مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان في ظل الجمهورية الجديدة: دروس من التجربة الكورية (5-6) .. بقلم: د. آدم عبد الحميد
نشر في سودانيل يوم 29 - 09 - 2011

في إطار سرد الدروس المستفادة من التجربة الكورية، سيتم تخصيص هذه السطور لجهود توحيد شبه الجزيرة الكورية منذ انقسامهما إلى شطرين مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. وأشير هنا إلى أن مقالاً رصيناً ودسماً بما احتواه من معلومات للصديق الدكتور عماد الدين جوهر بعنوان (انفصال السودان وشبه الجزيرة الكورية: دراسة مقارنة) نشرته وكالة يونهاب للأنباء بُعيد الإعلان الرسمي عن انفصال جنوب السودان من الدولة الأم في يوليو الماضي، تطرق فيه إلى تجربتي التقسيم في كل من كوريا والسودان وأوجه الشبه ونقاط الاختلاف بين هاتين التجربتين، والجهود التي بذلت بغرض التوحيد لاسيما في كوريا وآفاق وفرص توحيد كل منهما في مقبل الأيام.
ولست هنا بصدد إعادة ما ورد في المقال المشار إليه بشأن تقسيم كوريا، وإنما التأكيد على ما جاء فيه من أن شبه الجزيرة الكورية ظلت موحدة لآلاف السنين، كما بقيت على ذلك إبان حقبة الاستعمار الياباني لها من 1910م وحتى 1945م. وقد بدأ تقسيمها إلى شطرين شمالي وجنوبي في أعقاب هزيمة اليابان التي كانت تحتلها آنذاك واستسلام هذه الأخيرة وانتهاء الحرب العالمية الثانية التي انتصرت فيها قوات الحلفاء في 1945م وخروج المستعمر الياباني، حيث اتفقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (آنذاك) على الإشراف على انسحاب القوات اليابانية، القوات السوفيتية شمال خط العرض 38 والقوات الأمريكية جنوب هذا الخط، وذلك إلى حين اتخاذ قرار بشأن خضوع كوريا للوصاية الدولية أو منحها استقلالها الكامل. وفي 1948م رفض الاتحاد السوفيتي مشاركة الجزء الشمالي في الانتخابات التي أعلنت الأمم المتحدة عن إجرائها في كل شبه الجزيرة الكورية. وهذا ما جعل الأمم المتحدة تعترف بجمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) بوصفها الحكومة الشرعية الوحيدة في كوريا، ومنذ ذلك الوقت أصبحت شبه الجزيرة الكورية مقسمة إلى ما يعرف بالكوريتين الشمالية والجنوبية.
وعقب ذلك خضع الجزء الواقع شمالي خط العرض 38 لحكومة مؤقتة تحت وصاية الاتحاد السوفيتي فيما خضع الجزء الواقع جنوبي الخط المذكور لحكومة مماثلة تحت الوصاية الأمريكية تحت إدارة حاكم عام. وبقيت قوات كل من الدولتين المذكورتين أعلاه إلى أواخر العام 1948م حيث أقيمت لجنة أممية مؤقتة خاصة بكوريا، وانسحبت القوات السوفيتية مخلفة وراءها بذرة دولة اشتراكية تحت قيادة مؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ"، كما انسحبت القوات الأمريكية بعد التمهيد لعودة "لي سونغ مان" من منفاه في الولايات المتحدة وتمكينه من السلطة ليصبح بذلك أول رئيس لكوريا الجنوبية.
وجاءت الحرب الكورية في صيف 1950م لتكرس هذا التقسيم، حيث شنت القوات الكورية الشمالية هجوماً على الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، ما أصاب سكان كوريا الجنوبية بالهلع وعمت الفوضى الشوارع. وقد أدى هذا الهجوم إلى اندلاع الحرب الكورية الشهيرة، حيث قامت قوات تابعة للأمم المتحدة (بالأحرى قوات أمريكية مدعومة بقوات بعض الدول الحليفة في إطار رغبة واشنطن في احتواء التوسع الشيوعي، معتبرة كوريا المكان الذي يجب أن يوضع فيه خط ضد المد الشيوعي) بمساعدة كوريا الجنوبية. ونتج عن ذلك أن اضطرت قوات كوريا الشمالية لتعود القهقرة إلى المنطقة شمالي خط العرض 38. وشاركت الصين في الحرب بدعم لوجيستي سوفيتي إلى جانب كوريا الشمالية، حيث أرغمت قوات الأمم المتحدة إلى العودة إلى جنوب الخط المذكور. نشير إلى أن هجوم القوات الكورية الشمالية على العاصمة سيؤول اضطر الرئيس "لي سونغ مان" للجوء مؤقتاً إلى مدينة بوسان على الساحل الجنوبي لكوريا الجنوبية حيث قام بتسيير شؤون حكومته من هناك، حتى قيام قوات الأمم المتحدة بطرد قوات كوريا الشمالية.
