لا أعرف عن علوم الفلسفة كثيراً وبت أعتقد علي وجه التأكيد أن الفلسفة هي ممارسة يومية وتصقل تحت الضغوط . وعلي هذا أؤمن أن أبناء الشعب السوداني فلاسفة من الدرجة الأولي . وبالتأكيد يفهمون الواقع ومنه سياسة الانفصال في الجنوب وأن العبأ أصبح كبيراً والعالم يجري بسرعة في طريق النمو وتحسين أوضاع أبنائه . أبناء الشعب السوداني يفهمون ذلك جيداً وأن السياسة هي بالضرورة تحسين مستويات حياة أبناء شعبه . هذا يعني أن هناك حاجة ماسة لتحقيق ذلك ، أولها إيقاف نزيف الدماء في أرجاء الوطن . وثانيها إيقاف نزيف الأموال بأي صورة تحدث وتوجيهها إلي تحسين حياة أبناء الأمة . وقف نزيف الدماء يعني المصالحة بين أبناء الشعب وطوائفه . وهذا أمرا هاما في دارفور بالمقام الأول . لا يدخل في ذلك عناداً أو مكابرة ولابد من المصالحة تحت أي ظرف ولهذا يجب توفير الأرضية المناسبة . أما عن الجنوب فالأمور والظواهر كلها تشير إلي رغبة عارمة لسكانه في الانفصال . قصور النظر الذي غلب عليهم والمناخ السياسي والأحقاد القديمة التي تولدت خلال سنوات من الحروب الأهلية ولدت هذه المشاعر وأصبح من خطل الاعتقاد أنها يمكن تغييرها خاصة مع الدعاية بجدوى هذا الانفصال . لن أكتب كثيراً عن ذلك لأن في رسالتي الماضية عن تأييد الانفصال وعودة الكل إلي بلاده تلقيت الكثير من رسائل الشتيمة والقذف بكل الأصناف والأنواع وعرفت أن الموضوع قد وجع ناس كتار وعلي الأخص من يدعي دايفيد تاك . لا أريد قراءة المزيد من النبذ القبيح خاصة عندما يكتب باللغة الإنجليزية الركيكة والمقذعة ومن أنصاف المتعلمين . وأدون نقاطٍ هامة تعتمر في صدري رغم أن العديد من أبناء الشعوب السودانية يعلمونها جيداً : الأولي : وجود الشماليين في الجنوب كان مانعاً وحماية للعديد من الشعوب فيه وذهابهم سيكون انكشاف لهذا الغطاء . والمذابح التي ستلي ذلك ستكون كثيرة ولا تختلف كثيراً عن ما حدث في رواندا . يعزز ذلك الطبقة الحاكمة والثرية في الجنوب . وهي لا تعرف معني الأمة ولا الوطن وإنما تضع أمامها دائماً ما يحقق العائد بأي طريقة وكل السبل . النقطة الثانية ، أن الجنوب لن يرضي بالحدود التي سيتم ترسيمها حتي لو فعلت أمريكا والغرب كله ذلك لأن هناك اعتقاد دفين أن السودان كله لهم . النقطة الثالثة ، الحروب الداخلية حتما واقعة في الجنوب وسيزيد من ضعفه عدم وجود البنية الفوقية التي لا يمكن بنائها بين يومٍ وليلة وتحتاج إلي أجيالٍ لذلك . وهذه هي نقطة ضعف في الشمال الآن لأن هذه البنية الأخلاقية يتم القضاء عليها بمنهجية منظمة وتحت نظامٍ فاسد يحميه القانون . ولا يوجد سبب في بقاء الأمة السودانية الآن إلا بقايا الأخلاق والمؤسسات الدينية الراسخة التي تؤمن قوة تماسك للبلاد . وسبق لمفكر الحركة الإسلامية أن هاجم تلك المؤسسات ووصفها علنا في الصحف عام 1997 بأن الصوفية منها هي العدو الأول للحركة الإسلامية . ورغم صمته عقدا ونيفٍ من الزمن فقد عاد وهاجم الحركة المهدية والإمام محمد أحمد بصورة توحي بأن ما في القلب لم يتغير . النقطة الرابعة والأخيرة ، هي أن الجنوب مطمعاً لجيرانه وفي خلال ضعف النظام السوداني زحفوا علي بعض المناطق المتنازعة . لا يملك الجيش الشعبي القدرة علي خوض نزاعات خارجية وسيعاني من نزيفٍ في الموارد متواصل لكي يحمي الدولة الوليدة بعد انفصالها من الأمة . ولكن ذلك لن يحسم الأمور لأن الغرب سيحمي مصالحه بصورة مباشرة ويفتت الجنوب إلي ولايات يتم ضمها إلي الدول المجاورة التي لها كيانٍ مركزي قوي وتخضع لواشنطن مباشرةً . وفي الغرب هناك مخططاً جاهزاً لدول منطقة البحيرات وقد صمم قبل ما يزيد علي مائة وخمسين عاماً وحان الوقت لتنفيذه . ويأتي تنبعا لمنظمة كابتن بيرتون الذي كان من رواد اكتشاف منابع النيل وقال : أن من يتحكم في منابع النيل يتحكم في الشعوب التي تشرب منه . انفصال الجنوب هي الخطوة قبل الأخيرة في تحقيق ذلك . بقي الشأن الداخلي وهو في ما يتبقى من الأمة السودانية . الأمر الأول هو الإصلاح وبصورة حقيقية ورفع الغبن عن شعوبها ومحاولة دمجها في بوتقة واحدة تعني أمة بدون تفرقة ولا عصبيات . إذا كان هذا بمقدور عمر البشير فيمكنه الاستناد علي شعب قوي بدلاً عن إضعافه لكي يحكم هو وجماعته . وهذا حل مؤقت ولو طال الزمن لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ولا بد من العدالة . لا يمكن لعمر أن يستمر بأي شكل من الأشكال في نمط مماثل لما فعله من قبل . ولا بد له أن يتوجه إلي الشعوب السودانية ويعتذر ويبدأ في إصلاح حقيقي . إن لم يفعل هذا فإن السيوف مشرعة وتحيط به وبالسودان من كل الجهات ولن يحلها اللجوء إلي أولاد بمبة ولا غيرهم . الحل من الداخل وهو الإصلاح والعدالة ووقف النزيف الجاري الآن وتحقيق العدالة بأسس صحيحة وليس بمجرد القول . بب III MMM [[email protected]]