أكد محمد ضياء الدين الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي قطر السودان أن تراجع الدعوة للوحدة في مواجهة الانفصال سببه خلافات الشريكين الذين اتهمهما بتغييب القوى السياسية الأخرى، والاستعاضة عنها بقوى أجنبية ليس من مصلحتها استقرار البلاد ولا وحدتها، وأوضح أن المستقبل في السودان بات رهين بموقف الشريكين والقوى الأخرى من خلفهما. وتطرق الحوار الذي أجراه المركز السوداني للخدمات الصحفية للتطورات السياسية الحالية وقضية الاستفتاء والتبعات المتوقعة لعملية التصويت للاستفتاء حيث بدأت الحركة الترويج للانفصال في الجنوب والشمال، ودور الأحزاب السياسية تجاه أكبر قضية تواجه السودان منذ استقلاله.. ما موقفكم من الحديث عن تجاوزات مفوضية الاستفتاء والحركة والتي وجدت الرفض من المؤتمر الوطني خاصة؟ اعتقد أن الخلافات بين الشريكين قد أقعدت بتنفيذ الاتفاق، ونتيجة لذلك أصبحت الدعوة لوحدة البلاد تتراجع في مواجهة الدعوة للانفصال، وأصبح هناك اعتقاد عند الكثير من المراقبين بأن الاستفتاء حتماً سوف يقود إلى الانفصال. وبالتالي الحديث عن الوحدة في هذا الزمن مضيعة للوقت. المرحلة الراهنة أصبحت تتطلب الحوار حول العمل المشترك ما بين الشريكين وكافة الأطراف السياسية والوطنية لتدارك المخاطر التي يمكن أن تحدث نتيجة الاستفتاء، بغض النظر عن النتيجة نفسها وحدة أو انفصال، لأن هنالك الكثير من القضايا العالقة التي لم يتم إنجازها حتى الآن وخلقت قدراً كبيراً من الاحتقان في الواقع السياسي والاجتماعي، أدت إلى تراجع كبير في تسجيل الناخبين الجنوبيين في الشمال، وأصبح مواطني السودان في الشمال والجنوب في انتظار الموعد المحدد لإعلان الانفصال.. كل هذه التداعيات تمت نتيجة عدم اتفاق الشريكين على إنجاز ما هو مطلوب منهم خلال الست سنوات الماضية من عمر الاتفاقية، أضف إلى ذلك إصرار الشريكين أنفسهم على عدم إشراك القوى الوطنية وانفرادهم بإدارة البلاد والقرار السياسي الذي يهم كل الشعب السوداني، وكل ذلك حقيقة أدى لتخوف وترقب واحتقان ينذر بالخطر، لذلك فإن تداعيات هذا الواقع كلها تشير إلى أن هنالك نتائج سلبية مرتقبة إذا لم يتداعي أهل السودان ويتساموا فوق المصالح الضيقة لصالح المصلحة الوطنية العليا، التي تقتضي توفير مناخ الحرية والديمقراطية لكن يخرج الاستفتاء في إطار من الشفافية حتى تصبح نتائجه مقبولة لكل الأطراف، وإلا فإن الاحتمالات السيئة ستظل هي الأقرب وستكون مفتوحة. وهل تغيبكم عن الساحة السياسية كان بمحض إرادتكم أم بسبب انفراد الشريكين بالقرار كما قلت أم كما قال باقان أنكم كقوى سياسية قد فشلتم في إحداث التغيير؟ الشريكان هما من أسهما في تغييب القوى السياسية الأخرى، فمنذ التوقيع على الاتفاقية أصبح الدور الأكبر للمراقبين الدوليين والمنظمات الأجنبية.. هل تقصد أن الشريكين قد استعاضوا عنكم كقوى سياسية بالأجنبي؟ نعم استعاضوا عن القوى الوطنية بقوى أجنبية ليس من مصلحتها استقرار البلاد ولا وحدتها، حيث أصبح مستقبل البلاد رهين بموقف الشريكين والقوى التي تديرهما في ظل غياب تام للقوى الوطنية الأخرى التي أبعدت قسراً عن المشاركة في قضية تحتاج حقيقة لكل الجهد الوطني، بغض النظر عن الانتماءات السياسية الضيقة، لذلك نقول أنه إذا توفرت الإرادة الوطنية لأبناء شعب السودان في أجواء الحرية والديمقراطية كان يمكن أن يكون العمل جار الآن على قدم وساق من أجل إنجاز الوحدة بدلاً من أن نتحدث عن تداعيات الانفصال. هل تقصد أن هناك عدم إدراك من قبل الشريكين لخطورة ما يجري؟ هو ليس عدم إدراك بل الشريكين يعلمان ومنذ البداية أن تغييب القوى الوطنية في الداخل سوف يرهن إرادة الموقف السياسي وتطورات الأوضاع ومستقبل البلاد لصالح القوى الأجنبية، وكلا الطرفين (الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني) اتكاء على القوى الأجنبية في إدارة شأنهم مع بعضهم البعض، وكل اتكأ على من يعتقد بأنه سيسنده في خلافه مع الطرف الآخر، ولذلك فغياب القوى الوطنية عن المساهمة في الأمر الوطني قد أقعد بالاتفاقية وأكد على فشل حكومة ما بعد الاتفاقية في إنجاز ما تم الاتفاق والتوقيع عليه وما ضُمّن في القوانين والدستور. وفي تقديرك ما هي المطلوب؟ القوى الوطنية حرصت ومنذ وقت مبكر جداً على أن تكون مشاركة في كافة ما يتعلق بأمر هذا البلاد، ليس من موقع الضعف وإنما المسئولية، حيث دعت الشريكين إلى إتاحة الفرصة لكافة القوى الوطنية لكي تبدي رأيها.. كان هناك تعويل كبير جداً على أن تكون الانتخابات الماضية فرصة للتعبير عن الموقف المناهض لسياسات الشريكين من قبل القوى الوطنية، ولكن النتائج وما صاحب الانتخابات من تجاوزات كرس لنفس الواقع ما قبل الانتخابات، ولذلك جاءت نتيجتها بنفس القوى التي ساهمت في التوقيع على الاتفاقية، لتنجز هذه القوى ما تبقى من الاتفاقية بقيام الاستفتاء. والقوى السياسية وتداركاً منها لما يحدث من مخاطر دعت الشريكين إلى لقاء موسع عبر مؤتمر يناقش قضايا الأزمة الوطنية، وعلى رأسها مسألة الوحدة والاستفتاء مع بقية القضايا الأخرى التي تمثل الوجه الآخر للأزمة الوطنية وهي دارفور وأزمة الاقتصاد والحريات والتحول الديمقراطي وأضيف إليها لاحقاً التعايش السلمي الاجتماعي، فهذه القضايا تمثل أوجه الأزمة الراهنة.. والقوى الوطنية دعت الشريكين لمؤتمر للتفاوض حول هذه القضايا من أجل استدراك ما يمكن أن يحدث خلال المرحلة القادمة إذا ما استمر الشريكين على ذات النهج، ولذلك سوف يعقد في ديسمبر، وهو مؤتمر تحت اسم السودان الشامل لكل هذه القضايا. المؤتمر الوطني حتى الآن لم يبد موافقة صريحة للمشاركة فيه، واعتقد أن المؤتمر سيمثل الفرصة الأخيرة لتدارك من أجل أن تصبح نتائج الاستفتاء مقبولة أولاً، وأن يكون هناك موقف سوداني مشترك في مواجهة قضايا الأزمة الوطنية الشاملة، وإلا فإن التداعيات سوف تقود لنتائج قد تكون كارثة مستقبلاً ستقع على أبناء البلاد وأمنه واستقراره. وجهت اللوم للمؤتمر الوطني لأنه لم يبد ولكن بالمقابل هناك نداء موجه من الرئيس بضرورة الالتقاء حول الاستفتاء والاشتراك في الهم الوطني؟ دعوة الرئيس قدمت للبعض وحجبت عن الآخرين، إلا أن قوى الإجماع الوطني ناقشت هذه الدعوة والحدث على جملة من القضايا، فأولاً الوقت الذي قدمت فيه الدعوات كان قصير وتقريباً قبل أربع وعشرين ساعة فقط من المواعيد المحددة للأحزاب السياسية، ثانياً لم تشمل تلك الدعوات على الجميع إذ اقتصرت على بعض الأحزاب، وكذلك لم تحدد الأجندة ولم تستدعي القوى السياسية للمشاركة في وضع الأجندة، ولذلك اعتبرت القوى السياسية إن هذا اللقاء هو محاولة من المؤتمر الوطني لاحتوائها في إطار الإخفاق الذي حدث له في خلافه مع الشريك الآخر، فأراد تحميل الأحزاب السياسية أخطاء ما ارتكبه هو وشريكه في مسألتي الاستفتاء والوحدة، ولذلك رأت القوى السياسية أن تلك الدعوة غير جادة لأنه سبقها العديد من الدعوات اعتباراً من دعوة مؤتمر كنانة والتي لم تخرج بتوصيات وآليات محددة وكانت محاولة احتواء، وحتى الذين شاركوا في مؤتمر كنانة رجعوا وانتقدوا مشاركتهم واعتبروه مجرد لقاء للاستهلاك الإعلامي والعلاقات العامة.. القوى السياسية كانت حقيقة حريصة على قيام مؤتمر حقيقي يناقش أوراق في إطار مشاركة لكل الأطراف الوطنية، وأن يساهم المؤتمر الوطني شأنه شأن الأحزاب السياسية الأخرى لتقديم رؤاه، وفي نهاية الأمر يتم الاتفاق على رؤية مشتركة تمثل حد أدنى لتجاوز تداعيات الواقع السياسي الراهن، لأن هذا هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة، وأما الدعوات الفوقية والعلاقات العامة فلن تجدي، والشعب السوداني والقوى الوطنية وصلوا لقناعة بأن انفراد المؤتمر الوطني بالقوى السياسية بشكل ثنائي في ظل عدم الاعتراف بالطرف الآخر نفسه هذا يجعل الدعوة نفسها غير مقبولة للقوى السياسية. وفي تقديرنا كانت دعوة الرئيس نفسها تأتي في إطار قطع الطريق أمام قيام المؤتمر الذي دعت إليه القوى السياسية وليس العكس، كما أتهمنا بعض قادة المؤتمر الوطني، ورغم ذلك تم تقديم الدعوة للوطني والذي لم يلبيها حتى الآن. رغم أنك ألقيت باللائمة على الشريكين إلا أنه البعض يعتبر أن خلافاتكم فيما بينكم هي السبب في عدم توحد رؤاكم تجاه قضايا الوطن؟ أولاً القوى السياسية التي تمثل تحالف قوى الإجماع الوطني هي قوى مختلفة سياسياً وتنظيمياً وعقائدياً، وحتى نشأتها التاريخية مختلفة عن بعضها البعض، والواقع الراهن فرض على هذه القوى أن تتداعى لمناقشة الأزمة نتيجة لسياسات المؤتمر الوطني والشراكة الثنائية بينه والحركة الشعبية، وهذه القوى التقت حول برنامج حد أدنى وهو يعني التنازل عن الموقف الإستراتيجي لصالح موقف يضمن مشاركة الجميع في الهم الوطني، لذلك من الطبيعي أن تكون القوى السياسية مختلفة لأنها تضم قوى من أقصى اليمين لأقصى اليسار جمعها هم وطني في إطار برنامج حد أدنى، والخلافات طبيعية ولكننا نستطيع أن ننظم هذه الخلافات بما يجعل نظرتنا للأمور الوطنية فوق أي موقف حزبي، وهذا ما يجمع بين هذه القوى، رغم المحاولات العديدة التي قادها المؤتمر الوطني لفركشة هذه القوى وبذر بذور الخلاف في داخلها. فشل هذه القوى السياسية في إحداث التغيير في تقديري الشخصي ناتج لسبب رئيس وموضوعي هو أنه وبعد التوقيع على الاتفاقية أصبحت الدعوة لإسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني لا تجد حظها عند كثير من الأطراف السياسية، اعتقاداً منها بأن إسقاط النظام يعني إسقاط الاتفاقية، وبالتالي إعادة البلاد لمربع الحرب، ولذلك عملت القوى السياسية لانتظار الانتخابات التي جاءت نتائجها