ضمن حزمة النكات الماسخة التي اضحى بعض الخليجيين يتداولونها بتحامل لوسم السودانيين بالكسل نكتة تقول: ان احد السودانيين ذهب للانضمام الى جماعة ارهابية، ولكته اشترط ابتداء ان يكون مع الخلايا النائمة . وان دفعت هذه النكتة البعض للابتسام تأسيسا على الصورة الذهنية الشعبية للخلايا النائمة، والمتمثلة في انها تغط في ثبات عميق وتتخلله فيما يبدو احلام سياسية سعيدة لقلب نظام الحكم، فان ذات النكتة ربما دفعت آخرين لتساؤلات جادة عن ماهية الخلايا النائمة، والفرق بينها والطابور الخامس والجواسيس، ومدى توافر شاكلة تلك الخلايا في البلاد، بعد ان برز الى السطح بقوة اخيرا مصطلح الخلايا النائمة ألسنة السياسيين و المحلليين الذين حذروا منها في اعقاب الهجوم الذي قام به خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة على مدينة ام درمان في وضح النهار. وحسب تنوير وزير الدفاع لاعضاء الهيئة التشريعية القومية في جلستهم العاصفة تلك قال الفريق اول عبدالرحيم محمد حسين قبل ان يطالب بالاستقالة: ان خليل أفصح لجنوده عن نيته باحتلال الخرطوم على بعد «471» كيلو متراً فقط من دخول ام درمان، وان بعضهم نصحه بأن لا يفعل ذلك ربما لصعوبة تحقيق الهدف، لكنه طمأنهم بأن الامر ممكن وزاد: «ما يهمكم انا عندي شغل جاهز في الخرطوم وعندي ناس اكثر منكم داخل الخرطوم». وبغض النظر عن عدد اولئك الموجودين داخل الخرطوم ممن اشار اليهم خليل، وما اذا كانوا بالفعل أكثر من القادمين معه، فقد انطبق عليهم -حسب رأي محللين- تحدثت اليهم مسمى الخلايا النائمة. فعمدت الاجهزة الامنية لتعقبهم، فيما عمدت جهات اخرى للتحذير من خطورتهم خشية انفاذهم لمخططات آثمة قد تكون فوق طاقة الخرطوم للاحتمال. ورغم ان ما ذهب اليه خليل من وجود خلايا له داخل الخرطوم تفوق في عددها القادمين معه، يحتمل ان يكون من الناحية النظرية على الاقل محض كلام للايحاء بوزن اضافي لقوته بغرض رفع معنويات جنوده. لكن خبراء عسكريين رجحوا ما ذهب اليه خليل، لافتين الى ان قوة كالتي جاء بها والموجود غالبها بين محطم وسليم في معرض للفرجة بميدان الخليفة بام درمان ان قوة مثلها غير كافية لحمل خليل على التجاسر والمغامرة بقيادة المعركة بنفسه من غير ان تكون هناك خلايا تنتظر الاوامر للتحرك في الوقت المناسب. وفي حال عدم تحركها فانه ليس بامكانها ان تحقق افضل مما كان بالنسبة لها قطعاً- من احراز هدف مباغت في شباك ام درمان قبل ان تتلقى شباكها فيما بعد الكثير من الاهداف السياسية والعسكرية والاعلامية. ومضى مراقبون بعد وقوفهم على نوعية الاسلحة المتطورة التي ضبطت بحوزة قوات المرتزقة، للتشكيك في ان بامكان اولئك القادمين من شاد استخدامها ورجحوا ان القوات جاءت على مستوى الكم اما الكيف الذي بامكانه حسم الامور واستخدام تلك الاسلحة المتطورة فانه يختبيء في مكان، أو على الارجح اماكن ما في الخرطوم. ويبدو ان احداث ام درمان الاخيرة لم تقتسم فقط مع حركة6791م التي قادها العميد محمد نور سعد، لم تقتسم التوصيف بأن كلتيهما مرتزقة وحسب بل هناك تشابه آخر رغم بعض الاختلافات الجوهرية بينهما تتجلى في ان هناك خلايا نائمة أو طابوراً خامساً في كلتا الحادثتين. وان لم يعرف بعد الدور المنوط بالخلايا النائمة في الاحداث الاخيرة على وجه الدقة، فقد قامت في احداث 6791م بدور المرشدين وكان هناك اتفاق مسبق ان تلتقي القوة الغازية بمرشدين من الخلايا النائمة في مناطق محددة، ثم يقودونهم بعد ذلك من واقع معرفتهم التي يفترض ان تكون كبيرة الى ايسر الطرق واقصرها للوصول الى اهدافهم في الاذاعة والتلفزيون والقصر والقيادة العامة وغيرها من الاماكن التي تكون هدفاً لكل الانقلابيين وبعض المخربين. وفي السياق قال عبداللطيف الجميعابي احد اشهر الخلايا النائمة وقتها ل«الرأي العام» رغم النجاح