واعتباراً من صيف 1951م، هدأت وطأة الحرب إلى حد كبير على خلفية بدء المفاوضات بين الجانبين لوقف الحرب واستمر الوضع على ذلك حتى صيف 1953م حيث تبنت الأمم المتحدة مبادرة طرحتها الهند بإبرام اتفاقية هدنة في بلدة "بان منجوم" الحدودية، ما أدى إلى وقف إطلاق النار، واعتماد منطقة منزوعة السلاح بعرض 4 كيلومترات على طول الحدود الفاصلة بين الكوريتين.
ومنذ ذلك الوقت تمركزت القيادة الدولية التابعة للأمم المتحدة في البلدة الحدودية المذكورة بغرض الإشراف على تنفيذ اتفاقية الهدنة. وبقيت قوات مشتركة أمريكية كورية جنوبية وجهاً لوجه مع القوات الكورية الشمالية على مدار الساعة. كما أقامت الولايات المتحدة قواعد عسكرية متعددة لها في كوريا الجنوبية تحت ذريعة حماية حليفتها من أي هجوم محتمل قد تقوم به القوات الكورية الشمالية.
ونشير إلى أن الأطراف التي وقعت على اتفاقية الهدنة هي القيادة التابعة للأمم المتحدة من جانب، وكوريا الشمالية والصين من الجانب الآخر. وقد دعت الاتفاقية حكومات الدول ذات العلاقة – الكوريتين والصين والولايات المتحدة – إلى الانخراط في محادثات بغرض التوصل إلى اتفاقية سلام، إلا أن هذه الاتفاقية لم ترَ النور حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولذلك بقيت شبه الجزيرة الكورية من الناحية الفنية في حالة حرب حتى تاريخه.
ولم تفلح اتفاقية الهدنة في وقف إطلاق النار بشكل كلي ودائم في شبه الجزيرة الكورية، بل كانت هناك مناوشات واشتباكات متبادلة من حين إلى آخر بين قوات الكوريتين منذ ذلك التاريخ، ولعل حادثة إغراق البارجة الحربية الكورية الجنوبية في مارس 2010م وحادثة القصف المدفعي على جزيرة يون بيونغ الكورية الجنوبية في نوفمبر الماضي، ليستا ببعيدتين.
ويعتبر توحيد الكوريتين من الملفات المهمة عند الحديث عن الاستقرار السياسي في كوريا الجنوبية. ولا تعترف أي من الكوريتين بالأخرى، وتطلق كل منهما على نفسها اسم كوريا دون أن تشير إلى أنها الشمالية أو الجنوبية، حيث ترى الشمالية أن الشطر الجنوبي أرض عزيزة منها ستعود إليها طال الزمن أو قصر، كما ترى الجنوبية أن الأراضي الواقعة شمالي خط العرض 38 جزء لا يتجزأ منها وأن بقاءها على هذا الحال لا يعدو أن يكون بقاءً مؤقتاً، ويتفرع عن ذلك موقف سيؤول المتمثل في أن كل من يتسنى له الوصول من الكوريين الشماليين إلى أراضي الجارتين الصين واليابان أو أراضي كوريا الجنوبية يجب التعامل معه على أساس أنه كوري كغيره من المواطنين.
وإذا كانت شبه الجزيرة قد قسمت إلى دولتين في أواخر الأربعينيات، غير أن جهود توحيد هاتين الدولتين لم تبدأ إلا في عام 1972م في عهد الرئيس "بارك جونغ هي" حيث قام ممثلون عن كل من الكوريتين بزيارة عاصمة الدولة الأخرى بصورة سرية. وخلال هذه الزيارات اتفق الجانبان على إصدار بيان مشترك (Joint Communiqué) حدد معالم الخطوات التي يجب اتخاذها بغرض وقف العدائيات بغرض تحقيق وحدة سلمية بين شطري شبه الجزيرة الكورية. إلا أن هذا الاتفاق لم يكتب له أن يعيش طويلاً بسبب استياء الرئيس "بارك جونغ هي" من كوريا الشمالية والتقارب الذي تم بينها وبين المعارضين لحكمه، ما أحدث اختراق أمني في كوريا الجنوبية، كشفت عنه محاولة الاغتيال التي تعرض لها في 1974م والتي راحت ضحيتها عقيلته ورفيقة دربه.
