السودان..انتحار موظف أجنبي وفرض سيّاج من السرية حول الحادثة    مسؤول مصري يكشف عن تحرّكات لإيقاف حرب السودان    التوقف الدولي وغرف الإنعاش    أخطَاء دُيوف هَل تَحدث في السِّر؟    المسابقات تعاقب التحرير وتعتبره خاسراً أمام النيل وتوقف لاعبه لمدة عام    شاهد بالصور والفيديو.. بعد توقف دام لأكثر من عامين.. مطار الخرطوم يعود رسمياً للعمل ويستقبل أول طائرات ركاب    شاهد بالفيديو.. عرسان الموسم "أحمد ولينا" يتشاركان الرقص على أنغام فنانة "دلوكة"    شاهد بالفيديو.. عرسان الموسم "أحمد ولينا" يتشاركان الرقص على أنغام فنانة "دلوكة"    بالصورة.. الفنانة رؤى محمد نعيم تفاجئ الجميع وتلمح لإعتزال الفن (ربنا يسخر لى أي عمل أو شغل غير الوسط الفنى قولوا آمين)    شاهد بالفيديو.. بعد ظهورهما في الحفل الضجة.. الفنانة ندى القلعة تتحدث عن الفنان محمد بشير: (حمودي دا ولدي والله) والأخير يرد: (في احترام الكبير وفي أصول) وساخرون: (شريف الفحيل ما بنوم الليلة)    بالصورة.. الفنانة رؤى محمد نعيم تفاجئ الجميع وتلمح لإعتزال الفن (ربنا يسخر لى أي عمل أو شغل غير الوسط الفنى قولوا آمين)    شاهد بالفيديو.. بعد ظهورهما في الحفل الضجة.. الفنانة ندى القلعة تتحدث عن الفنان محمد بشير: (حمودي دا ولدي والله) والأخير يرد: (في احترام الكبير وفي أصول) وساخرون: (شريف الفحيل ما بنوم الليلة)    المريخ والهلال يطلبان المشاركة في الدوري الرواندي    وزير العدل يدشن امتحان تنظيم مهنة القانون دورة أكتوبر 2025    الوجه المظلم للأدوات الرقمية في العمل    الإمارات: إصدار وثيقة العودة في حال فقدان جواز السفر لحاملي الإقامة الذهبية مجاناً وخلال 30 دقيقة فقط    رحيل ليونيل ميسي فجّر أزمة "ركلات حرة" في برشلونة    فينيسيوس يقتحم قائمة الأغنياء خلف رونالدو وميسي    يامال وراء تراجع برشلونة عن ضم جوهرة البرازيل.. واللاعب يرد عمليا    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    وزارة الثقافة والإعلام والسياحة توضح أسباب غياب بيانات الناطق الرسمي    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    الرئيس التركي: الصراع في السودان"يؤلمنا بشدّة"    شاهد بالفيديو.. بفضل هدف محترفه المالي.. الهلال يكسب البوليس الكيني في معقله ويضع قدماً في المجموعات    الذهب السوداني.. لوبيات تتحكم وسلطة خانعة    القبض على الفنانة عشة الجبل    محافظ بنك السودان المركزي تلتقي مديري عموم المصارف وتؤكد على الإصلاح المؤسسي واستقرار النظام المصرفي    إيقاف جميع التعاملات النقدية في ولاية سودانية    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    ولاية الجزيرة تُصدر قرارًا بإيقاف التعاملات النقدية وتفعيل التحصيل والسداد الإلكتروني    هل يصل الذهب إلى 100 ألف دولار؟    علماء يكتشفون فوائد جديدة للقهوة    "الصمت الرقمي".. ماذا يقول علماء النفس عن التصفح دون تفاعل؟    محل اتهام!!    شريف الفحيل: تهديد جمال فرفور سبب مغادرتي السودان وتقديمي اللجوء في كندا    رحيل علي «كايرو».. نهاية حكاية فنان أثار الجدل وكسب القلوب    السودان يدعو العرب لدعم إعادة تعافي القطاع الزراعي في الاجتماع الوزاري المشترك الثالث بالقاهرة    بنك الخرطوم يعيد تشغيل فرع الكلاكلة: إيذانًا بعودة الحياة الاقتصادية    وفاة صحفي سوداني    لجنة أمن ولاية نهر النيل: القبض على مطلق النار بمستشفى عطبرة والحادثة عرضية    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة تهاجم الناشطة "ماما كوكي": (تسببتي في طلاقي وخربتي بيتي..