محلية بحري تبحث عن حلول لقضية الرفاة المدفونة خارج المقابر    والي ولاية الخرطوم يستقبل وزير الداخلية ويقدم تنويراً عن الأوضاع بالولاية ويثمن مجهودات قوات الشرطة    حاج ماجد سوار يكتب: العودة إلى الخرطوم بين الواقع و المأمول (3)    إنفجار مخزن للألعاب النارية والأدوات المكتبية بالثورة الحارة الرابعة ووفاة فرد من الدفاع المدني ومواطنة    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    شاهد بالصور.. السلطانة هدى عربي تعود للظهور على مواقع التواصل وتخطف الأضواء بإطلالة ملفتة    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء الإعلام السوداني شهد المهندس تعود لإثارة الجدل على مواقع التواصل وتستعرض جمالها بإطلالة جريئة    الحَيَاةُ رَجَعَت إلى طَبِيعَتِهَا بِمَا في ذلِك مُسَاعَدة الحُكّام للمريخ!!    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب هندي يفاجئ المتابعين ويثير ضحكاتهم بتحدثه الدارجية السودانية بطلاقة (عندنا في السودان مافي رطوبة وأنا من العيلفون والمسيد)    شاهد بالفيديو.. الشيخ محمد مصطفى يرد على سخرية الجمهور: (نعم بنحب الباسطة والنسوان.. يعني نحب حبوبتك؟ ولا الباسطة حقت أبوك؟)    السيسي يؤكد على موقف مصر الثابت الداعم لليبيا والمؤسسات الوطنية الليبية    الذكاء الاصطناعي يزحف على المكاتب.. نصف الوظائف في خطر!    غرامة ب 110 ملايين دولار.. ماذا سرقت آبل؟    نهر النيل تضبط أدوات منزلية ومتعلقات شخصية مسروقة قادمة من ولاية الخرطوم    فورمان طويل كتبه الحلو بعد تعيينه نائبا لحميدتي ( كقائد ثاني الجنجويد)    طقطقة.. 15 دقيقة مونديالية تثير السخرية من حمدالله    تشيلسي يحفظ ماء الإنجليز.. وبروفة إستيفاو تثير حماسة البلوز    خسر التأهل.. الهلال السعودي يفشل في الثأر من قائد فلومينينسي    نيران بالميراس الصديقة تقود تشيلسي لنصف نهائي المونديال    نخبة(الغربال)    إتحاد حلفا الجديدة يهنئ الإتحاد السودانى لكرة القدم    الطاهر ساتي يكتب: لحين النتائج ..!!    السودان..مجلس الأدوية والسُّموم يوقّع إتفاقية تعاون مشترك مع إندونيسيا    خطاب من"فيفا" لاتحاد الكرة السوداني بشأن الانتخابات    السودان.. الشرطة تلقي القبض على"عريس"    هل يسمع رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء لصرخة واستغاثة المزارعين والمواطنين؟    الوزارة في بلادنا صارت مغرماً وليست مغنماً    البنك المركزي .. إقالة بُرعي .. أو ( شنق) عبدالقادر محمد أحمد !!    صفقوا للدكتور المعز عمر بالأمس وينصبون له اليوم مشانق الشتم لقبوله منصب وزاري    والي الخرطوم يصدر توجيهًا بشأن محطة" الصهريج"    المذيعة الحسناء سالي عثمان تكتب: (شريف الفحيل إلى أين؟!!!)    إعلان خطوة بشأن النشاط التجاري بالسوق المحلي الخرطوم    محكمة بحري: الحكم بالإعدام مع مصادرة المعروضات على متعاون مع القوات المتمردة    إدارة تسويق المحاصيل بالنيل الأزرق تشرع في تشغيل الميزان الإلكتروني    ابوقرون ينقذ الموسم الرياضي ويقود التنمية المستدامة في ولاية نهر النيل.    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتهاء ظرف الحشود و بزوغ التعدد الثقافي اتضح كما النيل السماوي
نشر في حريات يوم 15 - 02 - 2018

لغرامشي مقولة و هي أن الافكار القديمة قد ماتت و الافكار الجديدة لم تولد بعد و هذا ما ينطبق على حقبتنا هذه أكثر من انطابقه على اللحظة التي أطلق فيها غرامشي مقولته و نجد في أفكار عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب في اعادة اكتشافه لغرامشي حيث يكشف لنا الطاهر لبيب مدى سيطرة الريادات الوطنية غير الواعية على مفاصل الفكر في عالمنا عالم المجتمعات التقليدية.
