شركات الاتصالات تدخل الحلبة بات جلياً أن تبعات انفصال الجنوب الاقتصادية، والاجتماعية أكبر بكثير من التوقعات التي وضعتها الحكومة، ومما تخيله دعاة الانفصال المغالين، فها هي نذر حرب اقتصادية لا تبقي ولا تذر قد بدأت، وتطورت معها الأساليب والأسلحة المستخدمة، فكلما حاولت الحكومة إيجاد مضاد قوي للصد، بحث الجنوب عن سلاح أشد فتكاً، والجولات لم تنته بعد. فقد بدأت الحرب بإيقاف الحركة التجارية البينية قبيل الانفصال بسبب اتهامات متبادلة، وكان الجنوب الأكثر تضرراً من هذه العملية، ثم تطور الأمر إلى رفض دولة الجنوب للاتفاق الذي تم بشأن العملة وهو أن يتم تداول العملة القديمة إلى حين من الزمن، وقامت حكومة الجنوب بطباعة عملتها باعتبار أنها رمز سيادتها، فاضطرت حكومة السودان إصدار إصدارة جديدة من عملتها وتنصلت عن العملة القديمة المتواجدة في الجنوب، واعتبرتها كأنها غير موجودة، أي أن الجنوب لا يجد مقابلاً لها، وإن كدسها في بنوكه، ثم عادت مرة أخرى خلافات النفط وحسابات ترحيله، وبين هذا وذاك ضربات اقتصادية أخرى غير معلنة، والساقية لسه مدورة. آخر الأسلحة الاقتصادية التي استخدمت وليست الأخيرة هي شركات الاتصالات، في خدمات تحويل الرصيد، والتي أعلنت الحكومة عن عزمها إيقافها بين الشمال والجنوب، بناءً على معلومات تؤكد أن حجم تحويلات الأموال من الجنوب عبر تحاويل الرصيد ارتفعت بصورة مزعجة بعد أن أعلنت الحكومة أنها غير مسؤولة عن العملة المتواجدة في الجنوب في وقت أن غالبية شركات الاتصالات العاملة في الجنوب (شركة زين، شركة سوداني، وشركة MTN ) هي تتبع للسودان، وهي تعد ميزة لهذه الشركات وللشمال لاستجلاب العملة الحرة، إلا أن هناك من استغلها في تصفية حسابات اقتصادية وسياسية وهز من موقفها. إن تكاليف الربح والخسارة من هذه الحرب الاقتصادية الدائرة لا تحسب فقط في الربح أو الخسارة في المجال المعني بصورة مباشرة، بل الخسارة الكبرى للبلدين كافة هي فقدان الاستثمارات الأجنبية، إما بهروبها من السودان الكبير أو تجميد أنشطتها الاستثمارية، وهي خسارة مضرة بالتنمية والتقدم، والسلام نفسه والذي ينشده السودان الكبير من الانفصال. يجب وعلى وجه السرعة وضع حدٍ لهذا الصراع الذي ينهك قدرات المواطن قبل أن تتأثر به الحكومات، ويضعف قدرات البلدين، فهل من راشد يوقف هذا العبث؟!.