كامل إدريس يقف على مجمل الأوضاع بمطارات السودان    معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شمال السودان.. جنوب السودان دروس وعبر دكتور بابكر عباس محمد أحمد
نشر في سودانيزاونلاين يوم 30 - 10 - 2012

حينما وقع المتفاوضون إنابة عن شعب السودان وثيقة السلام عام 2005 تنفس العالم الصعداء لأن تلك الإتفاقية طوت صفحة حرب دامية ومدمرة كانت الاطول في تاريخ القارة السمراء بأسرها .. وابتهج الشعب السودانى شماليه وجنوبيه لأن الإتفاقية وحواشيها قد احتوت بنود صريحة توحي بالوحدة الجاذبة كخيار قومي، ليس ذلك فحسب, بل واشتملت على تغييرات جوهرية في مسار الشأن السياسي الداخلي، تحتم التداول السلمي للسلطة وفق انتخابت حرة ونزيهة، طاوية بذلك اطول فترة حكم شمولي عاش فيه السودان في تاريخه، وفارضة حتميات أخرى مثل حرية الصحافة، وحرية الانتظام والتعبير الجماهيري في منظومات حزبية، وكثير جداَ من النوايا الطيبة ....... والتي جعلت حتى اعتى المتشائمين متفائلاَ،ورحّبت جماهير الشعب للسوداني، حتى في الأوساط المعارضة بالأتفاقية، آملين في واقع جديد يضمد جراح أمة صابرة ومكافحة ومحبة للسلام وعاشقة للحرية و الديموقرطية.. ولكن قبل ان يجف المداد الذي صيغت به كلمات الإتفاقية تبيّن لنا كمراقبين ومواطنين أن خلف الآكمة ماخلفها، وأن الكثير من الشكوك والنوايا غير البرئية كانت تختفي وراء الإبتسامات الواسعة والكلمات الدبلوماسية الرنانة المنتقاة بعناية فائقة، خاصة من قبل ما عُرف بشركاء إيقاد ، و اللذان اعترف بهما الطرفان المتخاصمان ضمانين للاتفاقية ....... يقول الكثيرون أن رحيل د. جون قرنق الزعيم الأكبر لجنوب السودان المفاجئ كان وراء كل التداعيات السالبة التي ماجت تحتها الأرض وأدخلت " الشريكين" - الحكومة السودانية و الجبهة الشعبية - في دوامة الخلاف حول التفاصيل، كما حول إمكانيات إنزال نصوص الاتفاقية على أرض الواقع .. ولكن ايّما اتفاق أو عمل عام يّبنى حول شخص واحد – أياَ كان – فإنه اتفاق هش وضعيف مهما قيل عنه .. فقد عجز الشريكان عن تطبيق مبدأ قومية العاصمة ( الخرطوم) بحدودها الفرعية نتيجة سوء تقدير أو سوء فهم لروح النصوص والتي كانت تهدف في الأساس لطمأنة الأخوة من جنوب السودان بأنهم آمنون في ممارساتهم التقليدية أو الإجتماعية أو السلوكية ما لم تضر بمصلحة احد من الناس .. وقد كانت هناك عدة طرق لتحقيق ذلك الهدف. كما لم يجد الشريكات سعة الصدر و الرحابة التي بموجبها توزّع المقاعد الوزارية بعدالة وحكمة تحقيقا" لمبدأ تقاسم السلطة واحتفظ المؤتمر الوطني الحاكم بكل الوزارات المفتاحية، مثل وزارة النفط والتي كان من المفترض أن تذهب للجنوبيين بعد توقيع الإتفاقية مباشرة ذلك أن معظم النفط كان ينبع من هناك، وأعطيت لهم الوزارة أخيراَ بعد أن تبين يأسهم وجزعهم من مصداقية شريكهم الأكبر .. وكافة الوزارات التي اتيحت للجنوبيين أصرّ المؤتمر الوطني على تعيين وزير دولة ( وزير ظل ) ذي شخصية قويّة وضعت الملفات الحساسة تحت يديه .. وترك الوزير الأول بلا عمل سوى الظهور في شاشات التلفزيون عند ما يكون هناك خبر عن وزارته .. التي يديرها نائبه ! وقد احتج الوزراء الجنوبيون على هذا الوضع مراراً دون طائل .. واضطروا مراراً لمقاطعة جلسات مجلس الوزراء القومي !! واشياء كثيرة اوحت جميعهاَ بعدم الجدية في تنفيذ نصوص الإتفاقية فيما يتصل بمبدأ اقتسام السلطة.
