قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا) صدق االله العظيم، (أكره مراسم الوداع، الذين نحبهم لا نودعهم ، لأننا في الحقيقة لا نفارقهم، لقد خلق الوداع للغرباء وليس للأحبّة.) رحل مساء امس الاحد بدبي بدولة الامارات الدكتور محمد عثمان الجعلي بعد معاناة طويلة مع المرض وسيوارى جثمان الفقيد بمقابر حلة حمد بمدينة بحري اليوم الاثنين، الأدباء والشعراء فراشات لا تعمر طويلا إنما البقاء للتماسيح والفيلة، منذ مجئ الانقاذ توالى رحيل الادباء والشعراء والمبدعين تباعا نأخذ منهم على سبيل المثال وليس الحصر: العميري ، علي المك، مصطفى سيداحمد، محمد الحسن سالم حميد، ابو ذر الغفاري، محمود عبدالعزيز (الحوت) ، محجوب شريف، وأخيرا وليس اخرا دكتور محمد عثمان الجعلي الكاتب الراتب بصحيفة سودانايل الالكترونية والاخ والصديق العزيز جدا لقلبي، صاحب كتاب: (علي المك: أو رحيل النوار خلسة) وهذا الكتاب تحفة أدبية يستحق القراءة، وله سلسلة مقالات رائعة ادعو الجميع لمتابعتها على صفحات سودانايل منها: يا وطن عند الشدائد ، إغفاءة الملاح القديم ، يا الفوتك مو دحين: الطيب محمد الطيب، في الذكرى الثامنة لرحيل الزعيم الشاب محمد إسماعيل الأزهري، في ضيافة الوجودي المتمرد أو ينصر دينك يا حيدر, روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين، دفاتر أحوال الحضور والغياب: حواشِ ِعلى متون الإبداع .. عاني الفقيد كثيرا من ألم الغسيل المتواصل للكلى بعد إصابته بالفشل الكلوى، وكان وهو في قمة معاناته يسأل عن أخبار الجميع وكان يتابع سودانايل بشغف ويشد من أزري من أجل مواصلة المسيرة وأن تستمر سودانايل بلا توقف وهو في أشد الحاجة لمن يشد أزره . لا أزال اتذكر وصيته لي والتي ظل يكررها كل مرة: (أوصيك بسودانايل خيرا) قالها تم توكل ورحل (لكن كلماته ووصيته تلك تركت النيران -تجقلب- في كبدي التي أعطبها عطش السنين وعكّرت لونها الاحتقانات المريرة في عواصم الشتات) كتبت ميرفت نصر الدين من أبناء كوستي رسالة رقيقة عبر صفحات سودانايل عام 2001م ردا على رسالة نزار عثمان تقول: تعلّم إذا يا عزيزي ، كيف تباهي مسبقا بموتك كيف تفتخر مسبقا بنهايتك افتخار الاخرين بتفاهتهم افتخار الحكام بجرائمهم افتخار اللصوص بغنائمهم افتخار الوصوليين بوظائفهم تعلم الموت واقفا كالأشجار مت شاعرا يا سمندل .. ولا تعش تمساحا كان هذا ردا من ميرفت على رسالة نزار عثمان أو (السمندل) كما تحلو ان تسميه بذلك. والتي يقول في جزء منها: هكذا يا ميرفت .. دخلت (الانقاذ) من النافذة ليلا .. فتدحرج الشعراء والمبدعون بعيدا وراء كرة اعمارهم يبيدونها عمرا عمرا ، ولا شك بأنهم كانوا محتاجين إلى نار ما لكي ينضجوا فوقها فاكهة أشواقهم ، ولكن (الانقاذ) لم تكتف بانضاج فاكهة الشعر والفن لديهم بل دفعت بنيرانها عاليا نحو طائرة ارواحهم التي سقطت حطاما على ارض الرغبات الموءودة ، ولم يعثر في صندوقها إلا على عدد من القصص والقصائد الخائفة، كأن (الانقاذ) سرطان الزمن الذي يشق خلايا الحياة ويشطرها الى نصفين. لقد باعدت (الانقاذ) بيننا وبين احلامنا البكر .. أطفأت الحاضر وأحكمت إغلاق المستقبل .. رحم الله الفقيد الدكتور محمد عثمان الجعلي وأدخله فسيح جناته، ولا حول ولا قوة إلا باالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون