ايمن كبوش عندما ينتصر الهلال.. نغدو في اجمل حال.. يا للجمال.. ! # وهو كذلك وان سرقتنا سكينة الحال الواقف.. بعيداً عن اهتماماتنا الحياتية التي تشغل بال اغلب السودانيين.. ليل.. نهار.. (الخبز الحافي) و(البنزين.. والجازولين).. ومصاريف المدارس وغلاء الاسعار ورحيل القوافي.. لابد ان نكتب اليوم عن الهلال.. لان هذا الشعب الجميل يطرد الهم بالفرح لكي يقنع نفسه بان الحياة يجب ان تستمر.. ببؤسها وكآبتها وطيور الاحباط التي تظلل سماءها.. لم نقم (ماتش اعتزال) للحياة بعد.. لان الهلال الذي انتصر على الشباب التنزاني بهدف الغربال محمد عبد الرحمن اكد بان الرياضة هي الاقدر على ترتيب المشهد السوداني المرتبك.. الرياضيون هم الاجمل والاشمل والافضل في صناعة الفرح المفقود ولكن.. !! # انتصر الهلال في ليلة بهية من ليال ام درمان الجميلة.. لذلك نكتب عن ليلة تمام الهلال (غصبا للظروف والحال الحرن).. كثيرون منا يعدون ذلك (ترفاً) لا يليق الا بأمة (منغنغة) ترفل في النعيم.. لا امة (تعسكر) في الصفوف والطوابير الطويلة و(الفرح العدم).. هذه بلد مطحونة.. مسحوقة.. تضج بالاحزان وتحترف الغناء مع الراحلين.. من مصطفى.. الى محمد الحسن سالم حميد: (يالعبد الشقي ما اتعود شكي.. لكن الكفاف فوقك منتكي.. والسوق فيك يسوق.. حالاً ما بتسر.. الا كمان في ناس.. فايتاك بالصبر.. ساكنين بالايجار… لا طين لا تمر.. واحدين بالايجار ما لاقين جحر.. سلعتهم الضراع والعرق اليخر).. من اجل هؤلاء.. (السلعتهم الضراع.. والعرق اليخر) استطاع الهلال ان يوجد مساحة كبيرة يطرد بها التكشيرة ويوسع بها مسامات الفرح.. نغالب الوجع و(ننده) لتلك الفئة التي مازالت ترى في هلال الامة (بندولاً) يعالج (صداع الاسواق).. يبحثون معنا عن مساحة (يتكئ عليها صبرهم) ليجدوا فيها فرحاً من تحت الرؤوس والاقدام والشباك التي تهتز اهدافاً.. زرعوا المدرجات ب(بقايا يومهم) وكتبوا على صفحة (اليقين بالهلال) اهازيج النصر مع نضال حسن الحاج: (يا سيد البلد دخري السنين الشينة… توجناك امير تملأ الفرق لي عينا.. يا عشم الوطن ساعة جفاف العينة دا الأهلي البطل الما شربوا قالوا روينا.. جبناه بالحلال ما بالكجور واللفة.. عاجبنا الهلال ملك النشاط والخفة). # بالامس استطعنا مطالعة تلك الوجوه المليحة التي مازالت تمتلك بقايا عشم في الكرة السودانية وفي قدرتها على هزيمة الواقع باهداف خرافية.. التحية لهذه الفئة النادرة التي تترك مشاغلها الكبيرة والصغيرة لتعلن تواجدها في استاد يشكل لها (المسكن المنطقي) الذي ينسيها (جراح الوطن) و(الجنيه السوداني الذي لم يعد اهيفاً).. ثم يزول مباشرة بعد 90 دقيقة من التوتر والتوجس والانتظار.. بعد هذه التسعين.. او اثناء هذه الدقائق العصيبة.. قد تفقد نفسك ب(السكتة القلبية) لان هناك حكماً يحمل صافرة صماء اعلن عن ركلة جزاء من خياله.. او قد تفقد قوت يومك في شراء تذكرة وتسالي و(موية باردة) وفنجاح قهوة.. امام كل هذه الفواتير العاجلة يظل (مزاجك) رهيناً معتقلاً ما بين فرحاً يملأ الاهداب ويفيض.. او حزناً كبيراً يستوجب اللعنات ويبدد عافية الخلايا.. ولكن الهلال يفعل كل ذلك ثم يقودك الى مدارج عظيمة من الفرح والسرور والحبور الرقص المنتظم على نغمات: (انا ليهم بقول تمام دخلوها وصقيرا حام). # مازلت عند قولي القديم.. انه في زماننا هذا.. افتقد معظم الشعب السوداني متعة الاحساس بالفرح الحقيقي.. لم يعد هناك مهرجاناً او مناسبة تقودنا الى محطات التحلل من اعراض التكلس والضجر والتكشيرة.. ويقيني ان هذا (القنع) الذي يشبه مرحلة (اعتزال الحياة) هو الذي يزاوج حاليا او قولوا يوجد آصرة بين من يملك ومن لا يملك.. الاغنياء ابعدتهم (تخمتهم) عن (بهارج الدنيا) حيث سلبتهم (امراض العصر) عافيتهم فصاروا اصدقاء للقاتل الصامت (الضغط) والقاتل البارد (السكري).. بينما اكتفى الفقراء باجترار الحكايات تحت اعمدة النور او عند أي ناصية في الشارع الفلاني.. لم يعد هناك ابهار يمكن رصده او الامساك به بين (حركة شفاه) او (هزة اكتاف).. لم يعد هناك صفاء مثلما كان في السابق: (نكتة والضحك انفجار).. وقتها كانت (الونسة) على شاكلة: بعيد يا اخوانا بتذكر.. حلاوة الذكرى لما تهف.. وفي اعماقنا تتحكر.. اصلو عمرنا جدول شوق.. وحبة ذكرى ما اكثر.. ذهبت كل الاشياء الجميلة من هذا البلد وامامنا (كم تجسدت عبرات).. ولكن مازال (الهلال) هو حبيب الملايين من الفقراء في ارض خط الاستواء و(الشطة القبانيت)… يأتون اليه من المصانع والمزارع وهجير الشمس والمجاري واقبية النسيان ليهتفوا: هلال.. هلال.. هلال.. بتصفيق منتظم وكأنهم ملكوا الدنيا وما فيها.. و… البلد الليلة هلالابي.. مبروك يا هلال.