ثم كانت هناك إخفاقات مماثلة وأقسى في ملفات شتى، على رأسها اعادة النظر في قانوني الأمن الوطني و قانون الصحافة وقانون النظام العام والذي ظلّ سيفاَ مسلطا على سلوكيات المواطنين، ووفقاَ له يحق لأفراد الشرطة المخصصة والمنتمية للحزب الحاكم ( الشعبية/ النظام العام) تطبيق القانون ميدانياَ، بما يشمل اطلاق النار.. وإذا سقطت ضحية فإن ذلك ينظر في وقت لآحق ....... وبما أن المواطن السوداني، جنوبي وشمالي، قد لا تخلو ممارساته اليومية من شئ من اللهو، مثل الرقص أو شرب الخمور المحلية والتي معظمها غير مسكر، وبعضها عادات قديمة خاصة في المناسبات والأعياد......و بعضها أسلوب حفظ أطعمة توارثه الناس مند القدم و لا مفر من إيجاد بدائل له قبل إلغائه أو تجريم فاعليه..
فيمكن للقارئ أن يتصوّر أي ضيق دخل فيه المواطنون مباشرة بعد توقيع اتفاقية السلام والتي من المفترض أنها كانت تمهد لمرحلة جديدة من الأخاء والتسامح والإنفتاح على الأخر.. املاَ في وحدة وطنية تحفظ تراب الوطن الواحد وتعظم ثرواته وأمنه وتقوّي اقتصاده .. وهي الغايات التى تنازل فيها الأولون من الفاتحين حتى أيام الخلافة الراشدة من اي عوائق حتى ولو كانت شرعية في سبيل السلام ونشر الدعوة وتوسيع رقعة المعمورة المسلمة .. وفقط للمثال ولامحاولة للحصر، فقد وقع المسلمون مع ملك النوبة عام 632 ميلادية اتفاق البقط المشهوروالذي بموجبه يحمل بريد المسلمين إلى ملك النوبة كمية محدودة من الخمر من الإسكندرية لأقامة القداس السنوي للمسيحيين في دنقلا عاصمة النوبة،، مقابل السماح للمسلم بالإقامة و التجوّل والمتاجرة والمصاهرة في ارض النوبة وإقامة الشعائر دون مضايقة .. حكمة عرفها الأولون .. وضاعت على اللاحقين ..
لقد كنا نأمل أن تكون الفترة الانتقالية (6 سنوات) فترة استعادة وعى واستراحة قومية للحوار والتداول الهادئ في الشأن العام والخروج برؤي تؤطر لقيام نظام سياسي يحترم حقوق الناس في العدل والمساواة أمام القانون وحرية التعبير والدعوة والتداول الهادئ والسلس للسلطة وإشراك كافة قطاعات المجتمع في فك ضوائق الشعب السوداني .. ولكننا كنا نرصد الاخفاق تلوالاخفاق في كافة هذه الملفات ..