وفي المراحل التالية لذلك استمرت جهود التوحيد من خلال رجال الأعمال في باديء الأمر، حيث قام مؤسس شركة هيونداي "جونغ جو يونغ" بزيارات لكوريا الشمالية تم خلالها الترويج لمشاريع سياحية مشتركة، ووافق كل من الجانبين في وقت لاحق على نزع الأسلحة، كما تمت لقاءات متعددة على مستوى رئيسيْ الوزراء من الدولتين والتي كانت بهدف تحسين العلاقات وتخفيف حدة التوتر. وخطى ممثلو الجانبين خطوات أخرى واعدة باتفاقهم على المصالحة وعدم الاعتداء والتعاون والتبادل. وكاد رئيس كوريا الجنوبية الأسبق "كيم يونغ سام" ومؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ" أن يعقدا أول قمة بين الجانبين لمناقشة المسائل السياسية والوحدة لو لا وفاة هذا الأخير في 1994م.
وفي أواخر الثمانيات من القرن الماضي اعتمد الرئيس الكوري آنذاك "روه تيه أوه" ما عرف بالسياسة الشمالية (Nordpolotik) والتي تقوم على تطبيع العلاقات مع حلفاء كوريا الشمالية، الصين والاتحاد السوفيتي، لفرض عزلة على كوريا الشمالية وجعل خيار تخفيف حدة التوتر العسكري ومن ثم التوحيد خياراً جاذباً.
ولم تبلغ جهود توحيد الكوريتين مداها إلا في عهد الرئيس الكوري الجنوبي الأسبق "كيم داي جونغ"، حيث اكتسبت هذه الجهود زخماً كبيراً، حيث استحدث وزارة خاصة تعنى بشؤون التوحيد في إطار الاهتمام الخاص الذي توليه حكومته لهذا الموضوع. وقابلت كوريا الشمالية ذلك بإنشاء ما أطلقت عليه اللجنة الكورية الآسيوية الباسيفيكية للسلام. ونجحت هذه المساعي في خلق تقارب على قدر كبير من الأهمية بين الجانبين، تكلل بالزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الراحل "كيم داي جونغ" إلى بيونغ يانغ في صيف العام 2000م والتي كانت الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس أي من شطري شبه الجزيرة الكورية إلى الشطر الآخر.
وخلال هذه الزيارة عقد الرئيس "داي جونغ" قمة مع الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ إيل" عرفت هي الأخرى بالقمة التاريخية، أصدرا خلالها إعلاناً مشتركاً انبثق عنه تنظيم برامج لم الشمل بين الأسر المشتتة بين الجانبين وبرامج تعاون اقتصادي وسياحي أخرى. كما مهدت زيارة الرئيس "كيم داي جونغ" في وقت لاحق لزيارة مماثلة قام بها الرئيس السابق الراحل "روه مو هيون" إلى كوريا الشمالية في 2006م عقد خلالها القمة الثانية والأخيرة بين الكوريتين مع الزعيم نفسه.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه هو أن جهود توحيد كوريا في عهد الرئيس "روه تيه أوه" ومن بعده الرئيس "كيم داي جونغ" قد انطلقت من تجربة توحيد الألمانيتين، حيث قام كل منهما باعتماد التجربة الألمانية بنسختين مختلفتين. ولكل من الكوريتين نظرتها الخاصة بإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية. فكوريا الشمالية تريدها دولة موحدة دكتاتورية اشتراكية، فيما تريدها كوريا الجنوبية دولة ديمقراطية ليبرالية يسودها حكم القانون وذات اقتصاد حر وسوق مفتوحة. وكما كانت هناك أيادٍ خارجية وقفت وراء تقسيم كوريا في 1945م وكذلك الحرب التي دارت رحاها بين الكوريتين فيما بعد (1950 – 1953)، حيث يُنظر إلى هذه الحرب على أنها حرب بالوكالة بين القوى الليبرالية والقوى الاشتراكية، في إطار رغبة كل طرف من هذين الطرفين في التوسع وزيادة نفوذه في شبه الجزيرة الكورية ذات الموقع الاستراتيجي، فإن رغبة كل من الكوريتين في إعادة التوحيد هي الأخرى تقف وراءها أطماع ومصالح بين نفس القوى التي كانت حاضرة ولاعب رئيس لحظة تقسيم شبه الجزيرة الكورية، لاسيما الدول الأربع الأطراف في المحادثات السداسية (الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا) التي انعكست مواقفها المبدئية من موضوع توحيد الكوريتين على تعاطيها مع ملف الأسلحة النووية الكورية الشمالية.
