في الرابع عشر من يوليو من العام الماضي، وقع كل من مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين العتباني عن حكومة السودان والدكتور التجاني سيسي محمد أتيم عن حركة التحرير والعدالة، على وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، بشهادة عدد من الممثلين لبعض الدول والمنظمات الدولية والإقليمية. الاتفاقية تم التوصل لها بعد عامين ونصف العام من التفاوض الذي تعثر كثيراً في العاصمة القطرية (الدوحة)، حيث قالت عنها الحكومة السودانية بعد التوقيع عليها إنها نهائية للسلام في دارفور، إلا أنها ووجهت برفض عنيف من قبل الحركات المسلحة الدارفورية الأخرى الرافضة لها. وبعد مرور عام ونصف العام على توقيع اتفاقية (الدوحة) للسلام في دارفور لم يفلح طرفاها في إحراز تقدم يذكر في تنفيذها، وبعد التعثر الذي لازم تنفيذها اتجه طرفا الاتفاقية نحو تنفيذها، فير أن الواقع يؤكد خلاف نواياهما المزعومة، غير أن السلطة الإقليمية لدارفور أكدت أن وفاء الحكومة السودانية بدفع التزامها المالي تجاه وثيقة (الدوحة) لإعادة إعمار وتنمية دارفور شكل دفعة قوية وشجع المانحين للمشاركة بفعالية في مؤتمر المانحين المزمع عقده في العاصمة القطرية (الدوحة) في الأيام القادمة. وفي السياق أعلن وزير الاعمار والبيئة التحتية بالسلطة الإقليمية تاج الدين بشير نيام في تنوير نظمته الهيئة البرلمانية لنواب دارفور بالمجلس الوطني أمس (الثلاثاء)، أن اللجنة العليا برئاسة الجمهورية ستجتمع في غضون الأيام القليلة القادمة بغرض إجازة الوثيقة بشكلها النهائي لتقديمها في مؤتمر المانحين، وأوضح نيام أن تحديد اليوم القاطع لانعقاد مؤتمر المانحين بالدوحة سيتم إعلانه خلال الأسبوع الأول من فبراير القادم بعد عودة رئيس السلطة الإقليمية الدكتور التجاني سيسي من جولته الآسيوية والتي ستختتم بالدوحة. وفي سياق آخر كشف نيام عن تكوين لجنة من رئاسة الجمهورية للنظر في إعادة عمل المنظمات الأجنبية برئاسة مفوض العون الإنساني سليمان عبد الرحمن بغرض تذليل العقبات التي تواجه المنظمات الدولية، الأمر الذي وجد استحساناً من الجهات الدولية المانحة والتي تعتبر أن أكبر العقبات التي تواجهها هي الاذونات للتنقل بحرية في دارفور. وأكد نيام أن السلطة الإقليمية اتفقت على تضمين وثيقة (الدوحة) في الدستور الانتقالي باعتبار أنها واحدة من المكاسب القوية للشعب السوداني بجانب أنها اتجهت لنهاية الصراع بدارفور، فيما طالب أعضاء المجالس التشريعية بضرورة إدراج وثيقة (الدوحة) في الدستور الانتقالي للبلاد وعقد ورشة للاطلاع على مجمل المشاريع التي تضمنتها الوثيقة المزمع تقديمها لمؤتمر المانحين. وكان رئيس السلطة الإقليمية لولايات دارفور ورئيس حركة التحرير والعدالة الدكتور التجاني سيسي حذر من انهيار اتفاق ((الدوحة)) اذا لم تقم الحكومة السودانية بدفع التزاماتها المالية، بجانب المبالغ المالية الأخرى البالغة ((200)) " مليون دولار لإنشاء بنك تنمية دارفور، ونبه إلى أن إنفاذ وثيقة "الدوحة" سيكون قاتماً ومخيفاً حال عدم التزام الحكومة بدفع الأموال المخصصة لمشاريع التنمية، مؤكداً أن استلام أموال المانحين والمساهمة القطرية مرتبط بوفاء الحكومة بالتزامها المالي في إنشاء البنك، واعتبر أن المال يمثل نجاح أو فشل وثيقة ((الدوحة)). وفي المقابل أكدت الحكومة