ثم كانت خاتمة الاثافي تكمن في اجراء الإنتخابات والإستفتاء .. وهما عظم ولحم الإتفاقية..وهنا ظهر خبث كافة الأطراف وكذبهم على الأمة السودانية فقد اتضح غلبة دعاة الانفصال في المواقع القيادية للجبهة الشعبية مستغلين بذلك وضعية " مواطن من الدرجة الثانية" والتي اشاعتها القوانين والممارسات المشار اليها سابقاَ .. ومنع هؤلآء دعاة الوحدة حتى من الحديث عنها ناهيك عن الدعوة اليها .. واعتقل ناشطون وصحفيون وحقوقيون جنوبيون وعذّبوا، واضطروا للهجرة خارج البلاد, ابتعاداَ عن مركب يحترق أو يغرق أمام ناظريهم .. وفي الشمال منعت الأحزاب المعارضة حتى عن اقامة الندوات السياسية والتي هي جزء أصيل وأساسي في أية حملة انتخابية .. وسمح لكل حزب بمساحة لاتتعدى ربع الساعة في التلفزيون !! وللمرشحين الرئاسيين بمقابلة جماعية يعرض كل منهم خلالها برامجه، ولم يتعد الوقت الممنوح لكل مرشح الخمسة دقائق !!! وعندما كان الموطنون يشاهدون هذا السيناريو كانوا يتساءلون: من هذا؟ من هو؟...وقبل حصولهم على إجابة .. ينتهي العرض !!! ثم اجريت الإنتخابات وسط اجراءات أمنية أشبه بقصة حصان طروادة .. وفاز الحزب الحكم بقرابة100% من المقاعد البرلمانية في أول سابقة في تاريخ السودان ..بل العالم بأسره وانفض المواطنون من أمام مراكز الاقتراع وهم موقنون بالنتيجة، نسبة لما شاهدوه بأم أعينهم من ممارسات رصدها المراقبون المائة وأربعون والذي انتشروا في كل بقاع السودان، وقد كان لمنظمة كارتر الدولية والإتحادين الأوروبي والأفريقي نصيب الأسد بينهم .. افاد مركز كارتر بأن الانتخابات السودانية جرت في أجواء هادئة، وتمكن معظم المواطنين من الأدلاء بأصواتم ولكن الإنتخابات " لا ترقي للمعايير العالمية .. وان كانت تحقق الهدف المنشود "..ودهشنا جميعاَ لما هو ذلك الهدف المنشود.. وإن كانت الأشارة لاتخفى إلا على غافل أو جاهل !!! فقد اتضح تواطؤ ما يعرف بأسم شركاء إيقاد مع الفريق الإنفصالي في الجبهة الشعبية،،تدفع كل فريق منهم إضغانهم وأجندتهم الخاصة.. فمن المعروف أن مجلس الكنائس العالمي قد اتخذ منذ أمدٍ بعيد سياسية تمزيق السودان لكي يتوقف انتشار الإسلام في إفريقيا لأن السودانيين ( كمواطنين) كانوا وظلوا هم الناشر الأكبر للإسلام في جواره الأفريقي، بل أبعد، وذلك بالتصاهر والمعاملة الكريمة والتواضع والتجارة والمساعدة بجلب العون و الاستثمار من محيطهم العربي والإسلامي الممتد بعيداَ و قريباَ .. ثم دخلت دولة الكيان الصهيوني في المسرح منذ مؤتمر اللاءات الثلاث (1967) وقوى الصوت الصهيوني الداعي لتمزيق السودان بعد تكوين المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي (1993) فى الخرطوم و الدى جمع شتات الحركات المناوئة للعديد من البلدان التى تربطها علاقات تاريخية بالسودان..بما فى دلك تنظيم القاعدة.. ثم استمرار الدعم لحماس ومحاصري غزة والسعي للمصالحة الفلسطينية... وجّر هؤلاء أمريكا إبان رئاسة كلنتون ثم بوش الابن في حين أن سياسة امريكا الثابتة كانت تؤمن بضرورة وحدة السودان والتعاون معه كدولة مفتاحية ذات موارد جمّة وموقع فريد يمكنه من لعب دور ريادي في إنعاش الاقتصاد الأفريقي وتحقيق الأمن الغذائي لقرابة مئتين مليون نسمة ... ذلك اخذاَ في الإعتبار هشاشة الأوضاع في كل دول الساحل الأفريقي ودول الجوار ( ارتريا، شاد ،افريقيا الوسطى ..الخ) المتاخمة للسودان.