نعم أن أس الداء هو سيطرة الريادات الوطنية غير الواعية على مفاصل الفكر مما أدى الى انتشار بريق الأيدولوجيات التي تعمي كما نرى سيطرة حشود اليسار و زعمهم بأنهم مثقفين عضويين و نجد أن زعمهم تدحضه هرولتهم الى أحزاب تسيطر عليها الايدولوجيات المتحجرة بعكس طرح غرامشي و طرحه في ذلك الزمن و نحن حينه في حقبة الاستعمار أذن المسألة كلها ترتكز في الريادات الوطنية غير الواعية بفلسفة التاريخ ولأي خط هي أقرب.
فمثلا أن الريادات الوطنية غير الواعية في حقبة الستينيات من القرن المنصرم قد حاربت الحداثة و التنمية كم حورب الاستعمار كما يقول محمد أركون لذلك نجد ان من اكبر معوقات التنمية عندنا هي في الريادات الوطنية غير الواعية في تلك الحقبة فمثلا ثورة اكتوبر1964 كانت تقودها حشود اليسار السوداني و هو منتشئ كساذج و مراهق سياسي لم يدور في خلده ان ما يريد بسطه في ساحة الفكر قد تجاوزته انجازات التفكر في افكار ماكس فيبر منذعام1922 في فكرة الاقتصاد والمجتمع وحينها قد أصبحت ماركسية ماركس خاوية مما يجعلك أن تكون ماركسيا كما يردد ريموند آرون في اعجابه بأفكار ماكس فيبر ورفضه لافكار دوركهايم كعالم اجتماع يلغي المجتمع بجرة قلم ويمهد الطريق لفكرة النيوليبرالية مثله كفردريك هايك وتدور الايام ليصبح خط ماكس فيبر ريموند آرون و جون راولز و فوكوياما كدرب التبانة أو كما يسمي النيل السماوي في الادب الفرعوني القديم من حيث وضوحه في الليل أي أنه قدأصبح فكرهم هو تتويج التاريخ بالتاريخ الذي لا يتوج كما لخصه فوكوياما بفكرة نهاية التاريخ و الانسان الأخير فافكار فوكوياما هي امتداد سير خط أفكار ماكس فيبر في مرورها عبر حفريات ريموند آرون كعالم اجتماع ومؤرخ و اقتصادي يوضح أن التاريخ الانساني لا قصد ولا معنى له بل هو تراجيدي ومأساوي لا يمكن ضبطه الا بمعادلة الحرية والعدالة وهي روح العقد الاجتماعي في الفكر الليبرالي فأفكار ماكس فيبر منذ عشرينيات القرن المنصرم نجدها قد أصبحت قوة وروح فكر ريموند آرون في مقاومته لجان بول سارتر أيام مجده في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ونفسها أي أفكار ماكس فيبر و ريموند أرون نجدها قد مهدت لجيل فلاسفة الثمانينيات أي لوك فيرى في نقده لفلاسفة ما بعد الحداثة و كذلك مارسيل غوشيه في ابداعاته التي قد أوصلته الى أن تحقيق ارتضاء العيش المشترك والحرية لا يمكن أن تكون الا في ظرف خروج الدين من أن يكون له تأثير على السياسة والاجتماع والاقتصاد فأفكار فلاسفة الثمانينيات من القرن المنصرم أي لوك فيري ومارسيل غوشيه تعتبر الحلقة المفقودة في منظومة الفكر السودانية سبب غيابها قد أدى للكساد الفكري السائد اليوم حيث يسيطر على الساحة الفكر الديني في أحزاب الطائفية والحركة الاسلامية السودانية وكذلك روح الفكر الديني وغائيته في فكر الحزب الشيوعي السوداني.
لذلك وفي ظل الكساد الفكري في الساحة السودانية نجد من يحتفي بكتاب ادوراد سعيدالاستشراق وفي الوقت نفسه نجد أن ادورد سعيد يعترف ان كتابه الاستشراق قد خدم المتطرفين الاسلاميين أكثر من خدمته للتنوير وكذلك نجد من لم يزل يحتفي بافكار فرانز فانون وكله من علامات الكساد الفكري في الساحة السودانية ولا يمكن التخلص منه الا بمحاولة وجود الحلقة المفقودة في سلسة الفكر السوداني وهي جهود فلاسفة الثمانينيات من القرن الفائت وهي التي قد أنارت الطريق لفوكوياما في التسعينيات أن يخرج بفكرة نهاية التاريخ و الانسان الأخير في انتصار لفكر ماكس فيبر و ريموند آرون.
