انا استغرب من اولئك الذين غضبوا من تصريحات وزارة الخارجية السودانية واقرارها بأن بعض رعاياها في ليبيا شاركوا كمرتزقة مع النظام الليبي، علماً بان اغلب المتواجدين في ليبيا هم من دارفور (وما ادراك ما دارفور)، ناسين او متناسين ان وزارة الخارجية السودانية ما هي الا اداة من ادوات حكومة المؤتمر الوطني الحاكمة بأمر الله، خاصة بعد خروج الوزير دينق الور كوال وزير الحركة الشعبية من الوزارة والذي وصف من قبل بعض منسوبي المؤتمر الوطني بانه اسوأ وزير يمر على الوزارة في عهد الانقاذ وهم صادقون في ذلك لانه لم يخدم خط الانقاذ ابداً. في الوقت الذي عقدت فيه الانقاذ اتفاقيات أمنية مع النظام الليبي في بداية التسعينيات من القرن الماضي للحيلولة دون استخدام المعارضة السودانية ليبيا منصة انطلاق لاي عمل عسكري ولكن خاب ظنهم بانطلاق الشرارة الاولى في دارفور في 2001 والتي عكرت صفو العلاقة مع ليبيا ظنا منهم بان الدعم للحركات الدارفورية ياتي من ليبيا ناسين او متناسيين ان الجيش الشعبي لتحرير السودان لم ينسى ولن ينسى دارفور بعد محاولة الشهيد داؤد يحيا بولاد عام 1992. نعود لموضوعنا الرئيسي وهو لماذا اقرت الخارجية بوجود عناصر سودانية في كتائب امن النظام الليبي؟ ارادت الخارجية السودانية تحقيق اكثر من هدف من خلال هذا التصريح اولا: ابداء التاييد للانتفاضة الليبيية ان حق التعبير وبالتالي اظهار النظام السوداني بانه نظام ديمقراطي ومع الحريات العامة وبالتحديد حق التظاهر والتعبير عن الراي . ظنا منهم ان ذلك قد يغنيه من خروج الشارع السوداني في انتفاضة ثالثة ان اراد الحياة. ثانيا: الكيل بمكيالين للنظام الليبي الذي رفض للرئيس البشير حضور القمة الافريقية – الاوربية في طرابلس والتي اعتبرتها الخارجية السودانية صفعة في وجة السودان. تريد الخارجية السودانية ان تستنصر لاسلاميي ليبيا على حساب النظام الليبي والسودانيون المقيمون في ليبيا (وما اقبح من المستنصر له الا الناصر). ثالثا: النظام السوداني متمثلا في الحركة الاسلامية (ان وجدت) شارك في عملية 76 ضد نظام نميري ، وكما هو معلوم فان غازي صلاح الدين كان احد تلك الرموز، وبالتالي يريدوا ان يؤكدوا درايتهم بالمرتزقة ومعرفتهم لهم من ناحية ومن ناحية اخرى تدريب الشعب السوداني على استخدام هذا اللفظ ان حدث غزو للخرطوم لا سمح الله من قبل الحركات المسلحة في دارفور. رابعاَ: طالما ان حركة العدل والمساواة متمثلة في رئيسها خليل ابراهيم موجودة في ليبيا اذن اغلب الظن انه من مصلحتهم بقاء النظام الليبي وبالتالي الدفاع عنه كما فعلوا مع النظام التشادي ابان هجوم المعارضة التشادية على انجمينا. كانما يريدوا ان يصوروا بان حركات دارفور تحارب لبقاء الانظمة المستبدة بالوكالة. ان ظن الخارجية السودانية في محله وكان لابد من زج اسم حركات دارفور في مسألة الدفاع عن النظام القائم. ولكن تجاهلت الخارجية امرين اولهما ان النظام الليبي لا يدعم الحركات في دارفور لا عسكريا ولا لوجيستيا في الوقت الحاضر. ثانيهما ان الحركات في دارفور تعتبر نفسها حركات تحررية ضد نظام الخرطوم الذي تعتبره استبدادي وان تشاد حالة استثنائية، كما ان المعارضة الليبية تدعي نفس الادعاء اذن هناك قاسم مشترك بينهم. خامساً: والاهم متى كانت الخارجية السودانية تعمل لصالح السودانيون في ليبيا هل من خلال الطرد المذل للسودانيين في حقبة التسعينيات أم من خلال احداث الزاوية عام 2000 والتي راح ضحيتها الاف من السودانيون والافارقة بسبب ادعاء باطل من ان افريقي (عبيد) اغتصب فتاة ليبية او ان عصابة عبيدات نهبت وقتلت اسرة ليبية (حرة). وماذا كان رد فعل الخارجية السودانية ؟ مزيد من توثيق العلاقات مع ليبيا بل اخذ تعويض مادي من الضحايا (يقدر ب 4 مليون دولار حسب المصادر) لم يذهب منها شئ لاسر الضحايا. في احدى المرات التي حدث فيها كشة في ليبيا وكنت شاهد عيان تم كسر المعتقل المؤقت للترحيل وخرج من فيه من مختلف الجنسيات وتوجه السودانيون الى السفارة السودانية مباشرة لحمايتهم من الترحيل التعسفي حيث ان اغلبهم تم اعتقالهم من الشارع ولن يعطوا فرصة لاخذ اغراضه او طمانت عائلته لمن كانت له عائلة او حتى من ليس له مبلغ من المال في جيبه يستطيع تدبر امره. كان ذلك الحدث ابان فترة السفير هاشم السيد وما كان من السفير الا ان خاطب الجمع الغفير امام السفارة في غوط الشعال وقال لهم " ما قلنا ليكم ارجعوا السودان وما قاعدين تسمعوا الكلام" ثم جاء الامن الليبي وقاد هؤلاء السودانيين الى المعتقل كالاغنام وتم ترحيلهم الى الكفرة منهم من فقد عقله ومنهم من مات من المرض ومنهم من رحل تشردت اسرته وهو غائب. هذه هي الخارجية السودانية على الاقل في ليبيا ولم اسمع باحد يشكر السفارات، ربما لان اغلب من خرج من السودان هم ساخطون ومتضررون ومعارضون للنظام في السودان ولكن ايضا لم نرى ما يسر البال من وزارة الخارجية السودانية وربما البلد الوحيد الذي صدرت ضده قرارات اممية وعقوبات بسبب مواطنوه وربما ليبيا ستكون البلد الرديف. بلا ادنى شك سوف يدفع السودانيون في ليبيا الثمن غاليا من جراء تلك التصريحات ولان الخارجية السودانية لا تدرك السلوك الليبي الانفعالي والانطباعي في اغلب الاحيان فانها وضعت السودانيون بين مطرقة النظام وسندان المعارضة الاسلامية نسيت الخارجية ام تناست ان كثير من السودانيون والتشاديون يحملون الجنسية الليبية ومع ذلك يتعامل معهم المتظاهرون بانهم مرتزقة وهذا ضد حقوق الانسان فلم يقل احد للجنود الامريكان السود في العراق بانهم مرتزقة فلماذا في ليبيا؟. كما ان جنوب ليبيا كلها سود سواد اكحل وهم مثل السوانيون من دارفور او التشاديون الزغاوة والقرعان و النيجريون الطوارق وقبائل الفزان والتبون في الكفرة. ان تاكيد الخارجية السودانية جاء من خلال الجوازات التي عرضت في التلفاز وانا استغرب كيف لمقاتل مع النظام الليبي ان يحمل جواز سفر بلده مع العلم باننا لم نكن نحمل جوازاتنا الا خلال عملية الكشة لتفادي الاعتقال التعسفي. ان اغلب الظن ان هؤلاء المعتقلون الاجانب تم اعتقالهم من الشارع او داخل بيوتهم وتم استخدامهم اعلاميا من قبل المعارضة. كما كان يفعل النظام السوداني مع الجيش الشعبي عندما عرض صور اجانب تم اسرهم ويتبين فيما بعد انهم مقيمون يتم استخداهم من قبل فرع التوجيه المعنوي للجيش. الطامة الكبرى هي ان كل السودانيون في ليبيا عبيدات ولن يتم التفريق بين سوداني من دارفور وام من الشمالية خاصة ان وصلت التظاهرات الى العاصمة الليبية طرابلس. " ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا"