تجددت مرة أخرى الأنباء عن موت عبد العزيز الحلو، مختلفة هذه المرة بتحديد مكان وزمان توقيت وفاته أو تحرياً للدقة اشاعة موت الحلو، فلم تكن المرة الاولى التى يتم طرحها وتسرى كالنار فى الهشيم، ونقلت تقارير إعلامية أنباءً عن مقتل الحلو نائب رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال عقب إصابته فى مقتل بمستشفى واو أمس الأول، سبقتها إشاعة تقول أنه قتل بعد فراره من الاتجاه الجنوبي للمنطقة بواسطة قذيفة في معارك دارت بين الجيش و(قطاع الشمال) شمال شرقي مدينة كادوقلي وأن صاروخا سقط على عربته، فأودى بحياته وثمانية من حرسه الشخصي ومعاونيه.. الحركة الشعبية سارعت بادئ الأمر الى نفى الإشاعة الأولى إزاء الأمر، فيما اقتصر تأكيد الحكومة على إصابة الحلو لا مقتله ما أثار حيرة المراقبين ورجح بعضهم أن تكون الاشاعة من جهات أمنية، فيما يذهب آخرون الى أن الأمر أكبر من التخطيط الأمنى وصياغة اشاعة شرك، وأن مقتل الرجل حقيقى وينتظر فقط لحظة الاستفادة من التأكيد فى سيناريو يشابه مقتل قائد العدل والمساواة خليل ابراهيم. ونقلت قبل فترة أيضاً تقارير إعلامية مرض الرجل ومغادرته السودان لتلقي العلاج من (التهاب الكبد الوبائي) وفى رواية أخرى (السرطان)، وأخرى نقلت إصابته في إحدى المعارك بجروح تفاعلت مع مرضه ب(السكري). وغض النظر عن مصداقية أنباء مقتل الحلو أو استهدافه بالشائعات، إلا أن الثابت طبقاً لمفردات التاريخ أن الرجل أمضى ثلاثين عاماً من الحراك وأصبح قائدا في الحركة الشعبية قبل أن يصبح طريداً للجبال بعد أحداث انتخابات جنوب كردفان الأخيرة... خلف الحلو قائد قطاعها في جبال النوبة يوسف كوة، عندما كان السودان موحداً، قبل أن ينتقل للرفيق الأعلى أو الأمجاد السماوية، بسيناريو المرض الخبيث.. وهو ذات السيناريو الذي ربما عاشه عبد العزيز آدم الحلو ? إن صدقت الروايات ? قبل أن تروج الإشاعة الأخيرة بفقده نهائياً من على ظهر البسيطة، لتجعل سؤالاً مركزياً يفرض نفسه حول حالة الحركة الشعبية بعد الحلو.. طبقاً لبعض المراقبين فان بداية إجابة السؤال ، تتمثل في معرفة حالة الحركة في ظل قيادة الحلو، فالبعض لا يربط بين قضايا الحركة وحمل السلاح في مواجهة الحكومة بالحسابات الشخصية. ويرى المحلل السياسي أبو القاسم حسين المقرب من دوائر قطاع الشمال أن الحركة في عهد الحلو خسرت كثيراً مقارنة مع من سبقوه في قيادة المنطقة أو القطاع، وقال ل(الرأى العام) إن هناك قناعة بأن الحلو يفضل أن تكون القيادة لأبناء قبائل الجبال الشرقية، ما خلق تهميشاً لأبناء الجبال الغربية، لذا تجد أن دورهم في الحرب ليس كبيراً رغم رفضهم للحكومة وخروجهم كقبائل. ويستشهد حسين على حديثه بوجود عدد كبير من أبناء المسيرية بقيادة (أبو السرة) رفضوا الانخراط في الصفوف تحت قيادة الحلو، بالإضافة لوجود العديد من أبناء النوبة الرافضين منذ وقت مبكر لقيادة الحلو مفضلين جلاب باعتباره قائداً ميدانياً. حديث الرجل يوحي أن ثمة (كروكي) معد لانقسام داخلي في الحركة أو الجيش