مع بدايات نظام الإنقاذ، في تسعينيات القرن الماضي، ألمت بمشروع الجزيرة كارثة كبيرة تمثلت في هجمات فئران على القمح، فقضت على معظمه، وكان المزارع على علاقة جديدة مع صيغ التمويل ( الإسلامية) مثل عقود السلم، والتعامل مع ما يعرف بمحفظة البنوك، وكان الضحية هو المزارع، فسألت جدي ود حمد عليه رحمة الله " ويا جدي منو البدفع الدين في الحالة دي؟ فرد بسخريته الجميلة " أكيد الفأر". واليوم، ونحن في نهايات عهد الإنقاذ، تتجدد الأزمة من جديد، وهذه المرة " تقاوي المتعافي" الفاسدة، وهي تشبه بذور وتقاوي المشروع الحضاري في فسادها، وفي استهدافها للمزارعين والسودانيين الذين رووا الأرض من عرقهم حباً، واخلاصاً، وانتماءً، ومعروف حب انسان الجزيرة لأرضه، وومنطقته، فهو والأرض في جدل عشق مستديم.رغم فئران المشروع الحضاري، وقططه السمينة، ومفسديه وفاسديه. وتتكرر المأساة بصدور "أقرارات طالبت خلالها وزارة الزراعة، أو البنك الزراعي" لا يفرق، من المزارع التوقيع عليها، وبكل بساطة، أي أن المزارع يوقع على الإقرار تمهيداً لنزع حواشته، في حال فشله عن سداد ديونه، وهو أمر متوقع لأن تكلفة الإنتاج من غير شك سوف تفوق العائدات من الإناتج، وفي نهاية الأمر يزرع المزارع ويحصد العشم، بينما يحصد متآمرون عليه كل المشروع، تمهيداً لخصخته، وبيعه لجهات ( إسلامية، سودانية وأجنبية). بلا حياء، ولا تأنيب ضمير. وموت الضمير الإنقاذي هو ما يدفعهم نحو ارتكاب جرائم باسم الدين وباسم الزراعة، والزراعة ذاتها تعاني ما بين نفرة خضراء، وثورة خضراء، ونفرة زراعية، مع انسداد كامل في الأفق، وغيبوبة ما بين الحزم التقنية، والحزم الإيمانية مثلما صرح أحد تجار الدين الإنقاذيين قبل سنوات، ولم نر من حزمه الإيمانية هذه سوى استمرار الفساد، وانهيار المشروع الكبير، حيث عانى من العطش، ومن انسداد قنوات الري، وظلم صيغ التمويل، وانحياز الحكومة لصالح المضاربين والبنوك والسماسرة والقطط السمان في مواجهة المنتج الحقيقي، والذي يخرج من الموسم بديون مثقلة، وتهديد بدخول السجون. و في ذات الإتجاه جاء في الأخبار أن لجنة تحقيق حققت في ضعف إنبات تقاوى القمح بمشروع الجزيرة، رفعت تقريراً لوزير الزراعة د.عبدالحليم المتعافي، أكد ضعف الإنبات بنسبة 25% إلى 50%، وحمل المسؤولية المباشرة للبنك الزراعي باعتباره الممول.. وهذه التطورات، تتسق تماماً مع تصريحات سابقة لرئيس العصابة الإنقاذية، عمر حسن، والذي سق ان وصف في بدايات العام 2011، بأنه (ظل عبئاً على الدولة منذ الستينيات)، وهو تصريح يكشف سوء نية عمر حسن، وعصباته، واعتزامهم تدمير المشروع، وبيعه، بعد طرد أهله وملاكه، وهو من عاش في قلب المشروع، ولو له ذاكرة لتذكر كيف كان مجد المزارعين، وكيف عمروا كل الجزيرة من خيرات المشروع،بنوا المدارس وبيارات المياه، والمراكز الصحية، من القمح وسكر التموين، وتبرعات المغتربين في مرحلة أخرى، وكيف كانت الجزيرة درةً في جبين الاقتصاد السوداني، وكيف كان عائد (الذهب الأبيض)، من اهم واردات الخزانة العامة بالعملات الصعبة؟. فقد قامت الزراعة في هذا الوطن بدور كبير، ومؤثر في موازنة الدولة ، ويكفي أن نشير هنا إلى أن عائدات السودان من الناتج الزراعي كانت تبلغ في بعض المواسم حوالى مليار دولار في السنة ، وحينها لم يكن لدينا نفط، ولا مصادر أخرى ترفد الخزانة العامة، وهو مبلغ كبير لدولة مثل السودان قبل عشرين عاماً، ويكفي أن في عصر مشروع الجزيرة الذهبي، كانت الدولة تدعم الدواء، والعلاج، وتقدم التعليم مجاناً، ولا تثقل كاهل المواطن بالأتاوات، والضرائب، والجبايات، والرسوم بمختلف اسمائها من دمغة الجريح، إلى الزكاة، لكن ؛ ومع دخول النفط، بأمراضه في الفترة من 1999- 2002 شكل وحده نسبة 42% من اجمالي الصادرات وتراجع عائد الصادرات الزراعية إلى نسبة 32.9% ، ومع حمى النفط ارتفعت نسبته إلى 70% ، وتراجعت في ذات الوقت نسبة الصادرات غير النفطية إلى 5% فقط من جملة الصادرات . واليوم؛ في الجزيرة الناس متعبون، ويسألون في حيرة من أمرهم، ماذا فعلنا حتى تعاقبنا (الانقاذ)بتدمير مشروعنا الكبير؟. وهم رغم ذلك صبورون، وتبيد زراعتهم بالتقاوي الفاسدة، وتتوعدهم بنزع ( حواشاتهم)، متى يثور أهل الجزيرة؟، متى يخرجون ضد الظلم؟ ومتى يغلقون طرق الفساد في وجوه المسؤولين، ويحولونها إلى منطقة حرة ضد الفساد والمفسدين؟، ومتى يفكرون في طي صفحات الظلم لكي تعود الجزيرة مثلما كانت؟!.