بعد أزمة النيوليبرالية و بجانب ساذجة اليسار تسير الطائفية العابرة في حزبي المهدي والميرغني لتعلن حالة مجتمع تقليدي مثقل بحمل سلطة الأب و ميراث التسلط التي لا تسمح بازدهار روح الفرد والعقل والحرية وعلى مسافة منها تنتظر الحركة الاسلامية ظرف الحشود بفكرة الماضي الحاضر و هاهو الكساد الفكري و الظلام الدامس يسد الآفاق سببه الريادات الوطنية غير الواعية في يسار ساذج و طائفية عابرة وحركة الاسلام السياسي العمياء والنتيجة مقاومة للحداثة بشراسة وهذا لم يكن في السودان وحده فمثلا في تلك الحقبة عندما نادى عالم الاجتماع العراقي علي الوردي بفكر ليبرالي يخرج العالم العربي والاسلامي مما يحول دونه و بلوغ أعتاب الدولة الحديثة لأن الفكر الليبرالي يقضي على ساذجة اليسار والطائفية و القبلية والجهوية فقد نال علي الوردي ما نال من غضب الشيوعيين والاسلاميين والقوميين وطول يازمن و اقصر يازمن وحينما انقشع غبار ظرف الحشود من يسار ساذج وفكر اسلامي متهور لم يظهر الا القليلين من المفكرين أمثال علي الوردي و محمد أركون لم تحتاج أفكارهم لغربلة وهناك من أحتاجت أفكاره لغربلة وقام هو بنفسه في نقده لافكاره وقدم عمله الجليل في نقده الحضاري للمجتمع العربي أي هشام شرابي وكذلك ادورد سعيد في منجزه الأخير ذو النزعة الانسانية وهذه الغربلة نحتاجها في الساحة السودانية بدلا من الاحتفاء والتكريم لمن يكتب منذ ستين عام و كأننا نردد المثل القائل بترابه اليملى جرابه.
نحتاج لهذة الغربلة الفكرية لفكر مفكري الستينات في السودان لأنهم نتاج ظرف الحشود وهاهو ظرف الحشود ينكسر بفشل اليسار الساذج في العالم العربي و كذلك بانتهاء ظرف حشود الحركات الاسلامية و يفتح الطريق للتعدد الثقافي كما يقول عبدالله الغذامي في متابعاته لظاهرة الحشود ويقول أن الحشود الآن قد ابتلعها السوشيال ميديا وقد حررها واصبح الفرد بدلا من أن يكون تابع في زحمة الحشود أصبح متابع للافكار و محلل مما يفتح الطريق الى فكرة التعدد الثقافي والآن نلاحظه في رؤية 2030 أي بسط فكرة الاقتصاد والمجتمع في السعودية و كأنها جائزة قد نالها الغذامي لأنه قد صان نفسه من أن يكون من ضمن مثقفي ظرف الحشود.
فرؤية 2030 هي خطوة باتجاه التعدد الثقافي وأنكسار حشود الصحوة وذوبانها في وسائل الاعلام الجديدة يقابله في الغرب اختفاء الحشود التي كانت تتبع سارتر و حالة حشود القوميين والحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي تشبه حالة حشود زمن سارتر قد بلغت بها السخرية من أفكار ريموند آرون كغريم لسارتر حيث كانوا يرددون من الأفضل أن أكون على خطاء مع سارتر ولا أكون على صواب مع ريموند آرون فاين الحشود التي كانت تود أن تكون على خطاء مع سارتر؟ بعد سقوط أفكار سارتر وسقوط الاتحاد السوفيتي غابت هذه الحشود ويظن علماء الاجتماع أنهم الآن يمثلون ثقل زواج المثليين و حق الشابات في مسائل الاجهاض.
انتبه مثقفو الغرب لفكر غرامشي لأنهم ورثة عقل الأنوار وحتى فلاسفة ما بعد الحداثة كانت مساحات الفهم عندهم تبتعد عن الأيدولوجيات المتحجرة في زمن كان يعتقد أن التقدمي هو من ارتبط باليسار لذلك عندما بدأت موجة النقد لكل من ميشيل فوكو و جاك دريدا و ألتوسر وجاك لكان كانت عودتهم لأفكار الحداثة سريعة و خجولة و حتى مدرسة فرانكفورت قد أخرجت الى اللحظة جيلها الثالث من الفلاسفة و نحن مازال مفكرينا في السودان مع أفكار جيلها الأول و هنا ينام سر الريادات الوطنية غير الواعية وهي كما الساير في نومه تسوقهم المجاملات والأخوانيات و بسببها تغيب قوة النقد و يظهر الناقد الردئ.
