لا استغراب في قرار فك الحظر عن صحيفة الانتباهة المتخصصة في شان الجنوب من قبل السلطات الأمنية، فالأمر منذ البداية، عبارة عن مسرحية هزيلة سيئة التخطيط و الإخراج نعلم دوافعها و لكن قد يسال السائل، هل انتفت الأسباب التي أدت إلي تجميد صدور الصحيفة؟ أم أن المسالة تندرج ضمن خطة المؤتمر الوطني لتهيئة الأجواء لخوض حروب جديدة ضد الجنوب حال حدوث الانفصال؟ إذن فصدور القرار كهذا و في هذا التوقيت من مدير جهاز الأمن و المخابرات الوطني بمباركة رئيس النظام يمثل دليل قاطع على وجود علاقة عضوية و خفية بين الصحيفة و المؤتمر الوطني رغم النفي المستمر من قبل القائمين بأمرها، و بعد اليأس و التوتر الذي أصاب أهل الإنقاذ من مؤشرات الانفصال القوية و فشلهم في التلاعب بقضية الجنوب في المنابر الدولية و الإقليمية كما جرى مؤخرا في نيويورك، و هو الدافع الحقيقي وراء نزعهم لحقيبة الخارجية من الحركة الشعبية في تشكيل الأخير للحكومة حيث كانوا يعتقدون أن بإدارتهم لوزارة الخارجية ستغير مجرى الأمور في البلاد لا سئما علاقتهم مع الغرب و ناسين أن نجاح السياسة الخارجية للدول تعتمد اعتمادا كليا على توجهاتها أولا و مدى انسجامها مع اتجاهات و رغبات المجتمع الدولي ثانيا.. و للمفارقات العجيبة، فقد هزمت الدبلوماسية التي سخرت لها الدولة إمكاناتها المادية و اللوجستية أمام حكومة ناشئة بدبلوماسيتها المتواضعة الإمكانات و الخبرة، حيث خرج المفوضين الحكوميين برئاسة النائب الثاني لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه رغم مجهدات هذا الرجل النبيل، خرج بحصيلة غير ملموسة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنها مثل قصة سباق السلحفاة و الأرنب حيث يحكي انه في يوم من الأيام أقيم سباق للعدو في الغابة وكان القرد مشرفا على السباق ووقعت القرعة على أن يتم السباق بين السلحفاة والأرنب شعرت السلحفية بالحزن لسخرية الأرنب منها واستهزائه ففهم القرد مشاعر السلحفاة ثم قال لا داعي لهذا الغرور والاستهزاء بالآخرين إنما يتم السباق للتسلية والمتعة واكتساب خبرات وتجارب جديدة في الحياة لم يفطن الأرنب لما قاله القرد بسبب غروره وإعجابه بنفسه ثم بدا السباق بينهما فنام الأرنب في الطريق لان السلحفاة بعيدة عنه كثيرا ثم نام طويل وغطس في النوم ومنافسته تمضي بسرعة حتى مرت من عنده وهو نام فنالت السلحفاة الكأس الكبير وفاز بالسباق الغير متكافئ.. و هنئا للحركة الشعبية على هذا النجاح الباهر الذي يضاف إلى نجاحاتها العديدة في المحافل الدولية منها أحكام طوق العزلة الدولية على النظام لمدة أكثر من عشرين عاما، و هي ذات الإستراتيجية التي يتبنها الآن ثوار دارفور الأشاوس. فعلى الحركة الشعبية لتحرير السودان أن تستعيد للمعركة الفاصلة بالداخل، تكون آلياتها الإعلام ثم الإعلام ضد المفتري المدعو الطيب مصطفي الذي يقود الحرب الإعلامية نيابة عن المؤتمر الوطني، فعودة صحيفته ليست من اجل الخبر الصادق و التناول الايجابي لقضايا الوطن بل لإثارة الأكاذيب و الافتراءات بحق حكومة الجنوب دون سواها و أهدفها التحريض و خلق الفتنة التي فشلت فيها الصحيفة منذ إنشائها و حتى اللحظة، فماذا ستفعل الصحيفة في هذه الفترة القصيرة قبل استفتاء جنوب السودان؟ و هل افتراءاته المتوقعة دوما ستغير قناعات الإنسان الجنوبي؟..لكن و بعد أسبوع كاملا من فك شفرة الصحيفة قد يلحظ القارئ الكريم معي أنها لم تعطي بجديد إخراجا كان أم أسلوبا و حتى فكرا كان غائبا في التناول الإعلامي للصحيفة، و هذا ما زاد المعاناة الذين يعولون عليها حيث يعتقدون أن عودتها – أي الصحيفة- سيحقق هدفهم المنشود المتمثل في توتير و زعزع الأوضاع بالجنوب..فالجنوب أيها السادة لم يعود إقليما ضعيفا كما يتوهمون بل أكثر تماسكا و استقرارا..إذن فكيف تقرى الصحيفة الحوارات الجارية الآن بين أبناء الجنوب كافة؟ و يبدو أن مفكري الإنقاذ لا يبذلون أي جهدا لتقييم الأوضاع السياسية في البلاد تقيما صحيحا حتى يخرجوا بإستراتيجية مدروسة و محددة و شامل.. و واقع الحال الآن في الإقليم يوحي بتبدد رغبة إنسانه في الوحدة، و أن حلم الدولة بدا يتوطد أكثر فأكثر في نفوس المواطنين الجنوبيين و باتوا لا ينظرون إلى عيوب حكومتهم الحالية، بل يعتقدون أنها حكومة العبور و تصريف الأعمال، و أن همهم الأكبر هو كيفية الوصول إلى الحرية الغير منقوصة و إقامة دولتهم ذات سيادة و أنهم غير معنيين الآن بمحاسبة الحكومة ..إذن على الإنقاذيين أن يغيروا آليات اللعبة هذه المرة، فضخ مزيد من السموم و التحريض عبر الصحف مثل الانتباهة إضافة إلى حشد إمكانيات الدولة فيما يعرف بتبصير المواطنين الجنوبيين بمخاطر الانفصال كما نراه ألان في وسائل إعلام المؤتمر الوطني المختلفة لم تعد تجدي نفعا، فمواكبة التطورات التي طرأت على الجنوب في جميع الأصعدة السياسية و الأمنية و الاقتصادية.. الخ يتطلب تجديد طرق مخاطبة إنسانه بالتي هي أحسن.. و المطلوب فقط طرح مبادرة سياسية جدية لتحقيق اختراق سياسي يمكن أن تغيير مسار تيار الانفصال الجارف و ليست التهديدات بحرمان الجنوبي من حقوق المواطنة أو التهديد بالحرب ضده، فقد يظن البعض أن عودة الانتباهة، صحيفة المؤتمر الوطني مجددا بعد استراحة المحارب سيرفع أسهم دعاء الوحدة بعد التراجع الملحوظ في الآونة الأخيرة.. فعلى الجنوب حكومة و شعبا مقاطعة صحيفة الفتنة و العنصرية..و هذه هي وسيلة حضارية للتعامل معها. Diadit Angong [[email protected]]