* لم نترك كلمة تقال ولم نقلها قبل وأثناء وبعد ما سُمِّى بهتاناً (الحوار الوطني) الذي تكشفت (عوراته) للناس الآن وسابقاً؛ دون الحاجة إلى تحليل جديد أو إضافة عن رئيس السودان (المفروض!) مبتدع الحوار؛ وهو بمنتهى الأنانية يمارس الممكن وغير الممكن من الخِدع؛ حتى لو كلفه ذلك ماء الوجه (وهل ثمة ماء أصلاً في وجوه النظام الأفسد برمته)؟! * رأينا في مشهد الختام حصاد مسرحية الحوار؛ وكيف يفعل البشير ما يريد؛ وكيف كان الحوار (رزقاً مؤقتاً) لجلساء مائدته (الشرِهين) بمعزل عن مصالح الشعب… انتهى العرض المسرحي الحواري إلى خلاصة واحدة هي (المزيد من تمكين الدكتاتورية العمياء) ليستمر تغليب وتعزيز تواجد أهل الثقة (شركاء تدمير الوطن) مهما كان بؤس امكاناتهم؛ وعلى حساب أي مستقبل منشود في البلاد أو تراضي وطني أو ديمقراطية.. الخ.. فها هو مشير السودان يقرر لوحده أن يكون نائبه الأول رئيساً للوزراء (كأن المشير يرى في النائب طرازان آخر) ويقرر مشير السودان على كيفه شكل السلطة عموماً؛ وليس بغريب عليه (العجِن) وهو الواصل للقصر إنقلابياً.. تعينه شرذمة محدودة من توابع الحوار على تشكيل حكومة (المزاج)، بصحبة أذيال تجيد التمسح على الكرسي.. وغلبة العواطف الرعناء على سياسيي زمن الموات جعلت البشير (هو الدولة والدولة هو!) يختار من يشاء وما يشاء في حظيرته.. وليخبط الشعب رأسه بأقرب حائط..! أعني الشعب الذي يرى في حكم البشير محنته الكبرى وكارثته واجهاض أحلامه بهذا الجلوس القسري (المتلكك) على جثة الوطن..! * لماذا يفعل البشير ما يشاء؟ لأن (البلد ضاقت عليه!!)؛ فلا يرى أبعد من جاره (الخارِق!) كرئيس للوزراء.. ولا ينظر لغير نفسه في المرآة فتعجبه عجباً يجعله كالأسطورة؛ ولا يرغب في تبدد هذا العجب بزوال سلطانه الظالم.. والظالم لا يختار عدولاً في تشكيل حكومته! لو لم يفعل البشير ما يشاء لما طال جلوسه؛ فهو أكثر رؤساء السودان إفساداً (في حلقة السياسة) بواقع الرؤية الطبيعية للحال؛ وبواقع الدولة التي يرهنها بوجوده؛ وبواقع عدم الأمان الذي يسيطر عليه بسبب الموبقات؛ فيحوله إلى هاجس متحرك لا يرضى بغير الطغيان بديلاً.. الطغيان حارس وهمي لمملكته التي بناها بالجماجم والرصاص الحي..! لن يشبع في الحكم حتى يشبع منه الدود… لن يهدأ وهو حي دون اللهث وراء أقصى حصانة ممكنة بالتابعين والرفقة والقوات والأجهزة؛ وليس بالشعب..! الشعب لن يُحصِّن رئيساً هدم حصون أمنه واستقراره وعزته؛ بل نسف أغلى ما يملك..! * رئيس الوزراء الجديد بكري حسن صالح (نسخة البشير!) حتى لو أجمع الكثيرون عليه (بحق أو بباطل) يظل اختياره ضارباً في عمق أزمة المشير (النفسية أولاً) وليس اختيار شعب! البشير في يده قلم التعيينات والقرارات.. من بيده القلم كما يقولون لا يكتب نفسه شقياً.. فليشقى السودان إذن..! لكن هل يظل (الأقرباء) عاصماً للبشير مما يخشى طوال الدهر؟! * وسط صخب اللحظة؛ جاء في أخبار صحيفة (الجريدة) أمس: (هاجم الأمين العام لتحالف الوفاق الوطني لأحزاب المعارضة المشاركة في الحوار، عبد العزيز دفع الله، ممثلي التحالف في آلية متابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ووصفهم بالضعف، وذلك على خلفية تفويضهم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير لتشكيل حكومة الوفاق الوطني. واعتبر دفع الله ان ذلك التفويض يجعل الحوار الذي استغرق (3) أعوام كأنه منبر علاقات عامة للتعارف بين القوى السياسية ولم يحقق شيئاً أكثر من ذلك). * ليت الحوار كان منبر علاقات عامة للتعارف (هذا تعبير مؤدب).. بل كان سوق نخاسة ومنبر (بيع وشراء) بين فئة يتحكم فيها دكتاتور ليس معنياً بمستقبل السودان؛ ولا بمستقبل الممارسة السياسية فيه؛ بل معنى بحاضر الدولة القمعية الرجعية الفاسدة الفاشلة التي يتحصن بداخلها..! لم يكن في الأساس حواراً بل (حركة غش مفتضحة) تكمل خطى البشير الحثيثة في طريق التسلط حتى النهاية؛ بإضفاء شكلاً مزيفاً على الحكومة لا يحتاجه بتاتاً؛ لأنه مهما فعل سيظل محكوماً بأصله غير الشرعي؛ وما اقترفت يداه..! تذكرة: * قلت مرة: إن المشهد برمته في عهد البشير يعيدك إلى مأساة هذه الأمة التي تردد (نشيد العلم) وتحتفل باستقلالها منذ 60 عاماً؛ ولم تستطع بناء دولة ذات قوام متين معتدل وعادل.. لكننا نبني كل يوم حروفاً في الهواء؛ حتى قطعنا (قلب اللغة) بالتنظير والسفسطة؛ دون أن ننظر بحدة لخيبتنا الممتدة بامتداد الدكتاتوريات العسكرية والبيوت الطائفية.. ثم.. الساقطون في أغوار الأيديولوجيا المستوردة (المعتوهة!).. أما آن لنا الانعتاق؟! * قلت أيضاً: إن الإشراقات الوطنية تظل للشعب في جوهرها.. ولبعض رؤوس الحكومات المتعاقبة اجتهاد شحيح.. لكن ما أفلح لهم جهد في أهم منجز وهو (بناء وطن حر؛ ديمقراطي؛ يباهي بدستوره).. وطن مكتفٍ برحمة أنهاره السبعة؛ لا هذا المجدب الفقير؛ بالقرب من الطمي وكنوز الأرض..! خروج: * سيظل البشير وشركائه في الإثم يرهقون كاهلنا بحثاً عن ما يحصنهم بشتى درجات المكر؛ الكذب؛ الخبث؛ حتى لو أدى ذلك لفناء من في الأرض جميعاً.. ثم.. لا حِصن يقي الشعب مما يجره عليه رئيس الإنقلاب الهارب إلى الأمام وإلى الخلف في الوقت نفسه؛ حماية لذاته الرئاسية..! أعوذ بالله الجريدة (النسخة الممنوعة).