فالصين التي ترعى المحادثات السداسية، لا تمانع في توحّد الكوريتين إذا ما كانت كوريا الموحدة ستلتزم الحياد وتتبع دبلوماسية سلمية تجاه دول الجوار الآسيوية، وتقف على مسافة واحدة بين واشنطن وبكين، لا أن تنحاز إلى الأولى وتتعامل مع الثانية على أنها مهدد لها. ومن الواضح أن اشتراط هذه الشروط يجعل من الصين تتحفظ في دعمها لتوحيد الكوريتين. وهذا ما يعطي مسوغاً للكوريين الجنوبيين لتفسير موقف الصين بهذا الخصوص بأنه موقف متردد مقارنة بمواقف الدول الأخرى، وأنها تفضل بقاء الأمور على ما هي عليه في الوقت الحالي وذلك في إطار رغبتها في استخدام كوريا الشمالية لمواجهة تواجد القوات الأمريكية في المنطقة (كوريا واليابان).
أما اليابان فترى أن كوريا الموحدة، بما لدى كوريا الشمالية من مقدرات عسكرية وما حققته كوريا الجنوبية من نهضة اقتصادية صناعية، ستشكل مهدداً عسكرياً واقتصادياً لها، وهذا ما يفسّر فتور الحماس لدى طوكيو إزاء توحيد الكوريتين. ولذلك تقوم اليابان من وقت إلى آخر بإثارة ملفات تاريخية وأخرى أمنية بينها وبين الكوريتين، وخاصة مع كوريا الشمالية ومنها موضوع مواطنيها الذين تدعي قيام بيونغ يانغ باختطافهم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بغرض تدريب رجال المخابرات الكوريين الشماليين على عادات وتقاليد الشعب الياباني حتى يتسنى لهم دخول كوريا الجنوبية على أنهم سياح يابانيون والقيام بأعمال تجسس لصالح بلادهم. كما تعمل اليابان كذلك على إثارة ملف الصواريخ الكورية الشمالية وما تشكله من تهديد لأراضيها كمسوغ آخر لعدم حماسها، فضلاً عن ملف الأسلحة النووية والذي تشاركها فيه عدد من الدول الأخرى ومنبره المحادثات السداسية.
وأما الولايات المتحدة، فيمكن تفسير موقفها بأنها ترغب في تحقيق الوحدة بين شطري شبه الجزيرة الكورية إذا ما كانت هيمنتها وتأثيرها سيستمران في ظل الدولة الموحدة. وحتى في هذه الحالة فإنها لا ترغب في تحقق هذه الوحدة في الوقت الحالي انطلاقاً من حماية مصالحها الإستراتيجية في منطقة شمال شرقي آسيا. ولذلك تحرص واشنطن على إبقاء جذوة التوتر في شبه الجزيرة الكورية متقدة كمسوغٍ يبرر لها استمرار نشر قواتها في هذه المنطقة. ونشير هنا إلى أنه بموجب اتفاقية خاصة بوضع القوات الأمريكية على الأراضي الكورية الموقعة بين واشنطن وسيؤول (SOFA)، تلتزم كوريا الجنوبية بدفع مبلغ 360 مليون دولار سنوياً لواشنطن في إطار اقتسام التكلفة، أي حوالي مليون دولار كلما أشرق صبح، مقابل مشاركة القوات الأمريكية في حماية كوريا من أي هجوم محتمل قد تقوم به جارتها الشمالية كالهجوم الذي حدث في صيف 1950م والذي أدى لاندلاع الحرب الكورية. وهذا – أي تواجد القوات الأمريكية في كوريا – يعمل بصورة غير مباشرة على توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة لكوريا الجنوبية، إذ بغير ذلك تخرج كل رؤوس الأموال الأجنبية منها ومن ثم ينهار اقتصادها المعتمد أصلاً على الاستثمارات الأجنبية، مع وجود تفاهمات على فتح أسواق للصادرات الكورية في الدولة الموفرة لهذه الحماية، ومكاسب متبادلة أخرى.
