عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. لا خلاف حول ضرورة أن يجد أي شخص ارتكب فعلاً أو عملاً مجرماً جزاءه بالقانون، وأن يخضع المتهم لمحاكمة عادلة تتاح له فيها جميع الحقوق والضمانات التي يكفلها القانون والدستور والمعايير الدولية لحقوق الانسان ، وأيضاً معايير المحاكمة العادلة التي تنص على "الحق في المحاكمة دون تأخير لا مبرر له" ، حيث جاءت المادة (14/3/ج) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بأن اي شخص يتهم بجريمة له الحق في أن يتمتع أثناء نظر قضيته بضمانة : " أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له" ، وان دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م نص في المادة (34/5) على أنه : " يكون لكل شخص الحق في أن يُحاكم حضورياً بدون إبطاء غير مبرر في أي تُهمة جنائية " ، ونص قانون الإجراءات الجنائية في المادة (4/ج) على أن : " المتهم برئي حتى تثبت ادانته ، وله الحق في أن يكون التحري معه ومحاكمته بوجه عادل وناجز" ، والعدالة الناجزة تعني أن تتم إجراءات المحاكمة في وقت معقول ، وفي قضايا الأطفال تقول اللجنة المعنية بحقوق الطفل أنه يجب أن تنتهي إجراءات محاكمة الأطفال "دون تأخير مبرر" ، وأن المحاكم عند النظر في القضايا الجنائية وفي سبيل مراعاتها انتهاء إجراءات المحاكمة دون إبطاء ، يجب أن تضع في اعتبارها أن الدفاع قد أعطي الوقت الكافي وجميع التسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه ، ومراعاة الحد الأدنى من الإنصاف في الدعاوى ، ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة ومراعاة حقوق الضحايا ومراعاة إصدار الاحكام وفقا للمعايير الوطنية والدولية . وضمانة الحق في انهاء المحاكمة خلال فترة معقولة لا تتعلق بالتاريخ الذي تبدأ فيه المحاكمة فقط وانما أيضا تتعلق بالتاريخ الذي تنتهي فيه الإجراءات ، لذلك يجب ان تنتهي جميع مراحل المحاكمة دون تأخير لا مبرر له ، وحتى يكون هذا الحق فعلي وجدي يجب ان ينطبق على جميع درجات التقاضي سواء في المحاكم العامة او الاستئناف او المحكمة العليا ، لان هذا الحق مرتبط بالحق في الحرية الفردية والكرامة الإنسانية وافتراض البراءة . وإطالة أمد التقاضي والإجراءات القانونية يضر بالقضايا، وفيه إجحاف بالضحايا وبالمتهمين والمجتمع عامة ، وقد يؤدي إطالة امد التقاضي في نهاية المطاف الى طمس معالم القضية وغياب الشهود بسبب الوفاة أو العجز عن أداء الشهادات ويؤدي أيضا الى الافلات من العقاب ، وهذا يتنافى مع ما أقراه المجتمع الدولي بضرورة مكافحة حالات الإفلات من العقاب وتعزيز مبدأ المساءلة وسيادة حكم القانون، وعدم قيام الدول بمسئولياتها في هذا الاتجاه يخالف المعايير الدولية لحقوق الانسان. والحق في المحاكمة دون ابطاء لا يعني المحاكمات المتسرعة ، لان المحاكمة المتسرعة هي التي تتم بالمخالفة لحقوق الدفاع وفيها نوع من الارتجال يؤدي الى ضياع الحقوق القانونية والدستورية وحقوق الانسان ولا تحقق العدالة الجنائية مطلقاً . والغرض من الحق في المحاكمة في وقت معقول هو ألا يتعرض الانسان لأي نوع من القلق لفترة طويلة سواء كان متهما في دعوى جنائية او صاحب حق خاص فيها . وبما أن المتهم يضار بإطالة امد التقاضي فان أصحاب الحق الخاص في الدعوى الجنائية أكثر تضررا ، لان الفترة الطويلة للإجراءات تؤدي الى طمس معالم القضية وضياع الحقيقة وغياب الشهود او اصابتهم بالنسيان . حق المتهم في المحاكمة العادلة دون تأخير من مسئوليات الدولة حيث يقع على عاتقها ان تقوم بتنظيم المرفق القضائي واعطاءه الموارد المالية الكافية للقيام بدوره الطبيعي في تحقيق العدالة ، وتعتبر الدولة عاجزة عن تحقيق العدالة الجنائية اذا كانت جلسات القضايا تنظر في فترات متباعدة أو ان عدد القضاة قليل بالنسبة للقضايا المتراكمة لدى المحاكم ، وان الرقابة القضائية والتفتيش لا يقوم بدوره في الاطلاع على ملفات الدعاوى والنظر في انها انهيت في فترة زمنية معقولة . لان الوقت المعقول يتم قياسه وفقاً لملابسات اي قضية على حدا ، مثل تعقيد القضية ، وسلوك السلطات، وسلوك المتهم . بالنسبة لتعقيد القضية : فانه ينظر الى طبيعة الجريمة المرتكبة ونوعها خطورتها وعدد التهم الموجهة للمتهم وعدد المتهمين في القضية وظروف وملابسات القضية ، القضية التي يكون فيها متهم واحد لا تقارن بالقضية التي يكون فيها عدد كبير من المتهمين ، والقضية التي فيها تهمة لا تقارن بالقضية التي فيها عدد من التهم موجهة للمتهمين، وفي كل الحالات يجب ان يتم انهاء القضية في وقت معقول . اما فيما يتعلق بسلوك المتهم : فان سلوك المتهم اثناء نظر الدعاوى الجنائية له أثر كبير في انهاء الدعوى في وقت معقول، لان المتهم قد يهرب من الحبس او يمتنع عن الاجابة على اسئلة التحري ويلتزم الصمت وحق الصمت حق مشروع وقانوني ، فالقانون الإنجليزى أوجب على جهة التحقيق أن تخطر المتهم بأنه ليس ملزماً بأن يقول كل شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى أن يتحدث ولكن كل ما سيقوله سيؤخذ كدليل في الدعوى الجنائية ، وفي القانون الفرنسي فان قاضي التحقيق ملزم بتنبيه المتهم الى حقه في التزام الصمت اثناء التحقيقات ، واذا لم يتم تنبيه المتهم الى هذا الحق فان مصير الإجراءات التي اتخذت بحقه والإجراءات اللاحقة البطلان . وفي كل الاحوال يجب ان لا يعاقب المتهم بالتاخير اذا كان سلوكه يتمثل في المطالبة بحقوقه القانونية مثل حقه في الصمت . اما سلوك السلطات : يتمثل في انها قد تتقاعس وتتباطأ في انهاء الاجراءات في وقت معقول لسوء ادارة نظم ومرافق العدالة الجنائية في الدولة ، وعدم وجود رقابة قضائية على المرفق القضائي ، وهذا يعتبر انتهاك صارخ لحقوق المتهم . لذلك نأمل ان يكون هذا المبدأ من المبادئ الراسخة في النظام القضائي وان يراعى ويحرس بالقيم والأخلاق والفطرة السليمة لأنه مقتضيات العدالة الجنائية .