تدور الآن وقائع دراما نقاش وجدل حول قرار أوباما الذهاب للكونجرس للحصول على تفويض قبل العمليات العسكرية ضد نظام الأسد في سوريا عقاباً وردعاً له وللطغاة عن استخدام السلاح الكيماوي ضد شعوبهم، وهو نقاش لا يملك من يتابعه سوى الشعور بمعاناة أوباما، الرئيس الديمقراطي الواقعي، الذي يكرر في كل مناسبة منذ سنوات أنه انتخب لإنهاء حروب أميركا، وليس لبدء حروب جديدة. وكذلك يفسر لنا معاناته في الحصول على التفويض، وخاصة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية ضئيلة، ولماذا يجعل كل ذلك مبدأ أوباما جديراً بأن يوصف بمبدأ المحارب المتردد والحذر، حيث يقدم الدبلوماسية على المواجهة، ومد اليد إلى الخصوم بدلاً من عقابهم. وتجنب الحروب ما لم يكن هناك انسداد لفرص الحلول، وعندما لا يصبح ثمة لا مفر ولا مناص من المواجهة، وجعلها هي الخيار الأخير. وهذا يشكل نقيضاً كلياً لمبدأ سلفه بوش الابن الذي شن ثلاث حروب، وجعل الحروب والمواجهات والعقوبات، تصبغ مبدأه مع تهميش للدبلوماسية والمنظمات الدولية والأممالمتحدة... ولهذا فليس مستغرباً تردد أوباما وحذره المبالغ فيه. وقد تمثل ذلك في عدم قيادة الولاياتالمتحدة دفة المعركة قبل عامين عندما لعبت دوراً مسانداً فقط وليس دور البطل في الحرب التي شنت على نظام القذافي في ليبيا وأدت إلى إسقاطه. وسمت ذلك ب«القيادة من الخلف»! والمفارقة أن أوباما لم يطلب تفويض الكونجرس قبل المشاركة في حرب إسقاط القذافي. كما تلجأ إدارة أوباما أيضاً لاستخدام الطائرات بدون طيار في باكستان وأفغانستان، بلا تفويض من الكونجرس. والملفت في كل هذا النقاش حول توجيه ضربات عسكرية أميركية إلى نظام الأسد، وخاصة بعد رفض مجلس العموم البريطاني تفويض حكومته المشاركة في العمليات العسكرية، هو غياب تحالف دولي للراغبين في ضرب نظام دمشق. ويجب أن أشير هنا إلى تنازل الرئيس الأميركي طوعاً عن حقه الدستوري كقائد أعلى، وحقه القانوني أيضاً حسب قانون «استخدام القوة» المعروف باسم War Powers Act الذي صدر عام 1973 إبان حرب فيتنام. ويحق للرئيس حسب هذا القانون أن ينخرط في عمليات عسكرية بدون تفويض من الكونجرس إذا كان الأمر حسب تقييم الرئيس يهدد الأمن الوطني الأميركي ومصالح أميركا... وعلى الرئيس حسب القانون أن يخطر الكونجرس عند القيام بعمليات عسكرية، خلال 48 ساعة من بدء هذه العمليات، ويطلعه على سيرها شهرياً... حتى انتهاء المهمة العسكرية. أما إذا رفض الكونجرس الذي يقر موازنة وزارة الدفاع والعمليات العسكرية فإن القانون يمنح الرئيس 60 يوماً لينهي المواجهات، ولديه 30 يوماً إضافية لسحب آخر جندي من مسرح العمليات. وبمعنى آخر فإن الرئيس الأميركي لديه تفويض دستوري وقانوني واضح بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة بخوض معارك ومواجهات، لمدة 90 يوماً دون مصادقة الكونجرس. أما إعلان الحرب فالدستور خوله للكونجرس الأميركي. ولكن الرئيس لا يطلب إعلان الحرب على سوريا ولكن تفويضاً فقط بعمليات عسكرية. ومع هذا يرى البعض أن أوباما «المقاتل المتردد»، وهو ليس رئيس حرب كما كان يفاخر بوش، قرر دخول مغامرة غير محسوبة وقد تكون مكلفة وخاصة في مجلس النواب، إذا لم يوافق الكونجرس على تفويض الإدارة الأميركية القيام بعمليات. أما عن سبب ذهاب أوباما للكونجرس للحصول على تفويض فقد برره بأنه لا يستطيع أن يؤكد أن