ونصل أخيراً إلى موقف روسيا، والتي كانت حتى وقت قريب تفضّل بقاء الكوريتين على ما هما عليه، إلا أن تحوّلاً قد حدث مؤخراً بهذا الخصوص، حيث أصبحت تميل إلى تفضيل الوحدة، والأمل يحدوها أن تكون الدولة الموحدة قوية وأكثر استقلالاً في توجهاتها الخارجية وفي علاقاتها مع الدول الأخرى. كما ترى أن كوريا الموحدة قد تلعب دور "نقطة التوازن" في مواجهة تأثير كل من الولايات المتحدة والصين واليابان في المنطقة.
ولعل من الدروس المستفادة من التجربة الكورية أن التقسيم لم يخلف وراءه واقعاً جغرافياً جديداً فحسب، وإنما جعل شبه الجزيرة الكورية مسرحاً لنظامين اقتصاديين مناقضين، رأسمالي في الشطر الجنوبي واشتراكي في الشطر الشمالي، كما ترك بوناً شاسعاً في الظروف المعيشية لقاطني كل من شطري شبه الجزيرة الكورية، ويكفي أن نقول هنا إن كوريا الجنوبية قد أصبحت من الدول المانحة التي تعرض تقديم مساعداتها لمن يحتاج إليها، فيما بقيت جارتها الشمالية في مقدمة الدول التي تحتاج لمثل هذه المساعدات والمتلقية لها. وللسودان (الشمالي) أن يختار ما بين حال نظيره من حيث الموقع الجغرافي (كوريا الشمالية) وحال كوريا الجنوبية.
الدرس الآخر المستفاد من التجربة الكورية هو أن التفكير في الوحدة لم يبدأ مباشرة عقب حدوث التقسيم، ذلك أن التقسيم في التجربة الكورية والحرب التالية لذلك وما تركته من مرارات، جعلت من الكوريتين غير متحمستين في باديء الأمر للتوحيد، وذلك لم تبدأ جهود التوحيد بصورة جادة إلا بعد عقدين من الزمان بعد الحرب الكورية. كذلك فإن السودان وجنوب السودان بحاجة إلى بعض الوقت قبل التفكير في التوحيد بأية صياغة قد يتراضى عليها الطرفان، خاصة وأن نشوة (الاستقلال) التي يعيشها الأخوة الجنوبيون والدولة النفطية التي كانت من نصيبهم، تجعلهم لا يأبهون لأية دعوة للتوحيد على الأقل خلال العقود القليلة القادمة. فالأمر يحتاج إلى وقت حتى تمضي أجيال من الساسة وتأتي أجيال أخرى ذوات رؤى قد تختلف بعض الشيء.
كما أن بناء الثقة بين الدولتين يعتبر من الأمور الهامة، إذ بدون ثقة لا يمكن لهما السير في أي مشروع وحدوي، ففي كوريا كان الرئيس الأسبق "بارك جونغ هي" يجري اتصالات جادة مع كوريا الشمالية فيما كانت الأخيرة تستغل أي متنفس يتاح لها في توجيه ضربة له، كما رأينا في محاولة اغتياله. كما كانت تجربة توحيد الكوريتين دائماً مصحوبة بتعنت كوريا الشمالية وتلكؤها، وليس من المستبعد أن تصحب أية جهود وحدوية في السودان مثل هذا التلكؤ.
وقد يكون للتجربة الكورية في السير على تجربة توحيد الألمانيتين فائدة للسودان، حيث سارت كوريا الجنوبية في طرحها للتوحيد على هذه التجربة وذلك على الرغم من أن ألمانيا الشرقية لم تكن في ذلك الوقت مثل كوريا الشمالية من حيث الوضع الاقتصادي المتردي لهذه الأخيرة. أقول ذلك وآمل أن يكون حال كل من السودان وجنوب السودان مثل حال الألمانيتين قبل التوحيد، بغض النظر عمن يشبه الشرقية أو الغربية منهما.
وأخيراً فلا يمكن التغاضي عما يكون للدول الكبرى من مصالح في بقاء السودان دولتين، ولذلك فإن أية جهود للتوحيد ستواجه عقبات كبيرة مثلما تواجه تجربة الكوريتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.