فمثلا عام 1985 كانت جهود لوك فيري مزلزلة لأفكار فلاسفة مابعد الحداثة و هجومهم على العقل أي عقل الأنوار و قيم الجمهورية فوكو و دريدا الى درجة أنه قد بكى حينما أرى أفكاره هباء أمام رياح فكر لوك فيري و كذلك في نفس الحقبة التي كان فيها لوك فيري يدافع عن عقل الأنوار كان مارسيل غوشيه يدافع عن العقد الاجتماعي وقربها من فلسفة التاريخ عند كل من ريموند آرون و ماكس فيبر وبعدها عن أفكار دوركهايم حينما ألغى فكرة المجتمع و منها جاءت فكرة النيوليبرالية وما فيها من أنساق ثقافية مضمرة و انتهت الى الأزمة الاقتصادية الراهنة و بالتالي هناك من ينتقد الراسمالية المتوحشة أي رأسمالية بلا كوابح و قد صار فيها العالم أو اقترب من أن يكون سوبر ماركت ولكن لا يمكن الدفاع عن أوهام الماركسية كما يقول ريجس دوبريه بعد تجربته وقتاله جنب لجنب مع جيفارا.
وكذلك نجد أن مارسيل غوشيه في دفاعه عن فكرة العقد الاجتماعي كما كان يفكر ريموند آرون في أن تاريخ البشرية تراجيدي مأساوي لا يعرف الى أي جهة يقصد فلا قصد ولا معنى لمسيرة التاريخ الانساني لذلك لا معنى للفكر الشيوعي و لفكر الاسلاميين في غائيته وقصديته في انتهاء الصراع الطبقي في خواء الفكر الماركسي أو فكر المدن الفاضلة في الفكر الاسلامي و هذا ما يسود في ساحة الفكر السوداني المسيطر عليه من قبل الشيوعيين والكيزان وقطعا هذه كارثة على الفكر في السودان كما وصف مارسيل غوشيه أفكار بيير بورديو بأنها كارثة على الفكر.
فانثروبولوجيا مارسيل غوشيه تبحث في الدين و السياسة والتاريخ الحديث وعبرها وصل الى فكرة خروج الدين من أن يكون ذو أثر على السياسة و الاقتصاد والاجتماع أي أن الدين في زمن الحداثة والتحديث قد وصل لمستوى أن يكون دين الخروج من الدين. وهي أي انثروبولوجيا مارسيل غوشيه نفسها انثروبولوجيا ايمانويل كانت حيث لا تكون الميتافيزيقا أرض معركة كما هو الآن في السودان حيث أصبح الوطن مسألة دينية في ظل طرح الحركة الاسلامية السودانية.
و قطعا لا مكان للمجاملات والأخوانيات في ساحة الفكر فمثلا جان بول سارتر كان صديق مقرب لريموند آرون ولكن حينما جد الجد مضى كل منهما الى حال سبيله وكذلك قوة العلاقة بين سارتر و ألبير كامي ولكن حينما أصبح سارتر حارس للنظم الشمولية بفكرة الالتزام الأدبي قد فارقه ألبير كامي بكتابه و أفكاره عن العبث الفعال ونجد هناك جان دورمسون المتوفي قبل شهور وكان لا يهاب سارتر أيام سطوته حيث كان يفتخر بأن الرجعي أفضل من التقدمي الهزيل و هو يقصد سارتر كتقدمي هزيل.
غرامشي حينما تحدث عن المثقف العضوي حينها كان زمن قيام مؤتمر الخريجين في السودان و بعد انكساره قامت الأحزاب و نجد أن الحزب الشيوعي السوداني بعد عقد من الزمان من فكرة المثقف العضوي لغرامشي وبعد كل ذلك نجد أي الحزب الشيوعي السوداني برياداته غير الواعية بفلسفة التاريخ قد سارت بعكس اتجاه فلسفة التاريخ كما يراد لها. وبعد قيام الحزب الشيوعي بثلاثة عقود نجد أيضا قيام حزب البعث وقبله أيام حشود عبدالناصر كانت حقبة هياج الناصرية في الزج والتعبية التي تفارق مسارات فلسفة التاريخ في تأسيس معادلة الحرية و العدالة وبعد أنكسار حشود عبدالناصر و الاشتراكية العربية جاءت حشود الاسلاميين كوريث شرعي لحشود الفكر القومي لعبدالناصر وأصلا لا يوجد فرق كبير بين حشود القوميين وحشود الاسلاميين فكلها تمثل روح هياج الهووي الصاخب.