النسبي لحركة يوليو 6791م الوطنية - على حد وصفه- الا ان تمكن سلطات امن مايو من القاء القبض على الكثير منها قبل يوم أو يومين من ساعة الصفر- رغم الاحترازات الامنية للخلايا- اصاب الحركة بشيء اشبه بالشلل، لان تحرك تلك الخلايا كان مربوطاً بالقوة المسلحة ويعملون اهم اعمالهم بالتزامن مع مجيئها. وقطع الجميعابي من واقع خبرته في هذا المجال بعد ان حكم عليه في 6791م بالسجن المؤبد وفي عهد الانقاذ بالاعدام اثر اتهامه مع آخرين بتدبير انقلاب عسكري في العام 1991م قطع بوجود خلايا نائمة لحركة العدل والمساواة داخل الخرطوم، لافتاً الى ان اية حركة تهدف للاطاحة بالسلطة لابد وان تكون لها خلايا نائمة تقدم لها ما يلزمها من مساندة داخلية. واتصلت بعدها بمدير جهاز الامن والمخابرات الوطني «اليقظ» في عهد مايو الفريق الفاتح الجيلي المصباح الذي تحدث عن أن الخلايا النائمة يتم تدريبها في الغالب اما تدريباً عسكرياً أو سياسياً أو تدريباً لجمع المعلومات. ومع ارتباط الخلايا النائمة بالعمليات التخريبية والحركات الانقلابية، يذهب المصباح الى ان بعضها قد تظهر احياناً في مظاهرة طلابية وتكون في الغالب هذه الخلايا النائمة منخرطة في اعمالها الحياتية بصورة لا تدعو الى الريبة، وفي لحظة ما يتم ايقاظها لاداء مهام لمصلحة جهة ما تربطها معها روابط مادية أو اثنية أو جهوية أو فكرية وربما عاطفية، وما الى ذلك من الروابط الكثيرة التي تستمال بها الخلايا النائمة. والخلايا النائمة هي تكوين استخباري في الاساس ولا يختبر الا في حدود عمل عسكري أو عمل معادٍ يستوجب ظهورهم النادر، وهذا مما يجعل مهمة كشفهم عسيرة نوعاً ما، وحتى اذا تم القبض عليها «وهي نائمة» فقد لا تدان على نواياها طالما أنها لم تتحرك لفعل شيء بعد. وبرأي نائب رئيس هيئة الاركان السابق الفريق محمد بشير سليمان فان الخلايا تحافظ على مسماها طالما التزمت جانب السكون والاختباء، وعندما تتحرك يتم تنشيطها في اجواء معينة فانها تكون اقرب الى الطابور الخامس منه الى الخلايا. وقال سليمان ان امكانية كشف الخلايا النائمة يتوقف على مدى سرية عملها وطبيعة تشكيلاتها ففي احيان كثيرة يكون التنظيم بالغ الدقة في شكل مجموعات لها مهام محددة ولا تدري عن بعضها شيئاً وهو الاخطر على الاجهزة الامنية لانه في هذه الحالة لن تتمكن من كشف سوى مجموعة واحدة أو اثنتين على الاكثر وتبقى بقية الخلايا الاخرى نائمة حتى يتم ايقاظها مع عملية جديدة وربما تنام الى الابد ولا يتم كشفها مطلقاً. ويضع البعض فوارق واضحة بين الطابور الخامس والجواسيس والخلايا النائمة التي شاع استخدامها في توصيف نشاط القاعدة، وارتبط ذكرها على المستوى الدولي بالانشطة المتعلقة بها. وفي السياق يقول اللواء حسب الله عمر نائب مدير جهاز الامن والمخابرات الوطني السابق ان مصطلح الخلايا النائمة ليس من الدقة ان يطلق على الذين كان يفترض ان يساندوا في احداث ام درمان الاخيرة من الداخل، وبرأيه فان الخلايا النائمة تعني التزاماً فكرياً وعقدياً وتنظيمياً وتحمل عقيدة تؤمن بالعمل العسكري وتنتظر فقط الهدف والتوقيت وهذا ما ينطبق على القاعدة. اما المجموعات المقاتلة من لدن حركة العدل والمساواة وان وجدت لها جماعة متعطافة معها بالداخل فان ذلك التعاطف لا يرقى للالتزام التنظيمي. ومهما يكن من أمر، فان هزيمة القوات التي تساندها الخلايا النائمة من الداخل، يجعل الاخيرة أبعد ما تكون عن المشاركة في عمل عسكري آخر، حيث تحتاج الى وقت طويل لتأهيلها مجدداً «نفسياً وعسكرياً»، كما تدفعهم الى مغادرة الخرطوم على وجه السرعة خشية ان يرشد عليهم من قبل زملائهم المقبوضين لدى الاجهزة الامنية، ولما كان في الحالتين احتمال اقدامهم على عمليات تخريبية يائسة غير مستبعد، فان ذلك يقتضي «يقظة» الاجهزة المختلفة وان «نامت» الخلايا.