لها محبطة، وقادت مرحلة ما بعد الانتخابات الشريكين لإنجاز الاستفتاء، ولذا فإن عدم نجاح القوى السياسية في عملية التغيير لصالح إرادة الشعب السوداني في حياة حرة كريمة كان نتيجة التزام العديد من الأطراف السياسية بما تم الاتفاق عليه في نيفاشا، وما ترتب على ذلك من حكومة الشريكين إلا أن ذلك سوف يكون له سقف معين وهو قيام الاستفتاء، وإذا حدث انفصال أنا على ثقة بأن القوى السياسية سوف تغير إستراتيجيتها في مواجهة حكومة المؤتمر الوطني، وبالتالي كل الاحتمالات مفتوحة إذا استمر في نفس نهج إقصاء القوى الوطنية. ما رأيك فيما يثار حول إيواء الحركة الشعبية لمتمردي دارفور، وهل دور الحركة سيقدم الملف أم سيؤخره؟ اعتقد أن كلا الطرفين ساهما في تعميق الأزمة في دارفور، الحركة الشعبية بتقاعسها كشريك في الحكم بإيجاد حل لأزمة دارفور، والمؤتمر الوطني باستمراره في نفس النهج الذي قاد لتفاقم الأزمة وتحويلها لأحد أهم الأجندة في الملفات الدولية، ولذلك اعتقد أن الطرفين يحرصان على اللعب لصالح ملفاتهم الخاصة، والمؤتمر الوطني بدوره يعمل على قفل هذا الملف قبل الاستفتاء حتى لا تفتح له أبواب الجحيم انطلاقاً من دولة جنوب السودان، والحركة الشعبية التي تعمل على احتواء الحركات المسلحة لتمثل كرت ضغط على المؤتمر الوطني لإنجاز الاستفتاء والقبول بالنتائج، ولذا كلا الطرفين استغلا الأزمة في دارفور والحركات المسلحة لتنفيذ لتصفية الحسابات بين الشمال والجنوب. قلت إن التدخل الخارجي كان حاضراً خلال المرحلة السابقة ما هي الوصفة المناسبة للحد من هذا التدخل؟ اعتقد أن من أكبر المشاكل التي تواجه القوى الوطنية سواء في السلطة أو المعارضة أنها رهنت إرادتها لأطراف أجنبية. والقوى الأجنبية تحرص على تنفيذ أجندتها وليس لها اهتمام بقضايا الشعب السوداني وإنما تعمل للاهتمام بمصالح شعوبها. وكثير من القوى السياسية تعتقد بأن التعامل مع ما يُسمى بالملف الدولي والاتصال بقوى أجنبية والاستناد على هذه القوى تعتقد بأن ذلك سوف يدفع باتجاه تقوية موقفها الوطني في التعامل مع قضايا الشأن السياسي، وهي تدري أو لا تدري بأن هذه الممارسة الدخيلة في العمل السياسي في السودان تفتح الطريق أمام التدخلات الأجنبية في الشأن السياسي الوطني، وهذا ما قاد إلى أن تصبح قضايا السيادة واحدة من أهم القضايا التي انتهكت من قبل الكثير من الأطراف السياسية في السلطة والمعارضة. ونعتقد بأن السيادة والاستقلال هما خطوط حمر ينبغي ألا يتم تجاوزها بغض النظر عن الخلافات الداخلية، ولا اعتقد بأن هنالك فصيل محترم يتكئ على جدار قوى أجنبية في مواجهته لقضايا الأزمة في بلده.. نحن نرفض وبشكل قاطع في الحزب أي صيغة تدفع بقضايانا للخارج، ولذلك رفضنا ما يُسمى بإسناد يأتي من المجتمع الدولي لحلحلة مشاكل السودان، ورفضنا مسألة ما ورد في المحكمة الجنائية من قرارات بغض النظر عن خلافنا مع المؤتمر الوطني.. لن نرضى بمحاكمة أي مواطن سوداني في الخارج تحت أي ذريعة من الذرائع، فالشعب السوداني قادر على حسم قضاياه إذا لم يكن اليوم ففي وقت لاحق، وهذا ليس مدعاة لأن نستدعي قوى أجنبية لكي تتحكم في علاقتنا مع بعضنا البعض وإن اختلفنا إلى حدود كبيرة.