سكت شركاء إيقاد عن المارسات القمعية والقاسية والتي اتبعتها سلطات الجيش الشعبي ضد مواطنيهم ومنعهم لأي صوت يدعو للوحدة .. واصطف المواطنون الجنوبيون البؤساء في طوابير طويلة أتقن إخراجها لكي لا يظهر بينها إي صوت وحدوي، مع إننا نعلم بوجود أحزاب وجبهات ناهيك عن جماعات وكيانات وقبائل لا تعرف غير الوحدة، فمثلاَ إين ذهبت أصوات 20% من المسلمين في جنوبي السودان؟ اين ذهبت اصوات ابناء القبائل الحدودية والذين إن كانوا يقيمون منازلهم في ارض جنوب سودانية فإن أرزاقهم شمالاَ، وان كانوا يزرعون في ارض شمالية فإن أسواقهم جنوبا" والعكس بالعكس .. هل من المعقول ان يصوت امثال هؤلآء للإنفصال قاطعين بذلك ارزاقهم بأيديهم .. والتجار الجنوبيون، والعمال والمهنيون والعسكريون والشرطيون .. ومئات الآلاف المنتفعين من وضعهم في سودان واحد .. كلهم لم يظهر لهم صوت .. وكلهم لم يكونوا أكثر من 1% حسب نتائج الاستفتاء الملغوم.
وبذلك، خرج الشعب السوداني وهو الخاسر الأكبرمن اتفاقية السلام الشامل الملغومة .. فلم يحصل الشعب إلا على هامش ضيّق من الحريات تلبية لبند التداول السلمي للسلطة فى أضيق نطاق، ولم تتحقق الوحدة الجادبة، بل تمزقت البلاد كأول مؤشر لأنهيار بنيانها العريق ..ليس ذلك فحسب،، بل إن السلام لم يتحقق !!! فما إن حقق انفصاليو الجنوب غايتهم حتى قلبوا ظهر المجن للسودان كله، وشرعوا في إشعال نيران الفتنة ابتداء بإيواء رافضي السلام من الحركات الدارفورية، وانتهاء بفتح النيران على طول الشريط الحدودي الممتد من الأنقسنا وحتى بحر العرب .. ثم عاد للظهور السيناريو القديم .. طوابير النازحين والفارين من جحيم الى جحيم، والجدل العقيم حول أحقية توزيع الإغاثة لمن؟ والتهاب البلاد بأسرها بموجات التجنيد وألوية الردع وكتائب "الجهاد" ..وكأننا ياقيس لأرحنا ولآجئنا ..
دعوني أعود لبدايات الشروع في تحضير الساحة الأقليمية لسيناريو اتفاق نيفاشا ..
في عام 2000م، وفي اعياد الميلاد بالتحديد، ذهب القس الأكبر لجنوب السودان - قوبريال الزبير- الى الفاتيكان وقابل البابا.. وأفاده بأنه في حال استمرار الحرب بين الشمال والجنوب عشرة اعوام أخري، فأنه لن يتبقى من " ابناء الكنيسة" من يستطيع أقامة صلاة واحدة أو شهود قداس واحد ..ذلك أن إبناء الكنيسة نزحوا للشمال وغيره من المواطن وأنهم اكتسبوا طبائع وعادات "العرب"، وتعلموا هناك اللغة العربية وأن الإسلام ينتشر بينهم بسرعة مريعة، بل انه اضاف موقناَ بأن كل من سيولد في الشمال من ابناء الجنوب سيصير مسلماَ حتى لو كان أبواه غير ذلك ..عقد البابا مجلساَ بابوياَ عالياَ للمشورة، خرج بتوصية أن أمريكا هي الأقدر على إيقاف تلك الحرب لأن أوروباَ منقمسة حول الأمر، ومجلس الأمن لن يستطيع اتخاذ قرارات قوية ضد السودان نسبة لوجود أصدقاء أقوياء كثر... كما أن أوضاع أوروبا الإقتصادية قد تحول دون تحملها نفقات وتبعات ذلك .. فكان الإتصال ببوش الأبن والذي استجاب بفورية وسرعة اتصالاَ بنزعته المسيحية المعروفة، علاوة على رغبته فى كسب ود العديد من الأطراف واللوبيات التي اخدت تظهر وتتألب ضد السودان كدولة راعية للإرهاب وداعمة لكيانات مناوئة للسلام العالمي و سجلها قبيح فى كافة أصعدة حقوق الإنسان... فكانت مشاكوس ..