أن الثورات التي انتظمت في عدد من الدول العربية وسقوط عدد من أنظمة الحكم التي كانت تعتمد علي بقائها علي سدة الحكم علي أجهزة أمن الدولة و المخابرات قد طرحت أسئلة بالغة الأهمية حول دور هذه المؤسسات في الدولة و مقارنة حول الأدوار و المهام بينها وبين المؤسسات الأمنية و المخابراتية في الدول الديمقراطية و هل تلك المؤسسات الأمنية و المخابراتية هي مؤسسات دولة و تتم الرقابة عليها من قبل السلطة التشريعية و التنفيذية كما يحدث في الدول الديمقراطية أم هذه المؤسسات هي مؤسسات حزبية أخذت صفة حكومية بهدف التمويل من المال العام فقط ؟ أم أن تلك المؤسسات مهمتها الأساسية حماية النظام و إذا سقط النظام يجب حل تلك المؤسسات باعتبار أنها مؤسسات تابعة للحزب أو النظام المنهار و يجب أن تذهب معه و السؤال المهم أيضا هل هؤلاء الذين يستخدمون كل أصناف و أنواع التعذيب و يستمتعون و يتلذذون في ممارسته بسادية لا مثيل لها هل هؤلاء أناس لهم قيم دينية يحترمونها و أعراف و تقاليد اجتماعية و ضمائر إنسانية تؤنبهم عندما يمارسون تلك الأفعال أو حتى قيم إنسانية ووازع ضميري يحسهم علي عدم ممارسة تلك الأفعال؟ و يتساءل العديد من المواطنين هل هؤلاء فعلا تربوا وسط أسر لها أخلاقيات و قيم فاضلة أم هم كما يقول بعض الناس فئة من الناس ليس لهم أسر أو عشائر لذلك هم حاقدين علي المجتمع و أفراده و ليس لهم ولاء إلا للذي ينفق عليهم المال؟ لذلك هي مؤسسات تتشابها رغم اختلاف مجتمعاتها في عملها و أدوارها و المهام التي تقوم بها دون رقابة أو محاسبة لذلك طالبت الجماهير بحلها عندما سقط نظام نميري و تطالب الجماهير المصرية بحلها و محاسبتها وكذلك الحال في تونس و سوف يكون في ليبيا و اليمن و في كل دولة يسقط فيها النظام الديكتاتوري الذي يعتبر البئة المناسبة التي يعيش فيها هؤلاء الذين لا يترددون في التعذيب و القتل. و من الملفت للنظر أن خروج الجماهير للشارع و المطالبة بإسقاط النظام تتصدي لها تلك المؤسسات " الأمن- و المخابرات" بشراسة و لا تتردد في أطلاق النار دون أخذ أذن من القيادة العليا باعتبار أنها قد أخذت التعليمات مسبقا أن تستخدم كل الوسائل القمعية التي تصل حد القتل الفردي و الجماعي ضد الشعب إذا تجرأ و خرج رافعا شعار إسقاط النظام أو حتى الخروج احتجاجا علي بعض القرارات التي تتخذها القيادة التنفيذية و التي تؤثر علي معيشة هؤلاء المواطنين و استخدمت تلك الأجهزة في كل عمليات تزوير الانتخابات و اختراق المنظمات المدنية و تخريبها قد ثبت من خلال الثورتين التونسية و المصرية أن انهيار تلك المؤسسات و هروب منتسبيها تعني بداية السقوط و الانهيار للنظام و قد حدث إلي زين العابدين بن علي عندما هربت قيادات أجهزة الأمن بدأ نظام بن علي ينهار مما أضطره لكي يلتجئ إلي القوات المسلحة لكي تحفظ الأمن و تحافظ علي النظام المنهار و لكن رفض الجيش و مطالبة بن علي بالرحيل سقط النظام و لم تعد هنا ذكري لتلك المؤسسات سوي صيحات الجماهير و مطالبتها بمحاكمتهم باعتبار أنهم فئة أسقطت القانون وطبقت قانون العنف و انتهاك حقوق الإنسان و التنكيل و مطاردة المواطنين المعارضين. و في القاهرة كان الوضع مختلفا و أكثر ظلاما حيث استخدمت المؤسسات