هل كانت حركة العدل والمساواة في حاجة لأزمة (مواسير الفاشر) لتفجرها في وجه الحكومة وهي تعلن تجميد مشاركتها في مفاوضات الدوحة، وتعطيل قطار التفاوض (المتلكك) أصلاً والعاجز تماماً عن الوصول إلى محطته النهائية؟! والسؤال بصورة أشمل، هل كانت مفاوضات الدوحة في حاجة لمن يقوّضها ويعجّل بفشلها وهي التي تحمل بداخلها كل عوامل فنائها، من أطراف لا تتفق إلا في رمي الإتهامات المتبادلة فيما بينها.. فحركة العدل والمساواة تتهم الحكومة باستمرار بمهاجمة قواتها ومواقعها برّاً وجوّاً وقصف المدنيين هناك، برغم الإتفاق الإطاري واتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهما، وهو الأمر الذي شَكَت منه الحركة طوال الأسبوع الماضي، وأعقبته أمس الأول بإعلان تجميد مشاركتها في التفاوض إلى حين إشعار آخر بسبب تلك الهجمات، وبسبب أحداث الفاشر الأخيرة، معلنة أنها في حل عن أي إلتزام بالإعلان الموقع بوقف إطلاق النار بحسب بيان رئيس وفدها لمفاوضات الدوحة أحمد محمد تقد.. من جهتها لا تتلفت الحكومة وهي تنفي الأمر جملة وتفصيلاً، مؤكدة أن قواتها لم تقم بأي هجوم أو إعتداء على قوات الحركة، واصفة الأمر بأنه عار تماماً من الصحة، وأرجعت الحكومة على لسان رئيس وفدها في المفاوضات د. أمين حسن عمر قرار تجميد الحركة لمشاركتها في المفاوضات إلى تنفيذها لأجندة أحزاب بالداخل، ولعل الأمر هنا لا يحتاج لكثير ذكاء لمعرفة أن المعني بالأحزاب هنا هو المؤتمر الشعبي لا غيره. لكن الأمين العام للشعبي كمال عمر سخر من هذا الإدِّعاء ووصف وصول المفاوضات لهذه المحطة بأنه أمر طبيعي في ظل عدم جدية الحكومة في التوصل لسلام، خاصة وأنها لم تعد في حاجة لدفع مستحقات السلام بعد أن حسمت الإنخابات بطريقتها، مشيراً إلى أن إتفاق الدوحة الإطاري يحمل عوامل فنائه بداخله، لأن النقاط الأساسية المتعلقة بالأزمة جاءت مبهمة فيه، واتخذته الحكومة وسيلة للترويج للإنتخابات، وبذلت جهداً كبيراً لخلق رأي عام للترويج للرئيس في دارفور، و "حققت هدفها والسلام". وأضاف عمر في حديثه ل (الأحداث) أمس بأن منهج الحكومة قائم على حل الأزمات بالمارشات العسكرية، لذا "ليس لنا رجاء في هذه المفاوضات". ووصف عمر موقف حركة العدل بغير المتشدد، فهي لم تنسحب من التفاوض نهائياً بل رهنت مشاركتها بوقف اعتداءات قوات الحكومة عليها، وهذه الإعتداءات اعترفت بها الحكومة ضمنياً عندما أوضحت بأنه "ليس لدينا اتفاق لوقف اطلاق النار". وحمّل كمال عمر الحكومة مسؤولية التلكؤ والتطاول في أمد التفاوض، وذلك بارسالها لوفد تفاوضي أقرب للمراوغين منه للسياسيين، مضيفاً بأن "أمين حسن عمر مراوغ أكثر منه سياسي، وشخصياً ليس لدي فيه رجاء"، ولكن الحكومة "إختارته لتماطل في التفاوض"، مردفاً بأن د. غازي صلاح الدين هو الأنسب لقيادة التفاوض، لوضوحه ومصداقيته. ولم يستبعد عمر أن تسارع حركة التحرير والعدالة بالتوقيع مع الحكومة في أي وقت، لأنه ليس لديهم ما يخسرونه، فضلاً عن أنها حركة أقرب لجناح سياسي ليس لها قوة عسكرية ووجود مسلح. وقال عمر بأن حل أزمة دارفور لا يحتاج لكل هذه