عجيب هو ما يحدث من أمر التدريب في بلادي.. حيث لبضع سنوات خلت لم يكن من مركز متخصص في التدريب الهندسي إلاّ واحد أو اثنان وللتدريب الاداري مثلهما أو تزيد قليلاً، وكانت فكرة انشاء تلك المراكز قائمة على ضعف اداء المهندسين والخريجين الجدد، فكانوا هم محور دراسات الجدوى والدليل على ذلك ان احد اكبر تلك المراكز هو شراكة بين شركة مقاولات كبرى شبه حكومية ومؤسسة جامعية حكومية مشهورة وجهات اخرى.. التخطيط سليم.. لاحقاً تكاثر عدد هذه المراكز التدريبية حتى نافس عددها مراكز الاتصالات وبالطبع فان معظمها قامت علي فلسفة ربحية وتأتي الاهداف الاخرى لاحقاً.. كل ذلك ليس مهماً وليس عيباً ان يربح الانسان.. ولكن المصيبة ان هذه المراكز.. القديم منها والجديد.. صارت تستهدف اصحاب المال ببرامجها وبعض تلك البرامج يكون سياحة خارجية في ماليزيا أو مصر أو غيرها من الدول أكثر منها برنامجاً تدريبياً متخصصاً، وضاع الخريجون وصغار المهندسون في زحمة المنافسة. إن العدد الذي يتم تعيينه في شراكات محترمة تهتم بأمر تدريب منسوبيها هو عدد قليل مقارنة مع عدد الخريجين.. ومن المعلوم ان كل اسرة تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يتخرج فيه ابنها أو ابنتها لترتاح الاسرة قليلاً من مصروفاته ثم.. ثم ليساعدها ذلك الخريج في أمر هذه الحياة الدنيا فيجتهد المسكين في ايجاد وظيفة.. وان وجدها يضيع عائدها في مصروفاته الشخصية وما تبقى.. ان تبقى.. يسهم به في اعالة اسرته ولا يفكر البتة في ان يصرف مليماً واحداً على تدريب أو غيره.. وإن فكر فلن يكفي مرتبه كله لتغطية مصروفات دورة تدريب واحدة لمدة سبعة ايام. ما اود ان اقوله ان كل البرامج التدريبية المطروحة حالياً موجهة لمهندسين ذوى خبرة ومقدرة مالية عالية ولا تسهم ولو بالقليل في أمر تدريب الخريجين وصغار المهندسين.. والحال كذلك.. سيمر علينا زمان.. قريب ان شاء الله.. يكون المهندس فيه على دين العمال.. المهرة منهم وغير المهرة.. فيكون قد تعلم أمر التوصيلات الصحية من تنفيذ السباك لها والكهربائية من عامل الكهرباء والاعمال الخرسانية من المقاولين التقليديين في الموقع.. وبالخسارة السنوات الخمس.. ثم من بعد ذلك تقام الندوات والمحاضرات والسمنارات ويكتب الكتاب عن ظاهرة زيادة عدد المهندسين الاجانب في السودان على حساب المهندس الوطني.. ولن يجدى حينها الحديث عن الوطنية والسعودة والسودنة، فان السوق الحر مبني على المنافسة.. أي انك تطلب السلعة الجيدة بالسعر المناسب.. والحق اقول.. الجرس اقرع.. وأصيح حتى يبح صوتي.. ان اخواننا المصريين جودتهم عالية، ومنهدسهم مدربون جيداً.. وسعرهم منافس و.. ولسانهم حلو.. والحدود مفتوحة.. وإني أرى شجراً يمشي؟!!..