ثم نيفاشا،، وتحت التهديد والوعيد اخدت الوفود الرسمية السودانية تتداعى من ضاحية الى اخرى وكل ماتبين لأحد المفاوضين إشارة أو ملمحاَ للفخ المنصوب بدقة، تواري، أو أزيح، وجئ بمفاوض أخر أكثر مرونة .. أو أكثر اضطراراَ .. أو غفلة .. حتى إنه أعلنت في احدي هذه المخاضات ان حكومة امريكا سوف تمنح الطرف الذي يوقع 200 مليون دولار يستخدمها لمواجهة الطرف الذي لايوقع.. وإما في حالة توقيع الطرفين فإنها ستعطي.. وترضى ..وتمسح وتصفح وتمنح، كأنها المولى سبحانه وتعالى .. وتحت بريق الوعد وسياط الوعيد وقع السودانيون على الإتفاقية رغم الألغام الواضحة للعيان ..لم تكن لتخفى على أحد.. خاصة لمفاوضين تضم وفودهم خبرات عسكرية وأمنية واقتصادية جمّة .. فكان هناك لغم اسمه " المشورة الشعبية" وهو تورية للأستفتاء حول تقرير المصير لمناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق حلفاء الجيش الشعبي التاريخين، كما كان هناك لغم الحدود والتي كانت من المفترض أن ينص صراحة على احترام حدود 1956م دون تغيير أو جدل .. ولكن التراخي في هذا البند أفرخ مشكلة أبيى والتي ستكون كعب أخيل الذي يتداعى لعطبه كل السودان .. ولكى يحصل الجنوبيون على أبيى أخدوا يطالبون بمواقع أخرى خارج حدودهم لا يسكنها جنوبيون .. لقد تم التوقيع على اتفاقية السلام المزعومة والجيش السوداني في موقع المبادرة، والحركة المسلحة في الجنوب تمر باحرج ظروفها ومنقسمة وتتهالك ... فكان وفقاَ لذلك من المفترض أن يحصل المفاوض السودانى على أفضل الشروط وأقوى الضمانات .. كأن يربط التوقيع النهائي على الإتفاقية بتحقيق قدر معقول من وعود الضامنين مثل إعفاء الديون ورفع الحظر الأقتصادي كأدنى حد .. ولا يستطيع المرء إلا أن يعجب من كيان سياسي يرفض اتفاق سلام سابق(1988) ليس فيه أيّ من عيب ولايحوي بنوداَ انفصالية أو حتى استفتاء بل ينادى بسودان واحد يسع الجميع وفق منظومة سياسة ديدنها الحرية والديمقراطية والمساواة ..
و العجيب أن هذه المعاني هى ما يتداعي نحوه السودانيون اليوم .. وسيظلون يكافحون من أجلها، ما داموا أحياءاَ .. والأعجب من ذلك كله ان الكيان أو الكيانات السياسية التي قلبت الموازين لصالح الحرب في ذلك اليوم قبل الأخير من شهر يونيو 1989م، هى الكيانات الأعلى صياحا" اليوم، منادية بقلب الطاولة على رأس من حقق لهم حلمهم بفصل الجنوب عن الشمال .. بذريعة عرقلة الجنوب لتحقيق " الدستور الإسلامي " في السودان .. بل إن نفس هذه الكيانات اليوم هى الأشد تنافرا والأكثر اختلافا حول ماهية الدستور الإسلامي،، ليس ذلك فحسب، بل يدور جدل عريض بينهم و داخل كياناتهم حول ضرورة الدستور الإسلامي نفسه .. وقد إمتد الجدل وتطاول، حتى أن البعض أفتى بكفر الآخر، في حين أن فريقا" أخر مدّ يديه للتعاون والتحالف مع الحزب الشيوعي، سواء السوداني أو الصيني، فى حين أوصدت الأبواب أمام أي تعاون مأمول مع أحزاب وطنية سودانية و مسلمة100%.
ان العبرة الكبرى البادية لكل ذي بال، هي أن السودان القديم يندثر ..و يتلاشى رويداَ رويداَ .. مثل جبل الجليد العاتي .. فهل ينبثق فجرسودان جديد؟ أم هل يذهب السودان .. هذا البلد الجميل شذر مدر؟؟؟
الله وحده العليم ..
وهو الوالي .. الحكيم العدل ..و هو الملك....
الذي لايصير في ملكه إلا ما يرضي ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.