قال المفكر الفلسطيني الأستاذ عزمي بشارة: «إن النخبة المصرية التي لم تصنع الثورة تحاول أن تجد مخرجا للنظام. مصر ظلت لثلاثين عاما في مأزق وهي الآن تحاول أن تخرج منه، النظام هو من دخل المأزق الآن». ولكن الحقيقة أن الجميع الآن في مأزق، النظام ومعارضوه، والشعوب العربية، بل والعالم. سينتظر العالم الحلول المبدعة التي ستنتجها الثورة ليتأمل في نتائجها ليستخلص العبر والدروس اللازمة التي أزكت روح الثورة، ثم قادت إلى نتائجها أيا كانت. النظام المصري وهو يسعى للبقاء ينزلق يومياً لجوف مأزقه بتصرفات لا يمكن تصورها، وبذا يغلق على نفسه أبواب الخروج. يحاول النظام الخروج من باب القانون والدستور، وذلك ضد منطق الثورة، فالثورات لا تأبه بالقانون، بل هي مباشرة ضد القوانين، لأنها في الأصل نهضت من أجل تحطيمها. فكيف يظن النظام أن مخرجه من باب يقف الثوار أمامه لتحطيمه؟!. محاولة أخرى للنظام للخروج من باب التخويف بالفوضى والثورة، بمعنًى ما هي حالة فوضوية تسعى لبعثرة الأشياء لمحاولة ترتيبها من جديد بحسب ما يشتهي الثوار. فكيف للنظام أن يخيف الثائرين من فعلٍ ما نهضوا إلا لصناعته!! النظام يحاول أن يقدم بين يدي الأزمة تنازلات شتى، ولكن التنازلات لا تعني شيئاً للثوار، إذ إن هدفا وحيداً صدع به المتظاهرون ولا يزال النظام غير قادر على الاستجابة له بأي صورة من الصورة. وبذا بدا النظام عاجزا عن إيجاد مخرج آمن من مأزقه. معارضو النظام أيضا في مأزق، فالمعارضة لم تصنع الثورة إنما لحقت بها على مضض، ولا تكاد تصدِّق أن ثورة تنبعث من بين أقدامها دون أن تحس بزلزالها. وهذا هو مأزقها الأول، إذ وجدت نفسها في أتون ثورة لم تتوقعها. المعارضة قلبها معلق بالتحرير وعينها على مصالحها في الرئاسة، ولذا تهرول بين مجلس الوزراء وميدان التحرير لعلها تجد لها مخرجا يحفظ مصالحها ويجنبها غضب الثوار. لا الثوار قابلون بمساوماتها ولا النظام قابل للإقناع بإسقاط نفسه. وهذا مأزقها الثاني. الشعوب العربية وجدت نفسها في مأزق هي الأخرى, فالشعوب التي طالما استكانت تحت أقبية القمع، مدعية بأن لا سبيل لمقاومة الاستبداد، لأنها ضعيفة غير قادرة على مناهضة الطغاة المدججين بالسلاح والمال, ولكن فاجأها الثوار وهم يخرجون من أصلابها دون أن يمتكلوا سلاحا سوى فضاء افتراضي (الفيس بوك) وحين خرجوا للشارع ليواجهوا القوى المدججة بالسلاح القاتل، كانت حناجرهم وحدها السلاح الذي امتشقوه. وجدت الشعوب العربية نفسها في العراء تماما وتهاوت حجتها التي طالما تدثرت بها لعقود. فحجة أن الأنظمة الاستبداية تملك أسلحة لا تقاوم أصبحت الآن جزءاً من التاريخ، إذ تتعلق صناعة التاريخ الآن بالإرادة، والإرادة وحدها ليس سواها, هذا هو درس تونس ودرس مصر الآن ودرس كل الثورات في التاريخ.