ما تعمليني موضوع وتلوكيني لبانة وشريف الفحيل دفعتي)    الفنان علي كايرو يكتب رسالة مؤثرة من سرير المرض: (اتعلمت الدرس وراجعت نفسي وقررت أكون سبب في الخير مش في الأذى وشكراً الشعب السوداني العظيم) والجمهور: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)    قوات الطوف المشترك شرق النيل تدك اوكار الجريمة بدائرة الإختصاص وتوقف (56) أجنبي وعدد من المتهمين    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    احبط تهريب أخطر شحنة مخدرات    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    حادث مرورى لوفد الشباب والرياضة    عملية أمنية محكمة في السودان تسفر عن ضبطية خطيرة    السودان..محكمة تفصل في البلاغ"2926″    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية آخر السلاطين لمنصور الصويم: التفسير السردي للتاريخ .. بقلم: ناصر السيد النور
نشر في سودانيل يوم 01 - 11 - 2014

منذ صدورها هذا العام عن دار أوراق للنشر بمصر، شكلت رواية (آخر السلاطين – حروب السلطان علي دينار على تخوم مدافن السلاطين) للروائي السوداني منصور الصويم حضوراً بارزاً في المشهدين الثقافي السوداني والإقليمي العربي. وسبق صدور هذا العمل بفارق زمني قصير روايته " أشباح فرنساوي".
والرواية في الأصل منحة حصل عليها الصويم من الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق كمقترح تقدم به لكتابة رواية عن السلطان علي دينار آخر سلاطين سلطنة دارفور 1445 م -1916م بالسودان. ويعد هذا العمل الرابع في سلسلة مشروع الصويم الروائي و تُرجمت أعماله السابقة إلى اللغتين الإنكليزية و الفرنسية. نحاول هنا مقاربة الرؤية التي حاولت الرواية مرتكزة على شخصية تاريخية أحاطت بها أحداث شكَّلت سجلاً تاريخيا تمدَّد في تاريخ و جغرافية إقليم دارفور. و نشير إلى أن مقاربتنا للرواية ليست قراءة نقدية قائمة على تشريح النصَّ السردي وفق معايير النقد التقليدي بقدر ما هي مداخلة في استجلاء الأبعاد التاريخية و مدى استجابة الرواية لها.
السرد والتاريخ:
قد لا تتزامن الاحداث بين وقعها في التاريخ بما هو وقائع موثقة متعينة في التسلسل الزمني، وبين تأويلها كأحداث في النصوص بما يجعلها مستوثقة من حيث المصدر والفعل، أي الحدث التاريخي في المطلق. وبعيداً عن عقل التاريخ إن جاز إحالة التفسير الفلسفي لأحداثه (فلسفة التاريخ) يتقاسم السرد كل من متن التاريخ و النصَّ الروائي وأن بقي المصدر الذي تنبثق عنه المرويات التاريخية واحداً يوحي بالحدث التاريخي ومن ثَّم يندرج تحت التأويل الروائي للتاريخ و تفسيره. فتفسير الحدث أو وضعه في إطار نصِّي آخر بعيداً عن المرجعيات التاريخية كالسير والتدَّوين قد يتقيد بالإضافات التي يضعها الراوي للحدث وفق البنية التي يرتئيها. وهكذا تمَّ الفصل بين مهمة المؤرخ كمسجل لأحداث للتاريخ و عناصره ، وبين الرؤية التخييليِّة (الإبداعية) للتاريخ كما يستوحيها الروائي سردياً. ومن هنا تباعدت المفاهيم السردية في إجراءاها البحثي في ما هو انساني أولاً كمشترك عام بين التاريخ و الزاوية التي تفسره من حصرية الوثائق إلى تأويله فنياً، و من هنا زحف المصطلح النصيَّ لمفهوم التأويل من حقل الدراسات الثيولوجية إلى النصوص الإبداعية. فأصبح التأويل مقابلاً للتحليل النقدي في حقل الدراسات النقدية كما لو كان – خاصة النقد العربي – التحليل النقدي للنصوص أصبح مرادفاً لعلم الدراسات النقدية في جانبها التطبيقي (دراسة النصوص السردية).
