خطاب شكر رقيق ونعي أليم بعثت به شركة (جي أم جي) GMG الشهيرة لصناعة السينما من هوليوود الي حكومة السودان، تعلن فيه وفاة الأسد السوداني ليو عن عمر يناهز الثلاث وعشرين خريفا.وهو صاحب أشهر زئير في تسجيلات السينما العالمية، وكذلك صاحب أشهر علامة تجارية في شعارات شركات الإنتاج السينمائي العالمية التي تعود الي استديوهات (مترو غولدوين ماير). لا أدري كيف ستكون القصة لو لم يستسلم الشيخ ساتي ماجد، الملقب بشيخ الإسلام في أمريكا (1904-1928) للقلق السوداني المسترخي في جيناته الوراثية وهو يعود من نيويورك الي مصر بعد 28 عاما من الدعوة باحثا عن فتوي رسمية من المشيخيات والمؤسسات الإسلامية للتصدي للطوائف القاديانية والبهائية والمريسكية بعد أن أدعي نوبل درو النبوة في أمريكا. وكما كشف الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك في مقاله التوثيقي الحصيف فإن ظروفا قاهرة حالت دون عودته الي أمريكا ربما لتدخل الأزهر لمنعه من الحصول علي التأشيرة أو لقلة ماله لمقابلة نفقات العودة.فعاد للسودان وكرمه السيد عبدالرحمن المهدي وأنتهي به المقام شيخا وأماما في قريته الغدار في شمال السودان حيث توفي ودفن.وقال الدكتور أبوشوك إن عودة الشيخ ساتي ماجد تماثل عودة مصطفي سعيد في رواية الطيب صالح الأشهر (موسم الهجرة الي الشمال). لو أن أقدار التاريخ أتخذت مسارا آخر، واستمسك ساتي ماجد بالبقاء في أمريكا وارسل من ينوب عنه في هذه المهمة ربما كان لأهل السودان حيا في نيويورك أسموه الساتاب،.علي وزن اللوتراب والأسيلاب كما يقول صاحب القلم الرشيق والحس الفكه تاج السر الملك. في طيات سرده لقصة نجاحه في دنيا المال والأعمال يقول مو إبراهيم الذي اختارته مجلة فوربس الأمريكية ضمن قائمة أغني أغنياء العالم بثروة مقدارها 1.1 مليار دولار، أنه لو عاد الي السودان لأنتهي به المقام موظفا في شركة حكومية،مشغولا بتربية العيال والمجاملات الإجتماعية ومنزلا مكتظا بالضيوف. أسوق قصة الشيخ ساتي ماجد رمزا للتساؤل التاريخي وهو قلة حظ أهل السودان في اصابة قدر من النجاح والتميز العالمي في مهاجرهم ومغترباتهم البعيدة رغم أمتلاكهم الموهبة والقدرة علي تحصيل النجاح وتحقيق التميز، مقارنة بما أحرزه اللبنانيون والمصريون وأهل المغرب العربي في الولاياتالمتحدة وأوروبا ودول أمريكا اللاتينية.هل يعود ذلك لذات الأسباب التي ظلت تقعد بالبلد وتعوقها من الانطلاق واللحاق بمصاف الأمم المتحضرة ؟.هل يعود ذلك لشيء في طباع السودانيين؟.بالطبع لدينا رموز في النجاح الكوكبي طبقت شهرتها الآفاق ، ولكنها قلة تحسب علي أصابع اليد الواحدة لأنه بأمكان أهل السودان أصابة قدر أكبر من النجاح والتميز العالمي، علما بأن أول جمعية خيرية للسودانيين في نيويورك تأسست في ديسمبر 1937، وقد سبقتها الي الوجود جمعيات السودانيين بالمملكة المتحدة. أقول ذلك وأرقب بحذر المتفائل تجربة الفتي السوداني الألماني الموهوب هاني أبوبكر مختار الذي ينتظره مستقبل باهر في مجال كرة القدم بعد أنتقاله الي نادي بنيفيكا البرتغالي من نادي هيرته ببرلين. لأنه يجدد فينا الأمل أن نحظي بنسخة سودانية من زين الدين زيدان في ملاعب كرة القدم العالمية. لم يأبه أحد للفتي الصومالي برخاد ابدي وهو يضع قدمه علي أرض الصومال بعد أن غادرها وهو في عمر السابعة لتنتهي به الأقدار في الولاياتالمتحدةالأمريكية.