لاطباء السودان…لجنة الاطباء المركزية : …… رسالة وبيان وتوضيح (2) : من والد الطفلة تاليا شهيدة التردي الصحي… لماذا ندعم اضرابكم ونؤيد خطواتكم؟. ……. تشاهدون بطيه صورة الشهيدة تاليا ذات الثلاثة أشهر…هي غيثارتي التي سلبوا لحنها ورأى النظام انها رقم اضافي في خارطة التعداد السكاني يجب التخلص من حمله…تاليا كانت انشودتي وسحري الخاص ووقت سمري ونجوتي…لكنها الآن أنشودة الناي الحزين وهديل حمامات النواح وقماري الالم…هي حنجرة بلبلي وحرف الانين…تاليا لم تفعل شي لا يفعله الاطفال لذلك قد مرضت… والمرض في عهد الانقاذ جريمة تستحق القتل المبرمج والممنهج… بل تستحق السحل والتمزيق…لذا فهي قد ارتقت منصة الاعدام ومضت شهيدة بجريرة عظيمة وجريمة نكراء..كيف لا وقد احتاجت لاوكسجين في عهد البشير ومستشفيات البشير…تلك جريمتها يا سادتي وهذه جريرتها إذ رأى الاطباء انها بحاجة لاوكسجين بسبب ضيق في التنفس…والاوكسجين بحاجة لمنظم…وقيمة المنظم 250 جنيها سودانيا…ولافتقار المستشفى للدعم والامكانيات ولشح موارد وزارة الصحة واصرار الدولة على عدم دعم مؤسسات الصحة فقد اصبحت تاليا وجها لوجه امام مصيرها…لا اوكسجين ولا منظم…فقط جدران كئيبة في مستشفى باهت متآكل يكاد ينهار على مرتاديه…ثم نظرات من الأسى على وجه ممرضة بائسة حزينة تعلن لي ان المنظم متعطل وانها عاجزة عن التصرف…اخذت عاليا وضممتها لصدري وانا احاول ان اتماسك…لكنها بدأت تلفظ من فمها وانفها (زبدا ولعابا) وتعود لتستنشق من هواء الله نفسا تتمسك به لتعيش…ويستعصى عليها كل هواء الكون عن شهقة واحدة…كنت اجري بها مقطوع الانفاس ووجهها الغض يتبدل نحو لون البنفسج ثم لون كبدي…وكنت اعرف ان تلك دلالة النهاية…ولا يوجد ما نشفط به البلغم…عمتها تكفلت بفعل ذلك بفمها…تنحني نحوها وتشفط عنها البلغم من انفها وفمها بفمها… عمتها تبذل جهدا مقدرا…المشهد يا سادتي ينبئني كل حين بأنه الفراق…نظراتها البريئة لا تطاق…انظر في عينيها لأجد سؤالها ذاك (ماذا يحدث يا ابي)…سؤال يمزقني وريدا وريدا…ويفتت كبدي تفتيتا…وما من اجابة…نظراتها تستجديني وبراءتها تفتك بي فتكا… كانها تقول لي ماذا جنت…بكل طاقتي كنت اجري بها…مائة متر..ثلاثمائة…بل يزيد…اضمها لصدري واعود وخلفي اسرتي تتناوب ابعادي عن المشهد…لكنني كنت لصيق بها…وهي بين يدي طبيبها الدكتور مرتضى محمد احمد الطبيب الانسان شهدتها تبادله النظرات… كأن بينهما لغة من العشق لا تترجمه سوى نظراتهما… وهو كسليمان النبي…عرف منطق الاطفال..وذاك تخصصه… ثم لما اسلمت الروح لمبدي الارواح كانت رسالتها في حشرجاتها الاخيرة ان احرص على رفاقها من عموم المرضى والاطفال اندادها غضي الاعمار…حشراجتها والانين امتزجت بحليب كان في معدتها الغضة… هو زادها الاخير وجرعة دواء خالطها خيط من الدم القاني لفظته ايضا وهي تودعنا بينما يد حنون للدكتورة ايمان تضغط على صدرها برفق وكأنها تحاول ان تغرس فيها وتمنحها روحا جديدة…ايمان لا تسنطيع ان تلبس الميت ثيابا من الارواح…لفظت تاليا روحها ومضت بعد ان تركت لي قطرات من حليبها وبضع دموع ومآسي لا تطاق… فجر الاربعاء 1/62011 فارقتني وللأبد. …….. اطباء بلادي الشرفاء الاحرار : من يومها وانا انتظركم ويقيني لم يبارحني لحظة واحدة بأنكم لن تستكينوا لهذا الواقع المزري…كنت ولا زلت انتظر ردكم…انتظر موقفكم…انتظر انصافكم. منذ التاريخ المذكور ولشهور تلت الواقعة كتبت الصحف عنها وتفردت بذلك صحف السوداني في تحقيقات ومتابعات بقلم الصحفية حنان كشة…وصحيفة الاخبار بقلم الصحفية صفية الصديق…والتيار بقلم الاستاذ عثمان ميرغني…وصحف اخرى كتبت وكتبت وكتبت. كنت اعرف بل وراهنت انكم قادمون…وحينما فتحت بلاغا في نفس يوم وفاتها ضد وزير الصحة بولاية الجزيرة ومعتمد محلية شرق الجزيرة وادارة المستشفى بصفتها الاعتبارية تحت مادة قانونية مفادها المسئولية التقصيرية طلب مني وكيل النيابة وإسمه محمد المجتبى ان أستبعد وزير الصحة والمعتمد على ان يقاضي الاطباء ويوجه لهم التهم…رفضت هذا الابتزاز واجبته بان الطبيب لا يملك عصا موسى ولا يمكنه العمل وهو مجرد من معينات تشخيصية ومعدات استطبابية وادوية علاجية…هو انسان يمارس في مهنة تعتمد على تشخيص دقيق يسبق الوصفة العلاجية واجهزة تعينه في استشفاء مرضاه… الطبيب ليس عدوا لي…بل حليف يموت في اليوم مئات المرات امام عجزه وضياع مرضاه من بين يديه…الطبيب هو مصب آلامي ومنبع شفائي… والاجابة لا تعجب النظام وزبانيته حيث استدعى الامن والشرطة الامنية والمباحث…وامام اصراري طلب مني رفع الحصانة عن المعتمد ووزير الصحة وبدأ اجراءات مبدئية تحت المادة 47 من قانونه وهي تحريات مبدئية مع ادارة المستشفى…بخبث كان يسألني…(متهم منو من الدكاترة بي انو كتل بنتك)؟… وكنت اجيبه…لا احد…بذلوا جهدهم ولكنهم لم يجدوا ما يعينهم على اداء مهامهم…وبعد شهور شطب البلاغ واعدت القضية للطاولة بعد استئناف دفعت به مشفوعا بكل الادلة…ومرة اخرى عادوا للبلاغ بلغة حادة وصلت حد التهديد بنبش قبر تاليا وتشريح جسدها…كان يقول لي (سأنبش قبرها وامزق جثتها)…وكنت اجيبه بانني موافق ولكن عليه ان يتخيل ما سيحدث اثناء النبش وعليه بتصور اعادة الدفن…وعدته بحشود اولها في رفاعة وآخرها في الخرطوم. ان خطة وكيل النيابة كانت تمضي في اتجاه جعل الطبيب هو العدو للمواطن والمريض…لكن الحقيقة ان النظام ورموزه وسياساته هم اعداء المواطنين والاطباء. …… السادة الاطباء : صحب هذه القضية حراك مقدر من مجتمع مدينة رفاعة الحرة… وانتهى بي في اعتقال ثم سجن ثم اعتقال ثم هجرة مستمرة حتى اليوم الجمعة 7/10/2016…وخلال الفترة من هذا التاريخ وتاريخ 1/6/2011 اليوم الذي مضت فيه تاليا استطعنا بجهد شعبي ودعم ذاتي وصل فيما يخص الاطفال 7 مليار جنيه ان نبني مستشفى للاطفال من 3 طوابق برفاعة وحضانة اطفال وجلبنا كل المعينات اللازمة…ولا زالت وزارة الصحة ترفض تشغيل هذه المؤسسات التي بنيناها من حر مالنا ولا زلنا نعاني لدرجة تكفلنا بدفع نفقات نثريات الاطباء وحوافزهم ضمانا لاستمرار الخدمة. ……. السادة الاطباء : بكل ما في القلب مما تابعتم اعلن تأييدي المطلق لكل خطواتكم المباركة واولها اضرابكم…واجدد ثقتي في نهجكم الحكيم…واناشد عموم مجتمعنا وكل من عانى من ويلات التردي المريع بمؤسسات وزارة الصحة ان يساند كل خطاكم الطيبة المباركة وان يحمي تحركاتكم الحكيمة ويدافع عن تجمعاتكم الانسانية واهدافها النبيلة… وكلي يقين ان حق تاليا ورفاقها مصان طالما ان الارحام التي انجبتكم لا زالت ولود. ……. علاء الدين الدفينة…والد الطفلة تاليا شهيدة تردي الصحة بالبلاد. مكة المكرمة…الجمعة 7/10/2016.