ومع أن الفصَّم يتعذر بين الرواية والتاريخ من الوجهة التاريخانية Historicism في حال استخدام الزمن في السرد الروائي، و نزّع الاحداث بإحالتها على الحاضر؛ فالرواية أو الحكاية هي التاريخ كما في حقلها اللغوي الدلالي في بعض اللغات تطلق على التاريخ أو القصة histoire وهي الدلالة ذَّات الإبانة الجليِّة في الصلة بين نصيِّن يتبدلان الدور و الفهم و التفسير . و ما يحكمُ التاريخ من حيث أنه تأريخ الفعل البشري بعيداً عن تدخلات العوامل الخارجية و خاصة الميتافزيقية على الأقل عند تفسير الفعل التاريخي الأمر الذي دارت حوله الغاية أو الفكرة من التاريخ بعبارة فيلسوف التاريخ الإنكليزي كولنجوود، أو لا يزيد (التاريخ) عن أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأولى بقول ابن خلدون. وفي مقابل هذا الانتزاع العلمي التجريدي، نجد أن النصَّ الروائي يرصد و يورد هذا الفعل دون تدخل لتحليله مباشرة أو تحليله عبر أدوات أخرى تختلف في التفسير و تتقارب في ارتياد الآفاق السردية و التاريخية. وبما أن التفسير قد أقصى عن مهمة الرواية من قبل المؤرخين، و أصحبت مهمة مقتصرة على التاريخ النظري في الإجابة على كيف حدث و لماذا حدث العفل التاريخي. وعليه يبقى تفسير الرواية تفسيراً غير مباشرا يتخذ من تحليل الاحداث هدفاً تنزع اليه الرواية، و على التخصيص الرواية التاريخية.
الشخصِّية الروائية في محور التاريخ:
قصة الرواية – وفقاً لتصور المنحة-تتبع صعود و سقوط السلطان علي دينار ، أي بالمفهوم التقليدي التاريخي رصد و توثيق وقائع تاريخية و التوثيق لشخصية لعبت دوراً محورياً و إعادة تفسير بعدها التاريخي سرديا. فالرواية محاولة لإعادة اكتشاف وقائع تتصل بتاريخ شخصية حقيقية أنجزت فعلها البشري في مسَّار تاريخي محدَّد وفق زمن معلوم! وقعت أحداث الرواية بين طبقات تاريخية تراكمية مستوثقة المصادر من حيث الأداء التقني لكتابة التاريخ Historiography لتحيط بالشخصية التي ابنت عليها الأحداث التاريخية و أثرها عليها؛ و من ثَّم استعادة تلك الاحداث و الشخصية الفاعلة (شخصية السلطان) إلى بنية السرد الروائي وفق البنية الروائية التأويلية للأحداث ذاتها. فهي من جانب كتابة تاريخية بتوثيقها لشخصية السلطان وسلطته – تاريخ السلطة – وتاريخ اجتماعي يبحث عن مصائر و حيوات بعيداً عن السلطة أو تفسيرها بمنحى سردي. إذٍ رواية آخر السلاطين محاولة روائية جريئة أدمجت السرد الروائي في طبقات التاريخ بتوظيف كل من المادة التاريخية بالبحث استقصاءاً للواقعة التاريخية، وإعادة تفسيرها في سياق سردي ابداعي لا يعيد تشكيل الاحداث، بل ينزع إلى مقاربتها بأسئلة الرواية، و تصوراتها الفنية. وتكمن حساسيِّة المنطقة التي تؤدي فيها الروائي سردها مدعمة بمعطيات التاريخ في القدرة في تناول الحدث التاريخي كحقيقة واقعة، في وجود صورة أخرى تبنتها الرواية في الأخذ بما قرَّ من أطر سردية لكتابة جنس أدبي تتسع عوالمه لاستيعاب مضامين ومفاهيم وشخصيات ضمن نمط سردي جديد.
