عودة السيد مبارك الفاضل إلى (حزبنا العتيد) كما وصفه ذات مرة مبارك نفسه على سبيل غزل ما قبل الرجوع، انضمت- في فترة ما- إلى قائمة مشاريع العودة التي تناولتها الصحافة كثيراً، مشاريع من قبيل عودة مولانا من غربته، وعودة الشعبي للوطني، أو الوطني للشعبي إن شئت، وعودة مبارك الفاضل إلى الصادق المهدي وحزب الأمة، وإن كان تناولها أقل من سابقتيها، إلا أن ثلاثتها مشاريع عودة سياسية، وربما نفسية، وضعت لها الصحافة أكثر من سيناريو، قبل أن تتحقق منها اثنتان، ويبقى مشروع عودة واحد لا يزال عصياً على كل السيناريوهات، هو عودة الشيخ إلى ابنته الإنقاذ، أو الإنقاذ إلى أبيها إن شئت. عودة مبارك الفاضل إلى جلباب الصادق المهدي، كانت إذاً وحتى وقت قريب على قائمة المواضيع الأكثر شعبية في الصحافة، خاصة وأن الرجل نفسه، بانتقالاته العديدة، مرة خارج حزب الأمة، ومرة داخل الإنقاذ، ومرة خارجها، وفر مادة متوسطة الدسامة للإعلام، وفي أحيان أخرى شكل مادة شديدة الدسم، مثلما حدث عندما قال الرجل في بيان أصدره قبل فترة إنه تلقى تهديداً بالتصفية الجسدية من شخصية (رسمية)، ومثلما حدث عندما داهمت قوة من جهاز الأمن منزله الفخم بحي العمارات عام 2007م، والقت القبض عليه على خلفية اتهامه بالتورط في محاولة انقلابية، ليمضى حفيد الإمام المهدي بضعة أشهر في سجن كوبر العمومي، ويتذوق طعم السجن للمرة الأولى في عهد الإنقاذ، قبل أن يطلق سراحه. منذ احتفاله بالعام الجديد على طريقته، وإعلانه حل حزبه (الأمة الإصلاح والتجديد) والعودة (فوراً) إلى حزب الأمة القومي، لم يعد كثيرون يسمعون شيئاً عن السيد مبارك، وزير الداخلية على أيام الديمقراطية الثالثة، والأمين العام للتجمع على أيام المعارضة من القاهرة وأسمرا، ومساعد الرئيس على أيام الخروج من الأمة ودخول الإنقاذ، ورئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد، ثم أخيراً، المنضم قبل أشهر إلى حزب الأمة الأب، دون صفة قيادية واضحة تشبه قليلاً أو كثيراً أياً من الصفات والألقاب الحزبية والدستورية العديدة التي تنقل بينها الرجل خلال العقود الثلاثة الأخيرة من عمره. اختفاء السيد مبارك من عناوين الصحف في الفترة الماضية، وحتى من صفحاتها الداخلية، أثار لدى البعض أكثر من استفهام حول أوضاع الرجل الجديدة داخل حزب الأمة، فالفاضل، كان قبل فترة وجيزة، وبامتياز، أحد نجوم تحالف جوبا، سواء أكان معيار تلك النجومية السياسية هو التصريحات، أو العمل خلف كواليس المعارضة، من خلال رئاسته اللجنة التحضيرية لمؤتمر جوبا، في دور أعاد للأذهان حضوره القوي أيام التجمع الوطني الديمقراطي، وما يعتبره البعض نجاحاً في كسب الدعم العربي والإسلامي لصالحه. عودة الفاضل إلى حزب الأمة، أعتبرها كثيرون مدخلاً لتحقيق حلم يؤكدون أنه راوده طويلاً: خلافة السيد الصادق المهدي وإحكام السيطرة على تراث آل المهدي السياسي، طموح قاد مبارك في السابق للقفز الانفرادي من مركب الحزب، وقاده في مطلع العام بحسب هؤلاء للعودة الانفرادية أيضاً، بعدما حل حزبه من تلقاء نفسه، ودخل طواعية في الحزب الكبير، وخفت