الشعبي هناك، يحتاج لمهندس تنفيذ، وهو الأمر الذي يقلل منه آخرون من أبناء النوبة في الخرطوم بأن الأمر ليس جديداً، وأن الوعي بقضايا النوبة خاصة والسودان عامة هو صمام الأمان من تأثير تلك الخطابات والممارسات على الإيمان بالقضايا، ويزعم بعض قادة الجيش الشعبي بجبال النوبة أن الجيش الشعبي رغم خطر فقدان الحلو إلا أنه يستطيع أن يقاتل لفترة أخرى لطبيعة الأرض التي وفرت المواقع الإستراتيجية الحصينة له. وفي الوقت الذي يرى فيه أبو القاسم أن وفاة كوة لم تتبعها هزات كبيرة تؤثر على استتباب الأمور في يد الحلو بفضل الارتباط التنظيمي بالحركة شمالاً وجنوباً، كما أن وجود د. قرنق له تأثيره المباشر في توحيد جبهة الحركة الداخلية وحشد التأييد اللازم للحلو، إلا أنه يتوقع بروز تناقضات كبيرة إذا تكرر سيناريو يوسف كوة بسبب وجود الكثيرين خارج مظلة تأييد قرارات الحلو بالإضافة لغياب المركزية التنظيمية التي تسمح بحسم تلك التناقضات رغم توافر المؤسسات والهيكل التنظيمي. وأضاف (أخطر ما في الأمر هو غياب الرموز الأساسية والصف الأول لأبناء النوبة، فدانيال كودي متواجد في الخرطوم بحزب آخر، وخميس جلاب خارج السودان، بالاضافة لعودة تلفون المتأخرة وعدم وضوح موقعه التنظيمى، ما يجعل الأمر ضبابياً إلى حد كبير ما لم يتم حسمه منذ الآن حال صدقت الإشاعة). فيما أكد مصدر مطلع ل(الرأي العام) أن قيادات أبناء النوبة سواء الحلو أو كودي أو جلاب أوكوكو، كلها متفقة على أنها حملت السلاح من أجل قضايا معينة تتمثل في التنمية والاقتسام العادل للسلطة والثروة باعتبارها ثوابت لا اختلاف عليها أو حولها، وقال (ذهاب الحلو وقدوم أي من هؤلاء القادة، لن يغير في الخط) وأضاف (الخيارات لما بعد الحلو ضعيفة وسيكون عليها مراجعة تقديرات الموقف، ومدى إمكانية حسم القضايا، لينحازا للسلام، أو العكس). تتعدد الأسماء والقضية واحدة، هكذا يبدو المشهد بين أبناء جبال النوبة في الحركة الشعبية، رغم تفضيلهم النظر للأمر بعيداً عن حسابات العرق والجهة لصالح المشروع السياسي وقضاياه التي يطالب بمعالجتها، ملخصين الاختلاف أن وجد بين قياداتهم في أن الحلو ابن المنطقة بالميلاد وليس الأصل، في حين أن البقية هم أبناء المنطقة أصلاً وميلاداً، رافضين محاولات التركيز على الجانب الاثني في قيادة مشروعهم. ويرى مراقبون أن جبال النوبة كجزء من أزمة جنوب كردفان مصنوعة لشد أطراف السودان الشمالي وفق مخططات جوبا في صراعها مع الخرطوم. في المقابل اعتبر أبو القاسم حسين محاولة ربط الحرب بوجود الحلو خصوصاً بعد حدوث أحداث أم روابة. لكن هناك من يرى، إن غياب الحلو عن مسرح الأحداث سيحدث فراغاً عريضاً، وقد يصعب الإتفاق على قيادة أخرى دون حدوث إنشقاق بين مكونات الحركة الشعبية قطاع الشمال، ويمكن أن يشجع على الإنحياز للوصول لسلام، وإقتفاء ذات أثره الحربي. وربما كان من السابق لأوانه الحكم بمآلات غياب الحلو على الحركة والمشهد السياسي برمته، إلا أن المؤكد أنه سيحدث أثراً معنوياً سيئاً لدى مناصريه.