(العيال كبرت) مسرحية مصرية ذائعة الصيت ومشهورة وقد شهدناها أكثر من مرة، وفي مصر يسمون الأطفال (عيال) والمفرد (عيل) وفي نفس الصدد أذكر ان أهلنا الشايقية يطلقون ايضا على الأطفال كلمة (العوين)، فكلمة العيال عربية أصيلة وهي من عال أي تكفل بهم وعيال الرجل هم الذين يتكفل بهم وتقول فلان عالة على فلان، أي هو الذي تكفل به وبمعيشته. ومن المعروف أن الانسان دون سائر المخلوقات يكون عالة لفترة طويلة على والديه، نرى معظم الحيوانات الأخرى تحاول الاعتماد على نفسها (بعبد) ولادتها فورا، ونشاهدها وهي تتدرب على المشي والجري ايضا. أما الانسان فيظل يعتمد على (عالة) والدته فترة طويلة وهو في المهد لايقوى على المشي. ونحن في صغرنا استشعرنا المسئولية منذ أن كنا (تلاميذا) في الابتدائية، وكنا (نوفر) من (حق) الفطور ونضع مبلغ التوفير في (خزانة) خشبية صغيرة مصمتة ومغلقة الا من فتحة في اعلاها (تمرر) الفلوس المعدنية، ولما تتجمع نقوم باستخراج المبلغ المتوفر منها ونشتري الأشياء التي نحتاجها. وهي خطوة (تربوية) مبكرة لتحمل المسئولية واستشعارها، ليس ذلك فحسب، بل كنا ونحن طلابا نعمل في العطلة الصيفية ونسهم في شراء بعض اللوازم المنزلية من قطع أثاث صغيرها وغيرها، تؤكد (مبدأ) تحمل المسئولية منذ الصغر. ولا تزال تلك الأشياء (عائشة) كرموز (حية) تجسد دورنا (الفعال) الذي اضطلعنا به ونحن في بداية (سلم) الحياة. أما معظم شباب اليوم، فحدث ولا حرج، ما شاء الله، على قدر كبير من اللامبالاة و (الانصرافية) و (الانهزامية) والاستهتار، وعدم تقدير المسئولية وتحملها مهما تقدمت به السن وارتقى على درجات (السلم) التعليمي أو الثقافي، بصرف النظر عن مرحلته (الثانوية) أو (الجامعية)، أو قل مرحلة التخرج والالتحاق بالوظيفة. لا يخطر على باله أبدا أن (يمد) يده، بأي شكل من الأشكال، الى (صندوق) المعيشة (الأسرية)، بل على العكس من ذلك، فقد تمتد يده للأخذ من ذلك الصندوق رغم علمه بحساسية ذلك التصرف وما قد يجلبه من (تعاسة) على (ميزانية) الأسرة، وقد تتعدى قائمة (طلباته) ومطالباته الأشياء الضرورية الى (بنود) الكماليات. فقد يعتمد الواحد منهم على (مجهودات) والده في تأمين العديد من لوازمه الاسرية، حتى بعد مرحلة (الاستقلال) بالزواج، ويظل ذلك (الحبل السري) ممتدا وموصولا بينه وبين والده دون أن يشعر بأي حرج أو (تقصير) في ذلك. وبدل أن تقل درجة (الاعتمادية) على الوالدين مع تقدم الأيام والعمر، بل على العكس من ذلك، نجد أنها تزداد وتكبر دائرتها وتتسع بتوسع اسرته هو بدل أن (تتقلص) و (تضمر) تدريجيا بشكل طبيعي. ولا بأس ان كان الوالد (مقتدرا) ولا تعاني (ميزانيته) من أي قصور أو عجز. لكن الواقع يقول خلاف ذلك، فالواقع الحياتي يعكس لنا العديد من الصور (المؤثرة) التي تحكي عن آباء، ظلوا (يجاهدون)، رغم ضيق ذات اليد وضعف حيلتهم، من أحل تحسين أوضاع اسرهم وأولادهم وعلموهم أحسن تعليم وأحرزوا نجاحات (يشار) اليها بالبنان، وتقلدوا مناصب رفيعة وعاشوا حياة سعيدة الا أنهم صاروا (جاحدين) منكرين لآدوار اولئك الآباء الذين ظلوا كما هم (يسعون) لطلب الرزق وأقواتهم رغم تقدم السن بهم، وصار مثلهم مثل (تور الساقية)، يعمل ويعمل لا يطمع في أن يجئ ذلك اليوم الذي يقول له (عياله) كفاك (عملا) لقد صرت (هرما) وآن الأوان لأن ندفع الثمن وترتاح كما ريحتنا. لقد (انتزعت) الرحمة من قلوب هؤلاء الشباب و (الأولاد). وأصبح أمر وحال أهلهم لا يعنيهم. يعيشون في (رغد) من العيش تاركين والدهم غارقا في (الشقاء) الى أذنيه حتى يوافيه الأجل المحتوم. انها ظاهرة موغلة في السلبية تجاه الوالد الذي كان جل اهتمامه تحقيق النجاح لأفراد أسرته ورعايتهم رعاية كريمة، يجب أن تختفي تماما من مسرح حياتنا العامة، وبالله التوفيق والسداد. alrasheed ali [[email protected]]