصة بالشخص يمكن الاستيلاء عليها واستخدامها ضده في البينة فان نص التعديل الرابع يصبح بدون جدوى ويكون من الأجدى إزالة نصه من الدستور. أن الحق في الخصوصية هو حق أساسى بالنسبة للمجتمع الحر لا يجوزالسماح للولايات بالتغول عليه، مثله مثل الحق في حرية التعبير، والحق في حرية الصحافة، والحق في المحاكمة العادلة، والذى يشمل أن لا يدان شخص بسبب إعتراف تم الحصول عليه بالإكراه، حتى ولو كان يمكن الوثوق بصحته. وليس هنالك في نهاية الأمر فرق بين الإعتراف الذي يتم الحصول عليه بالإكراه والبينة التي تم الحصول عليها بإرغام المتهم على تقديمها ضد نفسه، ولا يوجد فرق في هذا بين القانون الفيدرالي أو الولائي فليس هنالك حرباً بين الدستور والمنطق، فكيف يمكن أن يقال أن المدعى العام الفيدرالي لا يستطيع أن يستخدم بينة متحصل عليها بطريق غير مشروع لدى المحكمة الفدرالية، في حين يستطيع ذلك مدع عام ولائي يمارس عمله من المكتب المقابل في نفس الشارع ؟ )
ولذلك فإنني أرى أنه لا بد من أن تعدل المادة العاشرة من قانون الإثبات لتحمل نصاً صريحاً يستبعد البينة المتحصل عليها بإنتهاك حقي الخصو صية، أو الحرية والأمان، وكذلك البينة التي تم الحصول عليها بإجراء غير صحيح، إذا إنتهكت الحق في المحاكمة العادلة بأن يكون من شأنها الإضرار بدفاع المتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.