إن لم تكن صحفيا (مشاترا) أو (مناقرا) أو في أحسن الأحوال ناقدا وساخطا في كل الأزمان، لن تكون جديرا بالانتماء إلى بلاط صاحبة الجلالة.. مفهوم مغلوط يسري بين العديد من زملاء المهنة بأن الاعتدال والعقلانية تقلل من هيبة وقدر الصحفي.. بعض القيادات السياسية تدفع بالصحفيين نحو ذلك المفهوم.. فالصحفي (أبو لسان طويل) مهاب و(محترم) ويعمل له ألف حساب.. ليس بالضرورة أن يكون الاحترام نابعا من القلب، بل ربما كان ما يعتمل في قلب ذلك المسؤول أو القيادي السياسي عكس ذلك تماما، فالاحترام ضده الاحتقار!!.. أعتقد أن المشكلة ربما تكمن في تراجع مفهوم الصحافة الجادة، والصحافة الجادة آلية، تُحدّد مسؤوليتها تجاه تحقيق مفهوم الوطنية، وبدون ذلك وهذا ما يبدو شاخصا وواضحا من خلال العديد من مؤسساتنا الصحفية فإن اختلالا كبيرا يقع في منظومة العمل الصحفي في بلادنا.. الأمر المقلق وجود حالة من سبق الاصرار والترصد وأسلحة مؤججة ومشرعة في صحافتنا مقصدها بعث الإثارة ونشر القلاقل وهو أمر يدخل في مجال صناعة الخصومة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد. إن لم تتوفر قناعة بأهمية الكلمة المسؤولة، فلن نستطيع أن نتحدث عن مشاريع الإصلاح في بلادنا، والمرتكز الأساسي أن من يكتب الخبر أو المقال يدفع للمتلقي بمعلومة أو رأي وفق مهنية عالية مبرأة من الهوى ووفق نظرة ثاقبة وثقافة ودراية بما يدور، وإلا أصبحت الحرية عبثية تعصف بالمتلقين وتثير القلاقل والزوابع في ذهنه رياحا ومطرا. ليس بالضرورة أن يمهد مجرد استكمال الاجراءات القانونية والشروط المهنية الطريق لإصدار صحيفة أو مجلة فالأمر ليس هكذا؛ فكرة أو رغبة جامحة تُسيطر على شخص أو مجموعة أشخاص ويقررون بين ليلة وضحاها اصدار صحيفة يدفعهم حماس ضاري وخيال شاطح فالصحافة أقل ما يقال عنها أنها أصبحت صناعة.. وليس كذلك أن كل من حصل على القيد الصحفي أو أمسك بالقلم أصبح صحفيا مؤتمنا على القراء والرأي العام. الكتابة في كل عصر من العصور من أهم وسائل العلم والمعرفة، ومن الضرورة بمكان أن تكون سليمة ومعبرة، ليصبح ما نكتبه مستمرا في مضمونه ومؤثرا في غرضه، وقدرة كاتب على استخدام اللفظة المناسبة في المكان المناسب يمكنه ن بلوغ هدفه من الكتابة، وهو التأثير في القارئ.. والكتابة الجيّدة ليست موهبة إلهية، تتحكم فيها قوانين الوراثة والسلالات، فهي ليست كلون البشرة أو شكل العينين، إنما هي قدرة مكتسبة متاح للكل اكتسابها شرط أن تكون محصنة بقيم الصدق والنزاهة. Yasir Mahgoub [[email protected]]