في السياق المنطقي الذي عادة ما يبرِّر العودة إلى التاريخ بتمثله سردياً هو احتمالات الحاضر وتنبؤات المستقبل وذلك بإعادة صياغة الحدث التاريخي وقراءته مجدداً وفق رؤيا معاصرة. فشخصيات التاريخ الرسميَّ أو الشعبي (الذاكرة الشفاهية) لها افتقاد في الحاضر وتُستدعى في بعض منعطفات الشعوب لسّد فراغ ما قد تحدثه المفارقات الزمانية، ولكنها لا تكون بحال أحياءً لمكوناتها الشخصية و أبعادها النفسية. ولكن كيف تعاملت رواية " آخر السلاطين" مع شخصية السلطان علي دينار مقروءا على ضوء ما تشهده تخوم سلطنته (دارفور) و ما يجري فيها من احداث آنية؟ تركبت الرواية من مكونات قائمة في التاريخ و الواقع الموضوعي ينظمها جدل يتسق مع بعدها الزمني (التاريخي) و المكان و الصَّراع الإنساني (الشخصيات) تعاملت معها برؤية الراوي من حيث كونها معطيات دون أن تمثل انعكاساً أو تستجيب إلى تحديات آنية تفرضها سلطة خارج سلطة النصَّ الإبداعي بالشكل الذي تطورت معه الأحداث في بنية السرد. و كما يتضِّح من سياق الأحداث الروائية فإن التزام الرواية بالتقيد بالحدود الزمنية و الظروف التاريخية التي أحاطت بشخصية السلطان جعلت من الاستدراكات التاريخية مدعاة إلى الربط غير المباشر بين حدث تاريخي و حاضر مثخن بتناقضات ضمن قراءة أخرى ربما من خارج النصّ. و من هنا تكون العودة إلى الماضي برؤيا الحاضر بما لا يعني ترحيل مشكلات الواقع إلى الماضي من منظور النقد التاريخي بغرض معالجته، بل تمثله و هو ما نجده في متن الرواية التاريخي.
المنطلقات التاريخية للرواية:
تشكلَّت الرواية بدا في فضاء تاريخي احتوته فصول سبعة فصول معالجة باقتباسات من كتابات تاريخية في مقدمة كل فصل؛ مستفيدة من التاريخ كعلم له خصائصه المتعدَّدة و المتصلة بالمقاربات المعرفية في التي منحته ابعاده الإنسانية و سياقات ابستمولوجية شكلتها علوم الانثروبولوجيا و الجغرافيا و الاركولوجيا و الثقافة المادية استيثاقا للأثر التاريخي. هذا الثقل التاريخي موضوع الرواية (شخصية السلطان) ألزم الروائي بأن يُسندَّ الرواية في مجملها إلى مقدمات الفصول باقتباسات ذَّات صلة بالشخصية التاريخية، و ما تقتضيه الرواية من شخصيات و أحداث مقصيِّة عن أرشيف التاريخ التقليدي. و وصف طبوغرافي ( للمكان) بوجوده الطبيعي في جغرافيا التاريخ دون أن يتخلق مكاناً أو فضاءاً تخلقه بنية السرد متصور على خلفية الرواية الإبداعية. إن ثَبت الوثائق المتحدرة من كتابات محايثة لفترة حكم السلطان في الرواية تستعيد الوقائع التاريخية في نصَّ الرواية مُشكِّلة تناص يُقرأ في تزامن مع النص السردي؛ و تدعم بالتالي الرؤية السردية لتاريخ شخصية أوجدت في النصِّ الروائي بحركتها و تفاعلاتها الإنسانية و توجهها الأيديولوجي السياسي أحاطت بسلطنة السلطان بمنظومة تحالفاتها في الحرب العالمية الأولى بوقوفها إلى جانب تركيا -دولة الخلافة الإسلامية- ضد الحلفاء. فقد أستعاد السلطان علي دينار سلطنة اجداده كحق موروث متصل بتاريخ يمتد إلى قرون المجال الزمني الذي تتبعته الروائية لمسار السلطان في التاريخ. فالبداية من موقعة كرري بأم درمان بعد انهيار دولة المهدية على يد القوى الامبريالية في زحفها نحو افريقيا Scramble for Africa كما عرّف في تاريخ المستعمرات. استطاع الراوي أن يصف تلك المعركة وصفاً تعمق في ابراز سطوة السَّرد و هيمنته على احداث الرواية بلغة تطابقت مع مستوى تاريخي و ابداعي بين الحدث و طريقة تقديمه في نصِّ الرواية. تتقارب الشخصية الروائية في سياقي التاريخ و الزمن السردي انفلاتاً من المفهوم السيكولوجي إلى – بالمفهوم السيمولوجي- كشخصية مرجعية دارت حولها أحداث و تحركت في حيِّز سردي و اكتسبت سمتها الدلالية بالإشارات التاريخية و الطاقة الممنوحة لها في النص السردي. و يتمثل هذا المفهوم شخصية السلطان كإحدى شخصيات التاريخ متمثلة في بعد سردي آخر (الرواية)، فقد انطوت الروايات التاريخية على شخصيات مرجعية كنابليون في ملحمة رواية الحرب و السلام ليو تولستوي، الرواية التي صورت غزو نابليون لروسيا في القرن التاسع عشر. فنجد أن رواية ( آخر السلاطين) نزعت إلى كتابة التاريخ بإضافة البعد السردي لحركة النص الإبداعي، ليس كتاريخ مجزوء يضاف إلى التاريخ بالمفاهيم النقدية للرواية و الرواية التاريخية من خلال صوت الراوي كراوٍ بارز Homodiegetic الحضور في النص السّردي.