كانت كاميرا محطة (السي أن أن) تتابعه الشهر الماضي في زيارته الأولي للصومال بعد أن صار نجما في هوليوود بعد النجاح الكبير لفيلم (كابتن فيليب) مع الممثل الكبير توم هانكس، وهو تجسيد لقصة حقيقية مأخوذة من كتاب (الايام الخطرة في البحر) الذي وصف عملية إنقاذ القبطان ريتشارد فيليب قائد سفينة البضائع الأمريكية مارسك ألباما بعد أختطافها بواسطة القراصنة الصوماليين في العام 2009. كان الفتي أبدي يعمل في مهنة سائق تاكسي في مدينة مينيابولس في أمريكا ضمن جالية صومالية ضخمة ظلت تتزايد منذ عشرين عاما. مجرد تقرير صغير في تلفزيون المدينة غير مسار حياته، حيث أعلن مخرج الفيلم بحثه عن ممثلين للقيام بدور القراصنة للتمثيل الي جانب الممثل الكبير توم هانكس الحائز علي الأوسكار مرتين. بعد الاختبارات الأولية تم اختيار أبدي للمشاركة في الفيلم فأنتقل وهو أبن 27 ربيعا من مهنة سائق تاكسي الي ممثل، الأمر الذي قابلته الجالية الصومالية بالاستنكار والاستهجان لما فيه من تشويه لبعض أفراد الشعب الصومالي الذين يصمهم الفيلم بالقرصنة، ولكن نفس الجاليات الصومالية المنتشرة في أرجاء العالم التي انتقدت قبوله لتمثيل الدور صارت تصفق له بعد أن صار نجما في عالم صناعة السينما بهوليوود. لصديقنا السوداني صاحب أشهر وجه يكسوه الفرو في السينما العالمية قصة مغايرة، إذ لم يشارك أختيارا وبطوع أرادته بل تم القبض عليه في بورتسودان بواسطة مدربه فولني فيفر الذي لم يكن يظن أنه سينفصل عنه أبدا. ليو الأسد شعار شركة استديوهات (مترو غولدوين ماير) التي تم تأسيسها عام 1924 أستخدمت زئير الأسد وصورته شعارا لإفلامها فأصبحت علامة تجارية عالمية. وتناوب علي تسجيل الشعار خمسة أسود، لعل أشهرها الأسد ليو السوداني الذي تعود جذوره الي بورتسودان. تانر هو الأسد الثالث الذي استخدمته أستديوهات مترو غولدوين ماير ماير والذي ظل في الخدمة لمدة 18 عاما. ولكن ليو الأسد السوداني بدأ أستخدامه في تمثيل الأفلام منذ عام 1957 .وشارك في تمثيل فيلم طرازان، وأعداد أخري من الأفلام. يقول مدربه فولني فيفر أن ليو لم يخذله أبدا طيلة فترة خدمته في السينما، وهو الأفضل علي الإطلاق. كما اكتسب ليو من خلال تجواله في أماكن التصوير في مختلف أنحاء العالم سمعة طيبة تختلط بمثيلوجيا جذوره السودانية، إذ أشتهر بأسم القط ذي التسعة أرواح.إذ نجا من حوادث موت محققة منها الفيضانات في الميسسيبي، وزلزال، وتحطم طائرة، كما نجا من حادثتين لتصادم القطارات. وعلي غير عادة الأسود فقد أكتسب ليو بعض تقاطيع الوسامة وهو يمارس التمثيل، فأختاره صمويل غولوين مدير الشركة بعد تقاعده ليكون العلامة التجارية الدائمة في شعار الشركة الشهير وهو يزأر ويحرك ذيله، فحظي بمشاهدة واعجاب الملايين في كل أنحاء العالم وهو يعرض ضمن مقدمات الأفلام مع شعار الشركة وملصقات الدعاية والترويج. توفي ليو عن عمر يناهز 23 عاما وهو عمر مديد في تاريخ الأسود ، وتم دفنه في مزرعة مدربه فولني فيفر بنيوجرسي. أليس غريبا أن ترتبط نجومية صناعة السينما في هوليوود للشعب الصومالي بالممثل برخاد ابدي صاحب الوجه الصارم والإبتسامة الهادئة في فيلم (الكابتن فيليب)، وترتبط نجومية السينما العالمية لأهل السودان بالأسد ليو القادم من جبال البحر الأحمر بالقرب من بورتسودان. ليت الشيخ ساتي ماجد آثر البقاء في نيويورك ولم يجر خلف الحصول علي فتوي من الأزهر الشريف فأنتهي به المقام في قرية الغدار في شمال السودان. إذن لكان لنا حي بالقرب من هارلم في نيويورك بأسم (الساتاب) وكنا سنستضيف رفاة الأسد ليو بدلا عن مزرعة فولني فيفر بنيوجرسي تمجيدا لتاريخه الرائع وأرثه البطولي في السينما العالمية. أرجو أن يكون خطاب الشكر والنعي الذي أرسلته شركة جي أم جي محفوظا في سجلات وزارة الثقافة والإعلام لأنه الوثيقة الوحيدة الدالة علي منجزه الإبداعي وجنسيته السودانية قبل أن يتأمرك ويتهولد. لو كان يجوز الترحم علي الحيوانات لفعلت لروح الأسد ليو، ولكن الراجح أنها ليست مكلفة شرعا ولا ينتظرها نعيم أو عذاب،أنما يترحم علي من كان أهلا للرحمة، ويخشي عليه من العذاب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.