حدثان شهدتهما أروقة السياسة السودانية خلال الأسبوعين الماضيين: الأول هو لقاء السيدة هيلدا جونسون بالرئيس البشير والثاني هو تصريحات كلينتون حول استهداف أمريكا للرئيس شخصياً. التصريحات تشي بأن دهاليز السياسةالسودانية تموج بتحركات لا تظهر في عناوين الصحف. لقاء الرئيس بالسيدة هيلدا جونسون يشي بأن المجتمع الدولي لا يأبه لدعوات استهداف الرئيس البشير أو عزله عن المجتمع الدولي، كما يشير إلي القلق الذي ينتابه من جراء تصاعد أعمال العنف وارتفاع نبرة الحرب بين دولتي شمال وجنوب السودان. هيلدا سبق لها أن لعبت دوراً مهماً في تجسير العلاقات بين الطرفين خاصة إبان مفاوضات نيفاشا والآن وهي ممثلة الأمين للأمم المتحدةبجنوب السودان تحاول أن تواصل دورها الذي افترعته منذ أواخر التسعينات واستمر حتى الاحتفال بالانفصال. ولكن ماذا عند المجتمع الدولي من حلول لتقديمها للطرفين بما ينزع فتيل الحرب بين البلدين؟ ما خرج من لقاء الرئيس بهيلدا لا يشير لعرض تلقته الحكومة من الأممالمتحدة بشأن القضايا العالقة.. ويبدو لي أن السيدة هيلدا التي عُرف عنها أنها مستمعة جيدة ومحاورة بارعة قد فضلت الاستماع لوجهتي النظر ومن ثم عرض مقترحاتها علي الطرفين.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل تخلي العالم عن وساطة ثابو أمبيكي ولجنته الأفريقية الرفيعة التي تتولي هذا الملف. الهجوم الذي قادة باقان أموم ضد الوساطة الأفريقية باتهامها بالانحياز لجمهورية السودان يبدو أنه أثمر.. ويحاول الجنوبيون نقل الملف للمجتمع الدولي، بمعني تدويل القضايا العالقة، وجر السودان للمنابر الدولية التي يعرفون أنها ستلعب دوراً حاسماً لصالحهم بالطبع. هل بإمكاننا أن نعتبر قبول الرئيس لقاء هيلدا قبولاً بمبدأ تدويل القضايا العالقة أو علي الأقل القبول بدور ما للأمم المتحدة وفتح الباب أمامها للدخول علي خط المفاوضات؟ هذا ما ستكشف عنه تحركات الأسبوع القادم بالجنوبوبالأممالمتحدة ومجلس الأمم. التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون تصريحات عجلة لا تهدف إلي شيء وليست هي رسالة موجهة إلي الحكومة السودانية، إنما المقصود بها مخاطبة الناخب الأمريكي الذي يتهيأ الآن للعصف بإدارة أوباما كما تقول نتائج الاستطلاعات الأمريكية المتعددة. تقول وزيرة الخارجية الأمريكية "برغم تصويت شعب جنوب السودان للاستقلال، وبالرغم من ذهاب البشير لتنصيب سلفاكير، لكن كانت هنالك جهود لتقويض الدولة الجديدة". هناك مثل سوداني فصيح يقول (الما بتريدو خاف الله فيه).كيف يمكن لرئيس دولة أن يوقع اتفاقاً بالموافقة علي تقرير المصير ثم يجيز قانوناً يسمح بكل الإجراءات التي تقود للانفصال، ثم يذهب بنفسه أكثر من مرة ليعلن لشعب الجنوب والعالم أنه سيوافق علي نتيجة الانفصال، ثم بعد الانفصال يذهب مهنئاً بميلاد الدولة الجديدة معاناً استعداده للتعاون معها لأبعد الحدود. كيف يكون هو ذات الرئيس الذي يسعي لتقويض دولة الجنوب، وكان أيسر له رفض الاتفاق ورفض قانون الاستفتاء ورفض الاستفتاء نفسه أو عدم الاعتراف بنتائجه. ليس ممكناً التصديق بأن الرئيس الذي سمح بإقامة دولة الجنوب تحت عينه يعمل الآن لتقويضها!! هذا محض هراء إلا أن المدهش في تصريحها ذاك هو الجزء الثاني حين قالت رئيسة الدبلوماسية الأمريكية "سنضغط علي الخرطوم وعلي البشير شخصياً ولدينا معه جهد حازم جداً لحلحلة عقبات اتفاقية السلام الشامل". الحقيقة أن أمريكا والغرب عموماً لم يعد له كرت ضغط علي البشير ليستخدمه.. فلقد حرق الغرب في عجلته لإدانة السودان كل كروت ضغطه في دارفور وأصبح خالياً من أي كروت ضغط (بوَّش). فما هي الأدوات الجديدة التي سيضغطون بها علي الخرطوم. هناك شيء وحيد تبقي بيده وهو الغزو المسلح، أخر ما تبقي لتأديب الخرطوم هل باستطاعة المجتمع الدولي إخضاع النظام في السودان بالغزو؟ هيهات. نقلا عن صحيفة الأحداث السودانية 5/3/2012م