البنية التاريخية و السرد الروائي :
تنبئ رواية آخر السلاطين بمواجهة حقائق التاريخ الماديِّة ومحاولة تشكلها في نصِّ سردي يتقوَّم بمحتويات تاريخية دون أو التقيّد بموضعها التاريخي (الزمني)، كانفتاح النصُّ الروائي على معركة برنجية بداية نهاية السلطان و سلطنته. فقد تمكن الراوي مُحملاً بسرد وصفي لما حدث من وقائع والابتعاد ما أمكن من إعادة انتاج تفاصيل ما هو معروف بالمعنى التاريخي إلى الاختيار الإبداعي بتقنين البنية التاريخية. فالإحالات التاريخية تعامل معها النصَّ وفق محددات السرد و ما يمكن مقاربته وفق التفسير السردي، ولم ترد كمقاطع مقتصرة داخل بنيتها التاريخية المُلزِّمة بحكم ضرورات التوثيق التاريخي، فقد تجلَّت الوقائع كالمعارك في تتبع الراوي لها مجردة بكل ويلات الحروب. و من جانب آخر انبثقت الايحاءات الإنسانية العميقة كالمعاناة و المصير الوجودي عبر صوت الراوي مخاطبا سيده السلطان مستعيداً لمعركة كرري التي منها بدأ زحف السلطان علي دينار غرباً لاسترداد سلطنته بإقليم دارفور. تواجهنا الرواية بمشهد صدام بين قوة امبريالية غازية و مدمرة لأوطان و ثقافات بعيدا عن اوطانها و كيف أن شعوبها واجهت محنة هذا الغزو بما يشبه الصدام الحضاري. تبنت الرواية بما يشبه الانحياز إلى القيِّم التي قامت على مخطط المواجهة بإبراز دور القادة و كبار مستشاريه في التخطيط للمواجهة الأخيرة. و إن بدا أن شخصية السلطان تغولت على مساحة سردية واسعة للحدِّ الذي تخطّت فيه مسافتها التاريخية على الرغم من تحكم الراوي بحركة السرد و تتابع التفاصيل التي تطورت مع الاحتفاظ بأسبقية الشخصية المحورية و صفاتها المثالية في البطولة و القيادة و أخيرا الاستشهاد على يد الضابط الإنكليزي هدلستون. بعيداً عن السلطان و استعداداته الحربية، استلهمت الرواية الواقع السيوسولجي و مكوناته الاثنية الهجين ( قبائل دارفور) كحراك بشري كثيف في التاريخ كوَّن و منح المكان (السلطنة) التعريف السياسي اللازم كدولة لها حدودها و رعاياها تمارس سياساتها ضمن توازنات القوة في النظام العالمي في ذلك الوقت كما تشير اتصالات و مكاتبات السلطان. فعاصمة السلطان ( الفاشر) تحتشد بزخم الأحداث بصوت الراوي و أصوات شخصيات أخرى كاشفة عن مشهد اجتماعي كان ضمن عوامل أخرى تستعد للمواجهة في منظومة الدولة العضوية. ولم يدع الراوي مشهد الاستعداد للمعركة مجرداً عن علاقات إنسانية كانت تتفاعل في مدينة السلطان بتدافعها الحيوي إلا أنها اذيبت في شخصية السلطان و سلطنته. فكل ما يردد أو يعبر عنه طقس تعبيري لشخصية سيدي السلطان في الاشعار والرقص و الغناء، و لم تجرؤ الرواية في تخطي الصفة الغالبة لشخصية سلطان و دلالة ممارسته لسلطاته المطلقة.