و خاصة " أمن الدولة" كل أنواع التعذيب و التنكيل ضد المواطنين و المعارضين و كان يشكل دولة داخل دولة حيث كان يستخدم جهاز أمن الدولة كل أشكال النهب و الاحتيال و القتل و التفجيرات و ترويع المواطنين و من خلال الوثائق التي أراد إعدامها ضباط جهاز أمن الدولة لكي يخفوا كل ممارساتهم غير الأخلاقية أنهم كانوا وراء السوق السوداء و المتاجرة في العملة و التفجيرات التي تمت في عدد من المناطق لكي يتخذوها ذريعة من أجل اعتقال الأفراد الذين يريدون اعتقالهم و أيضا كانوا وراء ممارسة عمليات البلطجة و التي استخدموها ضد الجماهير في ميدان التحرير بالقاهرة لذلك طالبت الجماهير من أجل حل الجهاز و محاسبة قياداته علي كل الجرائم التي ارتكبوها ضد المواطنين و المعارضين و ضد الدولة نفسها و الاستقرار و السلام الاجتماعي. كانت قيادات تلك المؤسسات عندما يمارسون تلك الأفعال يعتقدون أنهم يريدون حماية النظام من المخربين و العملاء و كانوا يصورون إلي حكامهم أنهم قادرون علي قضاء أية ثورة جماهيرية تتحرك و يملكون القدرات التي تفرق ملايين المتظاهرين وكان الحكام يثقون في حديثهم لذلك يعطونهم تفويضا كاملا و صلاحيات كبيرة تصل مرحلة تعطيل الدستور و القيام بالقتل لبعض الشخصيات و لكن في أول اختبار حقيقي مع خروج الجماهير تتراجع تلك المؤسسات و يظهر حجمها الطبيعي و يبحث كل منها علي منافذ للهروب. في السودان أيضا هذه المؤسسات لها تجارب لا تختلف عن تلك الدول ففي عام 1985 عندما قامت الانتفاضة و انحاز الجيش للشعب و انهار جهاز أمن الدولة طالبت الجماهير بحل الجهاز و استجابة قيادة الجيش المتمثلة في المجلس العسكري الانتقالي لمطالب الجماهير و قامت بحل الجهاز باعتبار أنه كان مؤسسة تابعة للنظام و ليس مؤسسة دولة مهمتها الأساسية حماية المواطن و حقوقه و حماية البلاد أنما كان همه الأول و الأخير هو حماية نظام المشير جعفر محمد نميري لذلك كان رأيا صائبا حل الجهاز وبناء مؤسسة علي أسس جديدة. بعد قيام انقلاب الإنقاذ جاءت بأغلبية الضباط الذين كانوا في جهاز أمن دولة في عهد الرئيس جعفر نميري و أسست بهم جهاز أمن الدولة علي ذات الأسس التي كان مكون بها و نفس المنهج السابق بهدف حماية النظام و العمل علي مطاردة المعارضين و المحتجين و بالتالي ارتبط الجهاز بالحزب الحاكم و بالنظام و ليس بالدولة و أصبحت مهامه الأساسية هي حماية النظام و هذا ليس من عندي إنما أكد ذلك السيد رئيس الجمهورية عمر البشير فبعد إقالة الفريق صلاح عبد الله قوش من رئاسة جهاز الأمن و المخابرات قال الرئيس البشير إن إقالة الفريق صلاح عبد الله من الجهاز ليس إبعادا له بل تكليفه بمهام أكبر أن كانت حزبية أو في الدولة كما حدث بالفعل للدكتور نافع علي نافع الذي أصبحت مهامه أكبر بعد إبعاده من الجهاز و هنا يتأكد أن أبعاد قيادات جهاز الأمن و المخابرات يستوعبوا داخل مؤسسة الحزب أو السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها الحزب و هنا يتأكد أن المؤسسة هي مؤسسة قريبة من الحزب الحاكم و بالتالي مهمتها الأساسية هي حماية النظام و الدفاع عنه كما أن الرئيس اعترف أمام مؤتمر الإعلاميين السودانيين بالخارج الثاني بالممارسات و الانتهاكات التي