كنت أحد ثلاثة أساتذة في تلك الجامعة العربية، كلفنا الدكتور مديرها «درجته الماجستير من جامعة الخرطوم» بحصر وتصنيف طلبات المعيدين والمحاضرين الجدد المتقدمين للعمل بكليات الجامعة، ولحظات من شروعنا في قراءة الطلبات يرن هاتف القاعة بإفادة المدير لاستبعاد شهادات معينة صادرة من بلدان أو من جامعات بعينها. ونزلت علىَّ كالصاعقة أسماء جامعات سودانية من أرقى جامعاتنا وأكثرها تميزاً وعراقة، وأوفاها حضوراً في المحيط الأكاديمي والعلمي، تضم نخبة من العلماء مشهود لهم في مجال اختصاصهم ظلوا يثرون ساحات العلم والمعارف ليس في السودان وحده، بل في محيطنا كله، وفي جامعات أوروبية وأمريكية، وفي مراكز البحوث عبر العالم.. فضلاً عن طلاب تصدروا بأدائهم قائمة التنافس على أقرانهم (بالجذر التربيعي أو بطريقة المنحنى - «منحنى الدرجات».. ما مهم). فاستأذنت مدير الجامعة لأصحح معلومات وردت الى مكتبه خاطئة من دون شك عن هاتين الجامعتين السودانيتين اللتين أمر باستبعاد طلبات منسوبيها، مع اعترافي له بأن طائفة من جامعاتنا الحديثة ربما لم تكن قد رسخت فيها- بعد، تقاليد أكاديمية تمكنني من الدفاع عنها، وأني لا أنكر قصوراً فيها أو بعض قصور، ولو أن الإشارة كانت لإحداها لتجشمت طويل دفاع عنها ولاكتفيت بحسرتي الخاصة إدراكاً مني لضعف حجتي في مواجهة إشارة المدير.. أخذ الحديث مدارات حول ضعف يشاع عن خريج الجامعات السودانية عامة، وحديث عن سنة دراسية سقطت بين عتبات السلم التعليمي بما فيها من مادة التعلم ومدارج لنضج الطالب في جسمه وعقله. وحديث عن إفتقار الجامعات لخبرات أساتذتها الذين فروا منها، أبان المدير عن معرفة لا بأس بها بتفصيل ذلك- على أننا اتفقنا بعد أخذ ورد على أن يتقدم لوظيفة أكاديمية فهو الطالب وليست جامعته، وفي أمر الاختيار متسع من مقابلات شخصية واختبار وتقويم لمباحث ودراسات وبرامج ربما اضطلع بها - ذلك هو المحك.. تُقبل أو تُرفض على ضوئه طلبات الطالبين، وخريجو الجامعة الواحدة يتفاضلون من حيث قدراتهم. حين مضى بنا الحديث الى هذا الموضوع يفجر المدير -المحب جداً للسودان- قولاً وصفه بأنه «مما لا يُرد بأسه ولا يُسأل بعده» قال: خليني أقول لك.. في علمنا أن الجامعتين دول لهما توأمة مع جامعات هنا -خاصة- إما غير معترف بها أصلاً، أو أن أصحابها ممن هم مغضوب عليهم أو في طريقهم الى الغضب عليهم»- انتهى كلام المدير.. وعلى أي حال لعل جامعاتنا تراجع قوائم التوأمة مع جامعات عربية خاصة. وهي تعهد اليها أمر دراسات عليا لا يُعترف بدراساتها هنا ولا هناك، وتشوف حكاية المغضوب عليهم هذه حتى تبطل أقوى حجج عدم الاعتراف بشهاداتنا في هذا البلد وأمثاله.. أما عن ضعف الطلاب والخريجين ف.... الله كريم.