سوالب الدول أو الشعوب أو المجتمع داخل الدولة تبدأ بإشارات لأمر سالب، تتحول الى ظاهرة، وتتحول الظاهرة الى مشكلة، والمشكلة تتفاقم لتصبح كارثة، تعم كل الارجاء، بتقديري، ان قضية توظيف الخريجين في بلادنا وصلت مرحلة الكارثة، تماما. تاسونامي يقلب«عالى الاشياء واطيها»، ضغط مرتفع يشل حركة الحياة داخل الاسر السودانية، بارنويا يصيب الخريجين الاسر بجنون العطالة. وكل المعالجات، التي تتم، حتى اللحظة، من قبل الحكومة، لترويض جموح هذه الكارثة، ليس اكثر من كلام جميل وتنفيذ بائس، يسهم في تعقيد المشكلة، لا وضع الاساس لحلها، ناهيك عن حلها. وقد جاء في الانباء، ان قضية الخريجين سيطرت على اعمال اجتماع وحدة التخطيط الاستراتيجى برئاسة وزيرة الرعاية الاجتماعية وشؤون المرأة والطفل، وفي تقديري ان التعبير ليس دقيقا، التعبير الدقيق هنا ان « الكارثة» سيطرت على اعمال الاجتماع. و«الكارثة» برؤوسها السبعة، انتشارها اسرع مما يتصور من يظنون انهم بمعالجات فطيرة سيئة التنفيذ، كمن يفتل ويفل في ان واحد، سيلجمون جموحها. ربما الاشادة التي نالته مشروع تشغيل الخريجين من الاجتماع اياه في محلها، ولكن في كل الاحوال، وحتى لو ان المشروع نفذ بنسبة مائة في المائة، فانه فشل في حجم الكارثة. لانه ظل شيئا اشبه بوضع رطل السكر في برميل ماء، على حد تشبيهات الصادق المهدي لبعض الاشياء: لا انت قد احتفظت بالماء وخصائصه ،ولا استطعت ان تغير طعم الماء الى حلو، او تحدث تغييرا في خصائصه. النتيجة صفر كبير يملا العين ويفيض، ولكنه بالشمال، لايضيف رقما، وقد يخصم ارقام. المشروعات نطاقها محدود جغرافيا ونوعيا، وميزانيته ضيقة للغاية، وبالتالي لا يتوقع ان يحدث تنفيذه اثرا في وجه الكارثة المتمددة، فقد كشفت ورقة علمية قدمت امام الاجتماع تناولت مستقبل سوق العمل لخريجى الجامعات والمعاهد العليا، وجود ازدياد في معدلات الخريجين، وتوقعت بان يصل عددهم بحلول العام 2016م الى اكثر من «43 »الف خريج يبحثون عن العمل، اي الف خريج عاطل، هذا الرقم الرسمي مخيف، والارقام الرسمية في حالة رصد السوالب دائما تميل الى « التصغير»، فما بال الرقم غير الرسمي، لا شك انه مذهل ومخيف، يعزز من فكرة شمول الكارثة، وامساكها بتلابيب البلاد. الكارثة نتجت عن اخطاء كثيرة،اهمها اثنان: الاول يتمثل في العشوائية في العملية التعليمية في كل مستوياتها من الاساس الى الجامعة، وقد وفرت العشوائية «كم» من الخريجين بالآلاف المؤلفة بلا« كيف». يدخلون بالآلاف لمعينات التوظيف المحددة الشروط، ولا ينجح من هؤلاء الكم الا من رحم ربي وبشق الانفس، والامثلة لا تحتاج الى عناء لرصدها، فنشأت معادلة غريبة تتمثل في صاحب عمل يبحث عن خريج مؤهل، ورخريج غير مؤهل يبحث عن العمل. ترى من جنى على من سوى الحكومة سوء تخطيطها،الذي انحاز للكم وضرب «الكف» بعرض الحائط، والثاني يتمثل في ان سياسة التحرير اهتمت بالتجارة «وفي التجارة» اهتمت بالاستيراد، وتركت الانتاج وباقي حلقات التحرير وشروطها التي تحفظ توازنها جانبا، والنتيجة ان اغلق المصنع والورشة والحرف الصغيرة وهجرت الزراعة صار الجميع يتاجر في البضائع المستوردة، والخريج من بين هؤلاء التجار، خاصة في جانبهم العشوائي ، سلوا ناس الكشة في الاسواق كم عدد الخريجين الذين يتم «كشهم» في كل حملة في رأس كل ساعة؟ الكارثة لن تنتهي بالمعالجات المسكنة هذه، وستطال الكارثة كل الطاولات في المستقبل القريب، وستتحول انفجاراً عاماً. الا اذا.