ذكره. خفوت بريق مبارك الفاضل الإعلامي، الذي تمتع به على أيام التجمع، وأيام جوبا، يقود مباشرة لوضعه الجديد في حزب الأمة، وهو وضع لم تتضح معالمه تماماً بعد، ويقول عبد الجليل الباشا مدير الجهاز التنفيذي في حزب مبارك المحلول، الذي انضم معه لحزب الأمة القومي، إن موقفهم كان انتظار المؤتمر العام للحزب، لكن الإخوة أصروا على إشراكهم في المؤسسات الحالية، ويتابع أنهم قدموا مرشحيهم لعملية التسكين، ومن ضمنهم مبارك لمنصب نائب رئيس حزب الأمة، وأجاز المكتب السياسي للأمة تلك الترشيحات، في انتظار أن يوافق عليها الرئيس، ويضيف: (لا أعتقد أن هناك غياباً إعلامياً وسياسياً للسيد مبارك، لكننا اتخذنا قراراً بخفض نشاطنا الإعلامي حتى تنتهي عملية التسكين داخل حزب الأمة تجنباً للإزدواجية). الغريب، أن نجومية مبارك السياسية والإعلامية، لم ترتبط في السابق على نحو وثيق بشغله منصباً مرموقاً داخل حزب الأمة، ففي الفترة التي برز فيها دوره، كان عمر نور الدائم هو الأمين العام، والشخصية الأبرز في الحزب بعد الصادق المهدي، وحتى داخل التجمع، كان الفاضل نائباً للأمين العام (فاروق أبوعيسى) قبل أن يصبح أميناً عاماً، ما يعني أن طريق الرجل إلى الواجهة الإعلامية والسياسية، لم يمر في الماضي عبر المواقع الحزبية القيادية. مبارك، لم يكن يلعب أدواره السياسية تلك انطلاقاً من موقع حزبي كما يقول البعض، بقدر ما كان يلعب من موقع شخصي، فالرجل يستند إلى تراثه العائلي المتمثل في كونه حفيداً للإمام المهدي، وإلى مهارات تنظيمية وسياسية وقدرات اتصال ذاتية، مكنته من البروز داخل المسرح المحلي منذ الثمانينيات من القرن الماضي، مروراً بفترته في التجمع الوطني الديمقراطي عندما تمكن - وهو لم يزل نائباً للأمين العام - من الحصول على دعم خليجي لا يستهان به، يتردد أنه جعل مولانا محمد عثمان الميرغني- رئيس التجمع - يمنح الضوء الأخضر لقدوم الفاضل إلى سدة الأمانة العامة بالتجمع. رغم ما يتردد عن مهاراته، لكن البعض له رأي آخر، مفاده أن الفاضل فقد فعاليته السياسية ونجوميته الإعلامية منذ خروجه من حزب الأمة.. يقول عبد الله علي مسار رئيس حزب الأمة القومي ل (الرأي العام) في وقت سابق أن مبارك يفقد قيمته السياسية إن لم ترتبط به كلمة (المهدي)، كناية عن فقدان الرجل قيمته السياسية عقب ابتعاده عن الأمة القومي، وهو ما يعني أن اختفاء مبارك الحالي، سيستمر في حالة عدم حصوله على موقع قيادي في الحزب. مبارك عبد الله الفاضل، كما كانت الصحافة تسميه إبان الديمقراطية الثالثة، الذي يناديه خاصته (أبو يوسف)، ويطلق عليه مريدوه لقب (البلدوزر)، بسنوات عمره التي تناهز الستين، لا يزال البعض يرى فيه خليفة محتملاً للصادق المهدي داخل الحزب وخارجه. وبغض النظر عما إذا كان مبارك يعد نفسه للخلافة أم لا، فإن من يؤيدونه يرغبون الآن في شيء واحد على الأرجح، أن تنتهي فترة الاختفاء الحالية سريعاً، ويعود البلدوزر بتصريحاته ومواقفه مجدداً إلى الساحة، في جلبابه الخاص، أو جلباب الصادق حتى..! نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 5/6/2011م