خطورة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، يشكل تهديداً مباشراً على الأمن الأميركي. وفي ذلك تنازل واضح من أوباما عن صلاحياته ورهن ووضع لمصداقيته وزعامته وقيادته بيد الكونجرس المشكك، وهناك لدى خصومه الجمهوريين أجندتهم الرامية لإنهاك الرئيس وإضعافه وجعله يبدو متردداً ويفتقد الحزم والقيادة. ويشجع النواب على ذلك عدم حماس ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية لأي عمل عسكري بعد عقد الحروب والنزيف المالي والبشري في العراق وأفغانستان وفي الحرب على الإرهاب... وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن 29 في المئة من الأميركيين يؤيدون توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وللمفارقة فإن 29 في المئة نفسها هي نسبة من يعرف من الأميركيين أن هناك دولة في العالم تسمى سوريا. وقد انتقدت «سامنثا باور» مندوبة أميركا الدائمة في الأممالمتحدة عجز المنظمة عن وضع حد لتفرد روسيا وحمايتها لنظام الأسد، وأكدت أن أميركا استنفذت جميع الوسائل الأخرى غير العمليات العسكرية... ولا يمكن أن تبقى صامتة أمام استخدام الكيماوي وصواريخ «سكود» ضد المدنيين. وبذلك تكرر مندوبة أميركا الدائمة في الأممالمتحدة ما قاله أوباما من ضرورة معاقبة نظام الأسد وردعه وإضعاف قدراته. ويبدو أن الرئيس وفريق عمله المتمثل بوزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشيك هاجل، وهما مقاتلان سابقان في حرب فيتنام، ورئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسي، الذين انخرطوا في جلسات علنية وسرية في لجان مجلس الشيوخ ومجلس النواب... قد حققوا انتصاراً في مجلس الشيوخ بتصويت لجنة الشؤون الخارجية فيه بفارق ضئيل لمصلحة التفويض، بانتظار تصويت مجلس الشيوخ ككل للحصول على تفويض منه بتوجيه ضربة محدودة ضد نظام الأسد. ولكن التحدي الحقيقي يكمن في إقناع 218 نائباً في مجلس النواب أغلبيتهم من خصوم أوباما الجمهوريين ودفعهم لمنحه التفويض... ولذلك قرر أوباما مخاطبة الشعب الأميركي غداً الثلاثاء ليقدم للأميركيين مباشرة مبررات الحاجة إلى حصوله على تفويض من مجلس النواب لتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري. وقد فشل أوباما حتى الآن في إقناع الأميركيين ونوابهم والمجتمع الدولي بمبررات الضربة العسكرية. وبدا ذلك واضحاً في اجتماع قمة العشرين في مدينة سان بطرسبرغ في روسيا، والتشبث الروسي بالموقف ضد عملية عسكرية وصفها بوتين بغير الشرعية. ووصل الأمر إلى اتهام بوتين لوزير الخارجية الأميركي بالكذب حول استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي. وهكذا وعلى رغم امتلاك أوباما التفويض الدستوري والقانوني، إلا أن تخبطه بسبب تردده وحذره المبالغ فيه أوصله لوضع مستقبله كرئيس بيد خصومه الجمهوريين، وهؤلاء قد يرفضون منحه التفويض الذي يريده. وعندها ماذا سيكون الموقف؟ لقد رفض أوباما الرد على ذلك السؤال في السويدوروسيا، لأنه لا يريد أن يستبق الأحداث... ولكن كل هذا التخبط لاشك يجعل الأسد والقادة في إيران وكوريا الشمالية مرتاحين وواثقين من فشل أوباما في القيام بعمل عسكري تأديبي ضد الأسد، وهم سيفسرون ذلك بأنه تخبط وضعف من قبل سيد البيت الأبيض... ما سينعكس سلباً على قوة ردع أميركا لخصومها، وعلى المصداقية والثقة فيها لدى حلفائها أيضاً! المصدر: الاتحاد 9/9/2013م