عند البدء في إعداد الوليمة الضخمة لإحدى مناسباتنا العائلية، الخرطومية، فوجئت ربة الأسرة بتجمد محتويات (الديب الفريزر) الرئيسي من اللحوم( البيضاء)، وأصابها الهلع الشديد وسيطر عليها الخوف من( ضياع الزمن)، فاستجارت بالموجودين من الأهل وخصتني أنا بنظرة كلها توسل وبنداء (ملغوم): ما تشوف لينا حل يا(باشمهندس)!!! يقطع الهندسة وسنينها، الحاجة (مريم) دي بتسخر مني ولا شايفة فوقي طوق النجاة بحق وحقيق؛ هذا ما جرى به تفكيري الأولي ونحن متحلقون حول (الفريزر- الإسكيمو)، كمية من البشر رجالا ً ونساءًا وأطفالا ً، من كل الأعمار. بعد (هبش) الفراخ المتجمدة ومحاولة (عفصها) وجدت أنها أحجارا ً جليدية ً ليس إلا، بل أن (جليديتها) هذه انتقلت عن طريق اليد والنظر (والسمع لبعض الهمهمات)، في سرعة زمنية (أخالها- الأتوثانية، وحدة حساب الزمن التي لم تكن معروفة في تلك الأيام) لمركز التفكير الخاص بي دون غيري من الحضور، لتصيبه بالشلل التام وبالتالي خرُسَ لساني وكاد أن يُغمى عليَّ. (إنتبهت) فجأة على محاولة طفل في الخامسة من عمره يحاول أن (يتسلق) الديب فريزر ليرى ما( نراه نحن الكبار) قائلا ً بكل براءة: ما ترشوها بموية!!!!! آآآآآآه ثم آآآآآه ( يا كبار بلدنا)، فكلكم يعلم أننا نعيش وضعا ً يختلف عن حال الدجاج المتجمد أعلاه، فنحن جميعا ( آل السودان) نغوص ونتلظى في قِدْر ٍ كبير ٍ (بحجم قارة) مملوءٍ بماء ٍ يغلي، ونحتاج ل(فكر ٍ مختلفٍ) يأخذ بيد الجميع. والواضح تماما ً أن كل الأفكار المطروحة (من الكبار) لا تلقى قبولا ً من ( الآخر)؛ إما لتاريخية الصراعات الفكرية و( الأيدولوجية) أو للشعور بالفوقية ( متعددة الأسباب) أو للخوف من المكتسبات ( الآنية) باختلاف أنواعها أو للتبعية للغير(الداخلي والخارجي).. لقد كاد أن يتلاشى الحس الوطني لدى الجميع، مفسحا ً المجال لل(أنا) الفردية والحزبية والقبلية والجهوية.. ولقد أوشك الوطن على التفتت (بلا رجعة) ل(كيمان) متناحرة ولا أقول دول متجاورة فهذا لن يحدث (كما يأمل البعض)، والتاريخ (ذلك المهيمن على حراك الناس) لن يرحم؛ فكلكم يدرك من سيرة السابقين (أولاد الأبالسة) أثر أفعالهم وما ينالوه من لعنات عبر الزمان وأيضا ً عبر المكان (مسرح التاريخ).. أنه من نافلة القول التذكير بأن حال الوطن يسر العدو (كثير العدد) ولا يسر الحبيب (نادر الوجود) ف(الواقع) السياسي، واقعا ً فعلا ً تحت أقدام السياسيين وليس (مستورا ً) في حدقات العيون، وما ينطبق على الواقع السياسي يمتد أثره، فيبهت بالضرورة، على الواقع الاقتصادي ليصبغه بذات الصبغة، بل (ينداح) الأمر الجلل ليشمل الواقع الاجتماعي وغيره.. إنتباه أيها (السادة!!!) لنفصل قليلا ً حالنا الداخلي: 1. فقر وإفلاس سياسي حد التفرغ ل( المكاواة)، فتأمل .. 2. إنهيار إقتصادي وديون داخلية (بينية) وخارجية بأرقام لا يعلمها حتى أولي الأمر، فتمحن .. 3. تجني (جمعي) على نعمة الزراعة وعقاب سماوي مقابل، فلتستغفر ل(أخوانك) .. 4. خلل في فهم العقيدة والدين؛ ضرورته، أهدافه وقيمه (خاصة في التسامح واحترام الأخر) .. 5. جحود ونكران جميل لكل قيمة أو فعل أو حقيقة .. أنظر حال المعاشيين والكهرباء، وأبك ... أما حال من حولنا فنلخصه في: 1. توقف مباراة العرب (والمسلمين) ضد إسرائيل لحين خروج أحد حارسي المرمى الفلسطينيان!! 2. الجوار العربي في موقف لا يحسد عليه .. وكفى.. 3. الجوار الأفريقي، من سيء إلى أسوأ ومعظمه كان يعول على بترولنا، النقمة الأكبر!! حقيقة أننا لن نتجاوز ( الواقع) إن قلنا أننا في منحنى تاريخي، عصيب ومفصلي.. فأمامنا من الزمن أقل (نسبيا ً) مما (لم يجده) بطل رميتنا أعلاه، لنقرر أيها الكبار مصير الوطن، فنصير لأحد أمرين: الأمر الأول: القيامة الصغرى (الإنفصال)، أو حالة ال(لا سودان)، حيث لن تتصل الأنساب ولن تحترم الأعراف، فحتى قانون الغاب إن أُُستجديِّ من قِبل البعض فلن يجدوه .. وإن وجدوه فلن يغن من جوع أو يروي من عطش!! فأنه لا حول ولا قوة إلا بالله. الأمر الثاني: حالة الإدراك للمآل السابق حيث سيعمل البعض على تأجيل قيام (القيامة الصغرى) ولا يلغيها، وذلك بحلولٍ (مائعةٍ) تجعل من الأمة بأثرها تستعجل نزول البلاء بدلا ً من انتظاره، الأمر الذي يقتلها، بزوغ كل شمس وعند رواحها.. وجدتها.. وجدتها.. متسلقا ً لقِِدْر السياسة الذي يغلي، كما طفلنا متسلق (الديب فريزر)، أسمحوا لي وأسمعوا، يا كبارنا، بصياح (أرشميدس) المشهور: وجدتها .. وجدتها.. (( الحل، سادتي، يكمن في التسامح الديني والوطني والسياسي بالفعل وليس بالقول )) أهداف الحل: 1. الحفاظ على وحدة البلاد وإعلاء قيمة المواطنة. 2. التعايش السلمي وهجر التناحر والالتفات للتنمية. 3. العودة لمكانتنا الإقليمية المهدورة. 4. تأمين مستقبل الأجيال القادمة. 5. وقف إهدار ما تبقى من مال في الصرف على الانتخابات والاستفتاءات وتداعياتها. آلية الحل السياسي المقترح: يعتمد الحل المقترح على تسهيل الإنتقال من الحكم الشمولي للحكم الديمقراطي والذي يتواكب مع إحتمالات شطر البلاد لنصفين (غير متكافئين) أو لعدة أجزاء (لا رابط لها أو بينها، مستقبلا ً إن حدثت والعياذ بالله). وهنا لابد أن نقر ونعترف، جميعنا، بعدم جاهزية أي منا لإدارة كل السودان مجتمعا ً أو للجزء الذي (سيؤول له) حال(التشطر!!!).. والحل.. يكمن في تغيير نمط التكوين الرئاسي ومجلس الوزراء وولاة الولايات ووزراؤها ولنبدأ بالرئاسة: " شكرا ً الإنقاذ ثم شكرا ً المؤتمر الوطني وأجزل الشكر للأخ الرئيس عمر البشير، للفترة السابقة ب- حلوها ومرها." مؤسسة الرئاسة: الرئيس: تسمي الحركة الشعبية رئيسا ً للبلاد من أبناء الولايات الجنوبية مسلم الديانة.. نائب الرئيس: يسمي المؤتمر الوطني (الجامع) نائبًا أول للرئيس من غير أبناء الجنوب مسيحي الديانة.. أعضاء مؤسسة الرئاسة: بجانب الرئيس والنائب الأول تكمل مؤسسة الرئاسة على النحو التالي: 1. ممثل من المؤسسة العسكرية من السابقين أو الحاليين، نائبا ً للرئيس. 2. ممثل للإتحاديين، حال إتحادهم وبالعدم يشغر المنصب. 3. ممثل لحزب الأمة المتوحد، حال اتفاقهم، وبالعدم يشغر المنصب. 4. ممثل للأحزاب الأخرى بالاتفاق، وبالعدم يشغر المنصب. 5. ممثل للخدمة المدنية، بأحد أساطين الضباط الإداريين المتفق عليه، حيادية سياسية، ويفضل أن يكون من أبناء غرب السودان. رئاسة الوزراء: يسمي المؤتمر الوطني رئيسا ً للوزراء توافق عليه مؤسسة الرئاسة. الوزراء المركزيين: من التكنوقراط ويستعان بالمجالس المتخصصة لتسمية الملائمين لكل وزارة حسب التخصص. وكذا للوزارات السيادية. ولاة الولايات: من أبناء الولاية ولم يسبق له تسنم أي وزارة مركزية أو ولاية من قبل. الوزراء الولائيين: كسابقيهم المركزيين ومن أبناء الولاية المعنية. نٌذكِر بأن (مبحثنا) أعلاه يٌعنى ب: تغيير نمط التكوين الرئاسي ومجلس الوزراء وولاة الولايات ووزراؤها، وأرجو أن يؤخذ على أنه (عصف ذهني) لإيجاد حل أو مدخل حل لمشكلة مستعصية أثارها مدمرة ومتعاظمة مع مرور الزمن وأن دمارها يشمل كل الناس وكل الأرض ويتوغل في الزمان. والله خير شاهد على نية الكاتب. ملحوظة هامة: كتبت هذه المقالة قبل اكثر من 4 اشهر ولم يتسنى لي نشرها حتى تاريخه!! معماري/ أحمد عبد الحليم خليفة كاتب صحفي- ود مدني