كنت قد تطرقت في مقالين سابقين إلى سلبيات سياسة التمكين والتي كان ظاهر جبل جليدها الطافح على السطح هو قطع أرزاق أعداد كبيرة من العاملين بالدولة عند مجيء الإنقاذ بإسم الصالح العام صحيح أن ضرر ذلك كان مزدوجا ومباشرا على هؤلاء المواطنين كونهم فقدوا أهم مصادر دخلهم وانضموا إلى طبقة الفقراء والمعوذين والضرر الثاني كان على الوطن كون الوطن إفتقد تلك الأعداد الكبيرة من الكفاءات التي صرف عليها الكثير في شتى التخصصات وخلال فترة وجيزة كان لها أثرها السالب على تسيير العمل بدولاب الدولة خاصة إذا علمنا بأن البديل كان معظمهم من كوادر المؤتمر الوطني من ذوي المؤهلات والخبرة المتواضعة والذين كان معيار إختيارهم هؤلاء وحتى لو إفترضنا بأن العملية هي عملية إحلال عادية مثل العملية التي تمت عند سودنة الوظائف بعد خروج الإستعمار فكان من المفترض أن تتم بالتدرج وبعد عملية أعداد البديل وهو مايعرف (بالتخطيط التعاقبي )هذا جانب يعتبر ذو أثر وقتي على الخدمة المدنية ودولاب الدولة أما الجانب الأخطر والممتد اثره في المستقبل فهو تبعات سياسة التمكين اللاحقة والتي ظهرت نتائجها في التردي الذي حدث لكل مرافق الدولة من خدمات وتعليم وصحة وإقتصاد وغيره بسبب إنهيار منظومة الخدمة من هياكل تنظيمية ولوائح وتدرج هرمي للاختصاصات والصلاحيات وقاعدة الرئيس والمرؤوس وغيرها من الأنظمة التي طمست بواسطة من قلدوا مسئوليات اكبر بكثير من قدراتهم ومنحوا صلاحيات تتجاوز حدود إختصاصاتهم وقدراتهم الفنية ولم تعد الوظيفة معلومة المعالم من حيث تحديد المهام والواجبات(الوصف الوظيفي) وتحديد العلاقة بين الرئيس والمرؤوس والقسم والقسم الآخر داخل الإدارة الواحدة والعلاقة بين الإدارة والإدارة الأخرى داخل المصلحة أو الوزارة وهكذا وفي غمرة تلك الفوضى إختلط الحابل بالنابل وأصبح الموظف لا يعرف ماهي أهداف وظيفته وماهي مهامها وصلاحياتها وأصبح كالدمية يتلقى التعليمات من أعلى(عالم المجهول) من الجهات النافذه والتي لاتحد صلاحياتها حدود مما يجعله أكثر اطمئنانا بأن يتصرف كيف ماشاء ولنأخذ مثلا موظفي المحليات والوحدات الإدارية في العاصمة والمنوط بهم تقديم شتى الخدمات للمواطنين فواضح من التعليمات التي يوجهها كبار المسئولين عبر أجهزة الأعلام وأنظروا إلى توجيهات والي الخرطوم خلال كوارث الأمطار الأخيرة (وجه الوالي المحليات بإعداد وزيادة آليات تصريف المياه) لماذا ينتظر هؤلاء الموظفين توجيهات الوالي أو المعتمد حتى يقوموا بواجباتهم الوظيفية إذن تلك الواجبات الوظيفية غير معروفة لديهم ولا يوجد نظام إشراف يقوم به رؤسائهم قبل أن يتدخل الوالي ويوجه الموظفين للقيام بإداء عمل تنفيذي روتيني هو من إختصاصات موظفي البلديات في كل الدنيا ولم نسمع في أي بلد غير السودان بأن الرئيس يوجه الوزراء للقيام بكذا والوزراء يوجهوا مدراء الإدارات لعمل كذا وهو تصرف يدل على أن لاأحد يعرف أهداف ومهام وظيفته ولايوجد رئيس يشرف على أداء مرؤوسيه للتأكد من أنهم أنجزوا العمل حسب الخطط المرسومة(إذا كانت أصلا توجد خطط) والعمل كله يؤدى بصورة عشوائية وكل الجيوش الجرارة من موظفي المحليات يذهبون في الصباح إلى مكاتبهم ولا أحد يعرف ماهي خطة عمل اليوم وماهي الحصيلة في نهاية يوم العمل غير إهدار الوقت وإهدار موارد الدولة وهو ماأدي إلى حدوث ظاهرة العطالة المقنعة ولا يستغرب أحد إذا وجد (دلالة العدة )والملابس والملايات في المكاتب على عينك ياتاجر أما الجادون من بقية الموظفين فهم خارج المكتب لتقديم واجب العزاء لأحد زملائهم أو زيارة مطاعم السمك التي ملأت العاصمة ولا أحد يستطيع أن يلومهم في ذلك لأن المسألة (جبانة وهايصة ) وياتي موسم الأمطار وغيره من المواسم وكأنه الموسم الأول ولم تكن لنا تجارب نستفيد منها ونعد الخطط لمقابلة الموسم الجديد ولن يحدث ذلك مادام بيت الخدمة المدنية خرب ونتحدث دون إستحياء عن الحكومة الإلكترونية وشهادات الآيزو والكلام الكبير الفارغ ويستغرب الإنسان عن مانسمعه من خطط التدريب فكيف ندرب شخص لايعرف في الأساس مهام وظيفته لنعرف ماهي الفجوة بين متطلبات الوظيفة وما لديه من إمكانات خاصة إذا أخذنا في الإعتبار ضعف مخرجات التعليم ومستوياته- ورحم الله إمرئ عرف قدر نفسه ونسأل الله السلامة [email protected]