الزمن التاريخي:
لقد أوغلت الرواية في زمنين تاريخي وسردي آخر ناقلة الإحساس ضمن منظومة وجودية زمانية، أي الزمن في تقسماته الماضية كتاريخ مستقل، و آخر زمن الإيقاع السردي. تنوع الاحداث يتكاثف في زمن الرواية ويتعدد بقدر حركة الشخصيات في زمن النص السردي. فالأحداث التاريخية أو تلك التي وقعت في زمن ماضوي توقفت في حدود الزمن الطبيعي و لم يعد للزمن إضافة، و لكن السرد الروائي بمدلوله الزمني (زمن السرد) يعطي بعداً آخر بطبيعة الزمن المتخلق في حركة الشخصيات و الاحداث الروائية. و تجاوزت الرواية الزمن التاريخي بإدماجه ضمن مسَّار الزمن السردي؛ و بما أن التداخل الزمني بين الشخصيات و حضورها في عالمي النص و التاريخ يجعل من العسير تتبع تفاصيله دون التباس فقد تمكن الراوي بقدرة سر دية مكنته من إيجاد زمناً متوحداً محققاً تناغماً بين مكونات الرواية و تاريخها الزمني، حيث إن الزمن الجمعي المحيط بالشخصية الرئيسية في الرواية ( السلطان) تحدَّدت مساراته ضمن تفاعلاتها مع زمن الأحداث و الشخصيات الأخرى المتطورة في سياق السرد و ايقاعه. فالزمن في الرواية انطوى على الزمن الروائي في تشكله الفني و قدرة الراوي على ضبطه وفق مقتضيات الخطاب الروائي، و خاصة أن رواية ( آخر السلاطين) رواية تستمد مشروعية خطابها السردي من الزمن و الدلالة التاريخية. فالسرد هو التتابع الزمني ، بينما التاريخ هو اللحظات المستنفدة من الماضي و لكن استطاعت الرواية أن تجمع بين هذه المفارقة بإزاحة البعد التراكمي للأحداث و الكشف عن مدلولاتها سرديا. المنحى السردي للرواية:
حاول الصويم في رواية (آخر السلاطين) استعادة شخصية من سياق الماضي بوعي تاريخي أبقى على الحيِّز التاريخي دون التباس مع السَّرد و مكوناته التخييلية الحاضرة و الثبات الدائم في مواجهة اللحظة التاريخية برؤية زمنية ذَّات معطى ابداعي. و لئن كانت قوة الحدث التاريخي لابد أن تؤثر بسطوتها الطاغية على أي مقاربة تحاول المسّاس بحقائقها التي كادت أن تتخذ صلابة الشرائع الراسخة كما يقول نيتشه. و ما اكسب الرواية صفتها السردية تلك الحالة التي يمكن أن يطلق عليها حيادية السرد و الانفلات من الشكليات التاريخ التي تطبع مثل هذه النوع من السرد المنطلق من مصادر التاريخ و شخصياته. ومع أن الرواية عن شخصية مجسمة بالمعاني السردية إلا أنها لا يمكن وصفها بالترجمة الشخصية Biography لسيرة السلطان في حدود البنية المعرفية للتاريخ في تناول الفرد ودوره التاريخي، فقد أدى هذا الاختيار إلى معالجة الشخصية التاريخية بمفهوم الخطاب الروائي استجابة لدواعي بنية الرواية السردية. يعثر القارئ على شخصية السلطان على دينار كقائد نتج عن ظروف محكومة بقدر التاريخ وسط محيط متماوج من الاحداث والشخصيات، و قاع اجتماعي كوقائع اجتماع بشري وصفته الرواية وصفاً انثروبولجيا نفذَّ إلى المستودعات الثقافية و ما حملته من مرموزات تشكل بنية ثقافية لغوية عبرت عنها بمفرداتها ربما ظلت من الوجهة التاريخية مهمشة تقع في عتمة التاريخ غير الرسمي. ربما للمرة الأولى ينتقل السلطان علي دينار إلى ليتجلي على التاريخ مستعاداً عبر نص سردي كرواية آخر السلاطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.