قبل أنْ ينضم الميل أربعين إلى الحقائق الراسخة في الذاكرة السودانيّة الملساء، كانت معلومات السودانيين عن الأربعين إنّها عُمر النبّوة، وانّها طورٌ في العُمر البشري أقرب لنقطة جمركيّة لقراءة تاريخ الصلاحيّة، ففي هذا السن تبدأ العين التي لا تسترها نظّارة طبيّة في إعطاء صاحبها معلومات مغلوطة، ثُمّ انّ الاربعين هي العمر الانحداري الذي يبدأ فيه هرمون الانوثة مرحلة (ضنين الوعد)... والأفدح والأفضح أنّ الجهاز الهضمي يبدأ في هذا العمر نكران الجميل الذي قدّمه له صاحبه طوال عمره البيولوجي فيتكاسل عن واجباته الوظيفية حتى يحيل التجويف الهضمي إلى مستودع للغاز الطبيعي! خلاف ذلك يعلم السودانيون عن الأربعين انّها العمر الذي يحق له فيه أنْ يكون رئيساً للجمهورية لكنّه يتفاجأ بتصريح لنائب الرئيس سَابقَ به المؤتمر القومي العام للمؤتمر الوطني بأنّ مرشّح المؤتمر الوطني القادم لرئاسة الجمهوريّة سيكون عمره (سبعون) عاماً! يعرف السودانيون عن الأربعين انّها درب برّي شاق للوصول إلى مصر حتى يأذن الله بافتتاح طريق ارقين/ قسطل، وأنّ الأربعين شارع يشق امدرمان مثلما يشق اختصاصي النساء والولادة بطن امرأة في ولادة قيصريّة لتحرير الجنين... وفي كل قضايا الفساد يعتقد السودانيون دائماً انّ كل فساد وراءه علي بابا و(أربعون) حرامي ... ويعلم السودانيون العارفون بأمور دينهم أنّ العمل ب(الأربعين النوويّة) هي تأشيرتهم إلى جَنّة عرضها السموات والأرض خلقها لهم المولى الذي يخلق من الشَبه أربعين! احتفلت مؤسسة الدفاع الشعبي قبل أيّام بالذكرى السادسة عشرة لملحمة الميل أربعين ، الملحمة التي حفظت السودان بعيدا عن قبضة التمرّد حتى تمنحه لهم بالاستفتاء! الميل أربعين اليوم تابعة لدولة جارة وهي أرض رُويتْ بدماء شباب سوداني ليكون السودان متّحداً أو موحّداً أو على الأقل اتحاديّاًً... ومع ذلك فإنّ مصفوفات التعاون التي يتفاوض من أجلها السودان لم تظهر من ضمنها مصفوفة احترام دماء وعظام وقبور الميل أربعين! الميل اربعين بسيرتها الذاتية وبرواياتها الملحميّة لن تسقط عن الذاكرة السودانيّة... انتهى درس الميل أربعين، ولم يبدأ بَعدْ درس (14) ميل!!