انسحب رمضان بكل هدوء دون حركة أو جلبة أو ضوضاء على غير ما كنا نفعل في السودان، فكانت الزفة على المستوى الرسمي حيث كنا، تعزف موسيقى (البوليس) بقيادة (المايسترو) العم كودي، يرحمه الله، الذي يعرفه كل صغير وكبير في مدينة ودمدني، وكانت تدوي المدافع معلنة مقدم الشهر الفضيل، وكذا يستقبل العيد في (زفة) كبيرة، ولكن الآن ربما (شاخت) الكلمة وأكلتها عوامل التعرية، فلم يتبقى منها الا بعض الآثار ربما تكون في (زفة) العرسان التي (مصرت) (وحبشت) وشوهت. لا أتباكى على عهد مضى وانما هي لمحة لابنائنا وبناتنا الشابات لما كان عليه أمر استقبال شهر الصيام وعيد الفطر، والصورة (المفرحة) التي كانت تملأ جوانح الأطفال والصغار في تلك المناسبات والمواسم التي يطل فيها الفرح من دواخلنا وينداح الى ما ومن حولنا حتى الطير والشجر يفرح لها ويغرد: مناسبة يفرح لها الطير ويغرد ونحن نلعب بالوطني والمستورد والنسوة قد طربن فرحا وتزغرد والدراويش للنوبة ضربا وتردد الله أكبر له نذكر ونشكر وننشد فرحة لعلي أجزم بأن أطفالنا وكبارنا يفقدونها في هذا الزمان. مالي أرى القوم قد صارت فرحتهم (غورا)، و (انحسرت) البسمة من شواطئ شفاههم. قد يقول كثيرون في هذا الزمان تفشت الأمراض التي لم تكن معروفة من ذي قبل مثل الفشل الكلوي والسرطانات وداء السكري والتوحد بين فلذات اكبادنا الأطفال الذين يدخلون الفرحة والبهجة على بيوتنا. صحيح هذا القول الى حد ما. أعرف أسرا قد ضرب اطفالهم ذلك (التسونامي) المرضي، بل ضرب كل ما يملكونه من حطام هذه الدنيا و (مسخ) عليهم الحياة. ولكن على المجتمع واجب كبير سيما أفراده الذين بسط الله لهم سبل الرزق تجاه تلك الشريحة (الحبيبة) لنا من صغارنا. وبالفعل هناك ممن لانت قلوبهم وشعروا بمعاناة تلك الشريحة ولم يقصروا حيث انفقوا بسخاء وكرم لا مثيل له، ولكن هذا لايعني أن يكف الباقون ايديهم عن مواصلة العطاء، اذ أن الجهد الشعبي مقدر ورائد في غياب أو ضعف المد الرسمي. والأجر عند الله مضاعف. عليه دعونا أن نشحذ همم المحسنين ورجال الأعمال أن يكون العيد هو محفزهم وخير دافع لهم لوضع لبنة خيرية تتمثل في صندوق مالي يعمل على (رتق) ودعم الجهود المبذولة لمساندة أسر هؤلاء الأطفال والوقوف بجانبهم في سبيل درء خطر ذلك الداهم الذي تضاعفت ضحاياه من أطفالنا وصغارنا من أجل أن يكون طعم العيد في أفواههم حلوا. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، والتحية لكل من يعمل في كل مرفق خدمي أو طبي يقدم الرعاية لهؤلاء الصغار الذين أقعدهم المرض والظروف القاهرة الصعبة، وكل عام وأنتم والسودان وأهله بخير، ينعمون بموفور الصحة والعافية والاستقرار والأمن والسلام والسعادة، وكذا للمسلمين في كافة بقاع الأرض وأصقاعها.