في مسيرة الصحافة السودانية وقعت أحداث عنيفة ضد الصحافيين وإن لم تكن بالكثرة التي عهدناها في دول أخرى، إلا أن بعضها كان مأساوياً، وأبرزها اغتيال محمد طه محمد أحمد الصحافي البارز منذ أعوام وفي العهد الحالي الذي كان من رموزه الإسلاميين، وأيضاً ما يتردد بأن محمد مكي المعروف باسم «مكي الناس» وهي الصحيفة التي كان يصدرها، تمت تصفيته في «كيمائي» بعد أن ساعدت منظمة «فتح» وسوريا في اصطياده من لبنان وتسليمه لنظام نميري، ولكن البعض ينكر ذلك ويقال إنه توفي عطشاً وهو مصاب بالسكري عندما كان مقيداً في إحدى الحراسات بمعسكر الشجرة، ولم يسعفه أحد بالماء لأن المعسكر كان خالياً من الجنود الذين تم ارسالهم لمعركة «الجزيرة أبا»، وكانت مكاتب صحيفة «الناس» في الديمقراطية الثالثة تم إلقاء متفجرة عليها وما زالت آثارها واضحة حتى اليوم.. كما تعرض الصحافيان البارزان عبد لله رجب «الصراحة» وصالح عرابي «التلغراف» إلى اعتداء بالهراوات من أنصار حزب الأمة، عندما تداولا نعت زعيمه حينها الصديق عبد الرحمن المهدي بتسميته «الصديق أفندي عبد الرحمن» مما أعتبره المهديون انتقاصاً في حق الزعيم، لأن كلمة «أفندينا» التركية تطلق على من هم دون تلك الزعامة، ومن يومها اتخذ عبد لله رجب عصاة ضخمة «كريز» لا تفارق ساعده، كما استعان صالح عرابي بسائق «قبضاي» وايضاً ساعي وفراش لحمايته، كما تعرض رجب ويحيى عبد القادر «ناشر «أنباء السودان» لتحرشات قاسية في الشارع العام من ثوار اكتوبر الذين أطاحوا بنظام عبود، وكان بعض من هؤلاء الثوار يرابطون امام منزل «الريفي» رئيس تحرير صحيفة «الثورة» المملوكة لذلك النظام،ولكنه كان ذكياً فلجأ إلى منزل أحد اقربائه الضباط بحي الأملاك بالخرطوم بحري، وكنت الوحيد الذي كشف عن مكانه، وكنت أزوده بمتطلباته، كما تعرض «بقادي» الصحافي الكبير ب «الرأي العام» لمحاولة بطش عنيفة من ثوار أكتوبر أنقذه منها تقديره الحصيف للهروب من الشباك، كما فعل محمد الحسن أحمد ومحجوب الزعيم عندما هاجم الأنصار الصراحة.. وكان عدد من الصحافيين المؤيدين لثورة أريتريا ومنهم أحمد طيفور يطاردهم القنصل الإثيوبي «تركن» في المطاعم والفنادق، وفي إحدى سطواته وكان وافر العضلات فوق بعضهم في حوض السباحة بفندق الواحة، وظل محتمياً بحصانته الدبلوماسية.. هذه المقدمة الطويلة أسوقها بسبب الحادثة الغريبة التي وقعت للصحافي الشاب عثمان شبونة صاحب القلم الجريء والمفردات الرائعة، لأقول له أن الصحافي دون الآخرين من البشر لديه حاسة سادسة خاصة بالتوقع والترقب، ويمكنه توظيفها ايضاً لاستشعار أي خطر محدق به، وهذا ما فعله «الريفي» عندما اختار مخبأه في منزل ذلك الضابط والذي حاكم عبد الخالق محجوب بالإعدام ومات بمرض الاكتئاب، وايضاً لما قرأ «بقادي» في وجوه الثوار وهتافاتهم ان القضية قضية حسابات مع الحزب الشيوعي الذي انسلخ منه، ولا أود الخوض في تفاصيل حادثة «شبونة» بعد ان أصبحت بين يدي العدالة، واذكره فقط بأن الصحافة مهنة المتاعب، حتى لو كانت هذه المتابع طلقة طائشة من منزل عرس استقرت في جهاز التلفزيون بعد ان اخترقت سقف غرفة النوم، وكان يمكن أن تصيبه أو أحد أفراد أسرته..