المسألة المهمة هنا هي فكرة انتاج المعنى كما يقول الطاهر لبيب فأي مفكر لم تصب كتاباته في فكرة انتاج المعنى من الافضل أن يتوقف عن الكتابة فلا جدوى من الاحتفال الستيني بكاتب لم تسهم كتاباته في انتاج المعني و خاصة في حالة مجتمع تقليدي مثل حالة المجتمع السوداني مازالت فكرة اللجؤ للغيب في فكر الحركة الاسلامية هو سيد الموقف و كذلك نجد سيطرة الشيوعين و هم في غياهب الأيدولوجيات المتحجرة وعلى المشهد أيضا وفي الجانب الآخر نجد الطائفية و أحزابها وهي مساهمة في هشاشة هيكل التركيبات الاجتماعية مع القبلية والجهوية لكي تقف سد منيع أمام أعتاب الدولة الحديثة و بعد هذا كله نجد من يقول أن هناك امكانية اصلاح الأحزاب الطائفية و هنا تبدو المكابرة واخفاء روح الخنوع لسلطة الاب و ميراث التسلط و منها لا تخرج قوة النقد بل عقل الوعظ و الارشاد وسبب سيطرة عقل الوعظ والارشاد هو غياب قوة النقد كنتاج لعقل الأنوار.
و هناك مثلا في فرنسا لم يجامل سارتر رغم عبقريته فقد تصد له كلود ليفي اشتراوس و البير كامي و ريموند آرون و جان دورمسون ولم يترك ميشيل فوكو و ألتوسر وجاك دريدا وجاك لاكان فقد هاجمهم لوك فيري و مارسيل غوشيه و النتيجة انتصار لعقل الانوار وقيم الجمهورية وفكرة العقد الاجتماعي و الانتظار للانسانية الثانية و لحظة الميلاد الثانية للفرد المسلح بالعقل والحرية و هنا عندنا في مجتمعنا التقليدي الاحتفاء بستين عام من الكتابة لكاتب يفخر بانه لم يفارق الحزب الشيوعي نتيجة لعطب في الفكرة ولم ينتقده أحد فكانه أعلى مقام من سارتر وطبعا لم يكن أعلى من سارتر و لكن قد غطى عليه غياب قوة النقد و غياب العقلانية و مجد العقل البشري في ظل الشلليات التي تجيد المجاملات والاخوانيات في ساحة الفكر التي تسيطر عليها روح الايدولوجيات سواء كانت فكر الاسلاميين السودانيين في لجؤهم للغيب أو فكر الشيوعيين السودانيين في لجؤهم للايدولوجيات المتحجرة و النتيجة سيطرة التقدمي الهزيل على ساحة الفكر و يكون المثقف العضوي هو المنتسب للحركة الاسلامية السودانية وهنا يستطيع الطاهر لبيب أن يقول من نكد الدنيا على غرامشي أن يكون المثقف العضوي هو الكوز والشيوعي في زمن غياب انتاج المعنى.
بالمناسبة الطاهر لبيب كعالم اجتماع جدير بالاحترام يراقب الحراك في تونس ويتحسر على أن الثورة في تونس قد سرقت من قبل عبدة الماضي وعبدة النصوص وهاهي سبع أعوام تمر على ذكرى الربيع العربي و تونس في وحل الازمة الاقتصادية. و الطاهر لبيب يعد من ضمن مفكريين عرب قليلين قد عبرت أفكارهم و سيكون لأفكارهم دور في انتاج المعنى مثله هشام شرابي في نقده الحضاري للمجتمع العربي وقبلهم علي الوردي بعقود قد نادى بريادة الفكرة و مفارقة خلق العبارة و انتقد العقل العربي و الاسلامي في ارتكازه على المنهج ارسطوافلاطوني وما اوضحه في ساحتنا السودانية واذا اردنا مثال عليه نجده في كتابات الامام الصادق المهدي أي طريقة الصادق المهدي تنطوي على فكر ارسطوافلاطوني فكر رجال الدين انتقده علي الوردي قبل عقود وعلي الوردي نجد في نقده للفكر ارسطوافلاطوني يقف محازيا لمارتن هيدجر في محاولاته تبيان الخطاء في الفلسفة منذ أيام افلاطون أما تلميذته أو قل عشيقته حنا أرنت فقد أهتمت باعادة اكتشاف الخطاء في الفكر السياسي منذ ايام افلاطون.
على أي حال الآن عالمنا عالم مجتمع المعرفة التي تؤثر على الاجتماع و السياسة كما يقول مارسيل غوشيه و المعرفة هي ما يساعد المجتمعات على اعادة بناءها من جديد وديمقراطية المستقبل تنتظر فيما وراء اليأس وغياب التفاؤل وهذه حالة السودان اليوم وهو يتأهب الى اسقاط منظومة القيمة البالية للحركة الاسلامية السودانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.