المطاولات والتلكّؤ، فهناك إقليم واحد وسلطة وثروة، والمسألة فقط تحتاج لقرار سياسي، وطالب بأن يتم اتخاذ نفس الموقف الذي تم به حل مشكلة الجنوب، خاصة وأن دارفور عرفت الحكم قبل الجنوب، وحينها - يقول عمر - يمكن أن تحل أزمة دارفور تلقائياً. وبينما يرى المحلل السياسي محمد عبد الله الدومة بأن إنسحاب حركة العدل من التفاوض نابع بالفعل من تعنّت وفد الحكومة بالدوحة ومماطلته في الوصول إلى نتائج، عاب د. يوسف بخيت الخبير السابق في الأممالمتحدة موقف حركة العدل بالإنسحاب من التفاوض، واصفاً إياها بأنها "أكبر من أن تكون عائقاً في المفاوضات"، وذلك لأنها تمثل "الأب الروحي لكل الحركات". ولفت بخيت في حديثه ل (الأحداث) أمس إلى أن كل المبادرات والإتفاقيات بشأن أزمة دارفور والتي فاقت ال (230) مبادرة فشلت جميعها في الوصول إلى حل، ولم تأتِ ب (شربة موية)، لذا فهو يرى بأن الحل يكمن في "أيدي المواطنين"، ولا بد أن تتحر ك منظمات المجتمع المدني وتفكّر في إجاد حل للأزمة. ويرى بخيت أن الدولة يجب أن تنظر للنقاط الإيجابية في الأزمة وتسعى لحلها ومعالجتها، مثل مسألة عودة النازحين، عوضاً عن التوقف في نقاط خلافية وصعبة مثل تقسيم السلطة والثروة.. وتوقع الدومة أن توقّع الحكومة اتفاقاً مع حركة التحرير والعدالة، لأنها "إعتادت على التوقيع مع الحركات الضعيفة"، لافتاً إلى أن المؤتمر الوطني يعتبر الاغلبية الكاسحة التي حققها في الإنتخابات تفويضاً له ليفعل ما يشاء بالسودان، ويستمر في سياسة إقصاء الآخرين. وكل ذلك يتم بمباركة من القوى الأجنبية وأمريكا تحديداً، مما انعكس سلباً على حركة العدل وأضعف قواها.. واعتبر الدومة تجميد العدل لمشاركتها نوعاً من الضغط على (الوسطاء المسهلين)، كيما يمارسوا ضغطاً أكثر على الحكومة، علّ ذلك يأتي بنتيجة إيجابية. وراهن د. يوسف بخيت على د. شخصية التجاني السيسي رئيس حركة التحرير والعدالة ووصفها بالشخصية المقبولة التي يمكنها أن تمثل (عنصر توحيد) بين الحركات المختلفة، وشدد على أنه يجب على حركته "ألا يستعجلوا في توقيع إتفاقية جديدة مع الحكومة "، مطالباً بأن يتخذوا من الإتفاقيات السابقة كإتفاقية ابوجا مرجعية لهم.. ولم يستبعد د. بخيت حدوث تقارب وإتفاق بين خليل وعبد الواحد، معتبراً الأخير رقم لا يمكن تجاوزه، فهو لديه سند شعبي كبير، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين يؤيدونه في دارفور، وهو الوحيد من قادة الحركات الذي يمكنه أن يدخل معسكرات النازحين في دارفور، وهو الأمر الذي تعجز عنه الحكومة نفسها. ... الآن لا يبدو أن تجميد العدل أو حتى إنسحابها من التفاوض بات يقلق الحكومة كثيراً، فبعد الفراغ من الإستحقاق الإنتخابي لا يوجد ما يشغلها الآن سوى تشكيل توليفتها الجديدة، وهذه لا مكان لحركة العدل فيها، بعكس ما كانت تكرره الحكومة قبل الإنتخابات من إمكانية إشراكها في الحكومة الجديدة.. ما يعني بشكل تلقائي إستمرار دواعي تمرد حركة العدل والمساواة الباحثة عن السلطة قبل الثروة. فهل يكون التجميد خروج من الباب الضيق، وتمهيد للتفرغ للعمل المسلح من جديد؟!