في مبادرة ذكية ، بعد قراءة عميقة لما يجري في ساحتنا علي مختلف الاصعدة ، أقام السفير البريطاني بالخرطوم مأدبة غداء بمزله علي شرف ناديي المريخ والهلال (هلاريخ) بمناسبة تفوقهما في البطولة الأفريقية لكرة القدم . شملت الدعوة من جانب المريخ السيد جمال الوالي رئيس نادي المريخ ، والصحفي بابكر سلك ، ومن جانب الهلال مهندس محمد عبد اللطيف ممثلاً لرئيس نادي الهلال والصحفي محمد عبد الماجد ، حسبما جاء في أخيرة صحيفة السوداني الثلاثاء الفاتح من سبتمبر . بعد أن أشاد السفير بوصول الفريقين الي مستويات متقدمة في البطولة الأفريقية ، تسائل عن ظاهرة التعصب الجماهيري ، والترتيبات التي تتخذ لتفادي النتائج السلبية لهذا التعصب ، وازالة ظاهرة الأحتقانات الجماهيرية ، وطالب السفير البريطاني الإعلام الرياضي للقيام بدوره الأساسي في نبذ التعصب ( وتوعية الجماهير) للتخلص من حالات الاحتقان الحالية ! أن ياتي هذا الحديث من سفير بريطانيا ، يضفي علي الظاهرة بعداً هاما لظاهرة الهرج والمرج في المجال الرياضي ، والهرج كلمة تعني الفتنة والاختلاط ، والمرج أن يصبح الامر مريجا اي مختلطاً ، فبريطانيا هي أول من اخترعت كرة القدم التي تحولت الي ما تسمي (بالساحرة المستديرة) ينفعل في ساحتها المنفعلون ، وصحيح أنها ادت الي حرب ضروس بين دولتين جارتين في امريكيا اللاتينية ، ولم تخل حتي المجتمعات المتقدمة المعاناة من نيران المهوسيين بها ، وقد يقول البعض بأننا في هذا العالم المليئ بالاقتتال والحروب نحتاج الي شئ يلهي الانسان ويسليه –ولا بأس ان يكون ذلك في اطار المزاح اللطيف والمناكفة المعقولة . ولكن في بلادنا التي ما زالت تحبو في مجالات ارساء دولة مستقرة ، يضحي ان يطفو علي الساحة هذا العدد الهائل من صحف كرة القدم ، ويسكب الحبر الغالي لتسطر صفحات كلها لتعميق الاحتقان وروح التشفي بين الجماهير ، يضحي كل هذا جهدا غير مشكور ويتنافى مع روح الرياضة الاصيلة ، والتي يجب ان تحترم التنتافس الشريف ، وتؤكد ان الرياضة في الاساس لتعميق الصداقة .. وقبول النصر والهزيمة ، اذكر حين كنت في الصين عند قيام المنافسات الرياضية كان الشعار الكبير الذي يظهر في اللوحات وينتشر علي طول ميادين الرياضة والاماكن العامة .. الصداقة اولاً والتنافس ثانياً ، وما احوجنا الي مثل هذه الثقافة . لا شك أن هناك كتاب جهابذة بالصحف الرياضية ، قادرون علي التعبير ، ويمتلكون موهبة الكتابة من مفردات وبلاغة وروح سخرية ، ولكن يشعر الانسان ان تكون موجهة للكيد والاغاظة شئٍ غير محمود . في موجات الكيد والاحتقان اصبح كل منتم لقريق يتمني الدمار للفريق ألاخر وفي خضم هذا الهوس (الهلاريخي) يضيع اسم السودان ، فلا اهتمام يذكر بالفريق القومي ، ولا اهتمام بمناشط رياضية اخري ، لننغلق في كرة تركل بالارجل وتسكن الشباك واحياناً بالصدفة !! . وفي مجالٍ اصبحت فيه المعايير مقلوبة ، والتقييم مختلاً ، امتلأت الساحة بلاعبين محترفين مجنسين بالجنسية السودانية حتي اصبحوا كتلة انتخابية معتبرة ، فبالله عليك لو كانت حراسة المرمي محروسة بحارس من بلد اخر ، وجل الخانات الهامة للاعبين تحركهم المادة ، فأين هي الرياضة التي نفتخر بها ونبتغيها ؟! . متابعة اساليب الكيد والإغاظة وتعميق الإحتقان بين الجماهير لا تغيب عن فطنة المتابعين ، وقد يقول قائل مالك هنالك من يعجبهم مثل هذا الاسلوب ويثيرهم ، وأقول لهؤلاء بأننا في بلد ما زالت عاصمتها تغرق في شبر موية! وما زلنا غير قادرين علي معالجة نفايات بيوتنا ، ومشاكلنا في الصحة والتعليم عديدة ، وطرقنا البرية تحصد ارواح المئات سنويا لسوء تخطيطها ، ووسط ركام هذه الاهوال اما كان من الأجدي والاصوب ان يوظف هؤلاء الكتاب الجهابذة اقلامهم المترعة بالحكمة لتنوير الناس لمعالجة قضاياهم ، فاذا كانت السنما في رأي السنمائي السنغالي عثمان سنبان هي المدرسة المسائية للافارقة – حين كانت للسنما سطوة – ففي عالم اليوم اصبحت اجهزة الاعلام بما فيها الصحف الرياضية والاجتماعية هي المدرسة التي تربي الجماهير . ونتساءل مع السفير البريطاني ماهي الترتيبات التي سينتهجها الجميع (الاندية – مجلس الصحافة – وزارة الرياضة – الثقافة – الاعلام ) لإزالة ظاهرة الاحتقانات الجماهيرية ، ام سيظل البعض يصرون بأن مشكلة السودان .. جناح ايسر مع ظهير ايمن يختطف من احد الاندية بالآف الدولارات! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.