حدثت لعدد من المعتقلين والتي تمت في بيوت الأشباح و بعض المواطنين عذبوا حتى الموت كل تلك الأفعال الخارجة علي القانون و التي لم تقدم مرتكبيها إلي المسألة و المحاكمة تؤكد أن تلك المؤسسات مهمتها الأساسية هي حماية النظام و الدفاع عنه و ممارسة كل الأفعال التي تجعله في السلطة لذلك عندما تثور الجماهير و تطالب بحل هذه الأجهزة اعتقادا منها أنها مؤسسات متعلقة بأهداب النظام و إذا رحل النظام يجب أن ترحل معه لأنها أسست بهدف حماية النظام و تبق عندما يبقي النظام و ترحل عندما يرحل النظام. أم أن هذه المؤسسة سوف تتحول إلي مؤسسة قومية مهمتها الأساسية هي حماية الوطن و المواطنين و حمايتهم من المؤامرات الخارجية التي تحاك ضد الوطن و حماية الوطن من جماعات الإجرام التي تتاجر في الممنوعات و الذين يهربون الأموال و غسيلها و التهريب علي أن لا يكون لهم علاقة بالصراع السياسي الداخلي أو التدخل من أجل مصلحة حزب علي حزب و اعتقال السياسيين و مطاردتهم و تعذيبهم و ما زال هناك وقت لكي تتحول إلي مؤسسة قومية وطنية يفتخر بها المواطن و يبجلها باعتبار أنها تؤدي مهاما وطنيا في غاية الأهمية و لكن إذا خرجت الجماهير رافعة شعارات إسقاط النظام و تصدت لها جهاز الأمن و المخابرات بالعنف و القتل و الاعتقالات فتكون قد اختارت أن تصبح جزءا من الحزب الحاكم. نجد مؤسسات الأمن و المخابرات في الدول الديمقراطية ليس لها علاقة مباشرة مع الجمهور و هي لا تتدخل بالعملية السياسية في البلاد و ليست تابعة للنظام الحاكم أنما هي مؤسسات وطنية تجد الاحترام من كل أفراد الشعب باعتبار أنها مؤسسات وطنية لها مهام في حماية المواطن و الوطن من الخارجين علي القانون و المؤامرات التي تحاك ضد أوطانهم لذلك هي ليست مذكورة في حديث العامة لأنهم لا يعرفون عنها شيء أو عن نشاطها الخارجي ورغم أنها ليست تتدخل بالعمل السياسي و الصراع بين القوي السياسية و ليست لها علاقة بالحياة العامة و اليومية للمواطن و لكن هي تحت المراقبة ألصيقة جدا من الصحافة و أجهزة الإعلام و مراقبة من السلطتين التنفيذية حيث تكون مراقبة من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء و أيضا من السلطة التشريعية و بالتالي عملها مقيد بالقانون و لا تستطيع تجاوز المهام الموكولة لها بحكم الدستور و القانون. و لكن في دول العالم الثالث و خاصة في البلاد الديكتاتورية التي تحكم بنظام الحزب الواحد أو بنظام عسكري أو شبه عسكري كما هو في السودان فان مؤسسات الأمن و المخابرات مهامها الداخلية في مطاردة المعارضين و اعتقالات المحتجين هي مهامها الأساسية التي تقوم بها و بالتالي هي مؤسسات فاقدة الثقة بينها و المواطن و لا يأتي ذكرها و إلا تأخذ الإنسان قشعريرة من الخوف لآن بأفعالها و ممارساتها استطاعت أن تخرب العلاقة بينها و بين المجتمع فعندما يثور المجتمع أو ما يطالب به حل تلك المؤسسات التي ارتبط في ذهنه بكل حالات التعذيب و انتهاكات حقوق الإنسان و هي لا يمكن أ، تلعب دورا مثل القوات المسلحة من أجل مصلحة الشعب أنما هي دائما مع الحاكم فقط و حمايته و تدور معه أينما دار نسأل الله لهم ألهداية و إلي أنفسنا و الله الموفق zainsalih abdelrahman [[email protected]]