السودانية التزامها بدفع مساهمتها الواردة في الوثيقة، وقالت إن الجهاز التنفيذي سيبر بتعهداته مع حركة التحرير والعدالة رغم ضيق الإمكانيات لدي الحكومة. ويبدو أن من بين أهم المسببات الجذرية للأمة في دارفور هو ((التهميش)) الذي تعرض له الإقليم طوال الفترات الماضية التي تعاقبت عليها الحكومات الوطنية بحسب بعض المتابعين لطبيعة تطور الصراع في الإقليم، الأمر الذي جعل طرفي الاتفاقية ينظران إلى مسألة تقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور بأهمية بالغة، حيث أقر الطرفان بأن تمثيل دارفور في السلطة التنفيذية القومية وفق معيار السكان، ومن خلال واقع التطبيق أفلح الطرفان في تنفيذ هذا المبدأ بشكل تام، إلا أن قصور التنفيذ لازم تمثيل أبناء إقليم دارفور في الخدمة المدنية القومية وغيرها من الأجهزة العامة الأخرى التي لم تناقش حتى الآن بين طرفي الاتفاقية لتدخل بدورها حيز التنفيذ. وبالعودة إلى حجم الدمار والخراب الذي لحق بالإقليم بسبب الحرب يري البعض أن إعمار إقليم دارفور يحتاج لتضافر الجهود حتى يعود لسيرته الأولي، ولهذا الأمر أقرت الاتفاقية أن تسهم حكومة السودان بمبلغ ((مائة مليون دولار)) كرأسمال لنظام التمويل الأصغر بولايات دارفور. وفيما يختص بالخدمات الاجتماعية أقرت الاتفاقية أن تقوم الحكومة بالإسهام بمبلغ "مائتين وخمسة وعشرين مليون دولار" تدفع لولايات دارفور مدار ثلاث سنوات، علي ثلاث دفعات متساوية، لمقابلة دعم أنشطة الخدمة الاجتماعية في ولايات دارفور، إلا أن هذه المبالغ المخصصة لنظام التمويل الأصغر والخدمات الاجتماعية لم تدفع من قبل الحكومة. معالجة الاختلالات في مجال التنمية والبنية التحتية في دارفور بحاجة إلى مجهود خرافي، الأمر الذي دفع طرفي الاتفاقية إلى أن يتفقا على أن تخصص الحكومة من الصندوق القومي للإيرادات مبلغ "ملياري دولار أمريكي" نقداً فور التوقيع على الاتفاق كمبلغ قاعدي لصندوق إعادة الأعمار والتنمية، وأن تلتزم الحكومة السودانية بدفع المبلغ المتبقي، وتدفع في السنة التالية للاتفاق وهي العام 2012 م مبلغ "ثلاثمائة مليون دولار" وللسنة الثالثة للاتفاق "ثلاثمائة مليون دولار" وللسنة الرابعة للاتفاق "ثلاثمائة مليون دولار" وللسنة الخامسة للاتفاق "أربعمائة مليون دولار" وللسنة السادسة للاتفاق "خمسمائة مليون دولار". إلا أنه من خلال واقع التنفيذ نجد أن الحكومة السودانية لم تف بالتزاماتها الموقعة عليها في الاتفاق، حيث لم تدفع مبلغ ال"مئتي مليون دولار" التي أقرت الاتفاقية أن تدفع فور التوقيع عليها بجانب عدم التزامها بدفع استحقاق الاتفاق للعام الثاني 2012م الذي يقدر بمبلغ "ثلاثمائة مليون دولار" ليصل المبلغ الذي يفترض أن تدفعه الحكومة لتنفيذ الاتفاق خلال العامين إلى "خمسمائة مليون دولار". إلا أنها لم تدفع ذلك المبلغ حتي الآن، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين أنه سيجعل بفشل الاتفاق في القريب العاجل. من بين البنود المهمة في الاتفاقية وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية النهائية التي بدون تنفيذها تصبح الاتفاقية بلا جدوى لاعتبار أن ترسيخ السلم وتعزيز بناء الثقة وتحقيق المصالحة والوحدة بين أهل دارفور لا يمكن لها أن تتم في ظل انتشار السلاح ووجود الحركات الرافضة للسلام. نقلاً عن صحيفة الأهرام 31/1/2013م