اولويات الادارة الامريكية جاءت بعيدة عن توقعات الخرطوم، ففي الوقت الذي حددت فيه الخارجية خطوط تعاملها مع المبعوث بالتركيز على العلاقات بين البلدين السودان وامريكا، ابتدر مبعوث اوباما للسلام في السودان دونالد بوث امس الاول لقاءاته باجتماع مطول مع الخير الفهيم رئيس اللجنة الاشرافية لابيي مبررا الخطوة لأهمية المنطقة وتوسطها بين الخرطوموجوبا كما أنها تشكل احدى اهم القضايا العالقة.. خذلان الخرطوم الرسمية في توقعاتها حيال خطوات المبعوث الامريكي، جاء واضحاً في تصريح علي كرتي وزير الخارجية واتهامه الادارة الأمريكية بمحاولة إفساد العلاقة بين جوباوالخرطوم، وأكد أنه لا علاقة لواشنطن بأي وساطة في قضية المنطقة، وانتقد تصريحات دونالد بوث المبعوث الأمريكي الجديد للسودان والجنوب الذي أبدى قلقه بشأن القضية في أول تصريحاته بالسودان، واعتبر كرتي أن قضية أبيي لم ولن تكون بهذه السوداوية والحالة الظلامية التي يصف بها الامريكان الأوضاع بين الخرطوموجوبا. آخر محطات الموقف في أبيي جاء في اعقاب اصرار قيادات الحركة الشعبية من دينكا أنقوك على قيام استفتاء ابيي في اكتوبر القادم، ونقلت تقارير اعلامية عن دينق الور ولوكا بيونق تحديهما بتطبيق مقترح الاتحاد الافريقي والسير في ترتيبات قيام الاستفتاء في اكتوبر، الامر الذي وجد الرفض القاطع من الخرطوم بدعوى عدم اكتمال الترتيبات اللازمة الواردة في خارطة الاتحاد بتكوين المؤسسات المدنية والاجهزة التشريعية والتنفيذية بابيي، بالاضافة لما أثاره التدخل الامريكي على الملف بزيارة المبعوث من مخاوف خرطومية كشفتها ممانعة الخرطوم. الخوض في ملف ابيي لم يكن اسير لقاء المبعوث الامريكي دونالد بوث والخير الفهيم أمس الاول واستبق ذلك بكثير حتى قبيل التوقيع على البروتوكول الخاص بالمنطقة في 26 مايو 2004م، ضمن بروتوكولات نيفاشا، ليحتل الملف المسرح بعد انفصال الجنوب بتواصل مجهودات الاتحاد الافريقي لوضع نقاط الحل فوق حروف الملف للدرجة التي طرح فيها ستة سيناريوهات آخرها تلك المتحدثة عن استفتاء للمنطقة في اكتوبر المقبل دون مشاركة المسيرية الرحل في حالة ما لم يتفق السودان وجنوب السودان في غضون ستة أسابيع، وفي حالة تعذر ذلك سوف يحيل الاتحاد الأفريقي الأمر لمجلس الأمن طالبا منه تأييد المقترح الأفريقي، وهو الامر الذي تأكد فشله باعتبار ان الحلول المفروضة لن تقود المنطقة الى سلام.. الحل الافريقي حينها اتسق مع ما جاء في بروتوكول ابيي لربطه الحل بالاستفتاء، وطبقا لنص المقترح نادت الوساطة بوضع خاص بالرعاة من قبيلة المسيرية الذين يقيمون في المنطقة عدة أشهر سنويا والاتفاق حول نظام خاص يسمح للمسيرية بالانتقال بين جنوب كردفان وأبيي والمناطق القريبة منها بحيث يمكن للرعاة من التنقل بحرية والحفاظ على حقوقهم التقليدية.. وغاب عن المقترح تحديد من يحق لهم التصويت واكتفت بتحديد دينكا أنقوك والمسيرية المقيمين بشكل دائم في المنطقة، كما اقترحت الوساطة أن يقوم الاتحاد الأفريقي بتعيين رئيس لجنة الاستفتاء على أن يقوم السودان وجنوب السودان بتعيين عضوين لكل منهما فيها بالاضافة لاستباق تلك الاجراءات باقامة المؤسسات الانتقالية كما هو متفق عليه في 20 يونيو 2011 والاحتفاظ بلجنة التسيير المشتركة التي ستوسع مهامها لتساعد لجنة الاستفتاء في الاعداد له واعلان نتائجه وتشكيل قوة خاصة تتولى حماية آبار النفط في دفرا، فيما تراجع المقترح الآخر المرتبط بتقسيم ابيي بين السودان وجنوب السودان. الخرطوم كررت رفضها في اكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسئول لمقترح استفتاء ابيي في أكتوبر، وشجعت المقترح الامريكي بتقسيم المنطقة، وهو المقترح الذي سربه أسكوت غرايشون قبل سنوات و وجد حظه من الاستعراض والنقاش لدى المسيرية والخرطوم في مقابل الرفض القاطع من جوبا ودينكا أنقوك، وظلت حجة الخرطوم في أن الاستفتاء سيؤدي الى انضمام المنطقة لاحدى الدولتين ما يجعل الطرف الآخر غير موافق بالتالي فإن التهديد بالتصعيد يغير الموقف ، فيما رحبت واصرت دولة جنوب السودان على تنفيذ خيار الاستفتاء، وطالب رئيسها الفريق اول سلفاكير ميارديت في سبتمبر من العام الماضي الوساطة باحالة الملف برمته الى مجلس الامن الدولي لعدم القدرة على التوصل لاتفاق مرضٍ، وهو الامر الذي برز أمس الاول باعلان الرئيس سلفاكير موقفه النهائي من ملف ابيي بالاستمرار في الاستعداد للاستفتاء دونما أن يحدد ما اذا كان سيعقد من طرف واحد في أكتوبر أم سيتم النظر لما ستقوله الخرطوم والوساطة... المسيرية وعلى لسان أكثر من قيادي اهلي عبرت عن رد فعلها ازاء اعلان استفتاء من طرف واحد ويذهب محمد عمر الانصاري رئيس جبهة تحرير أبيي في حديث سابق ل(الرأي العام) أن حل أزمة أبيي يتم بالحوار بين المسيرية والدينكا وبابعاد الاطراف السياسية عن الملف أي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، واضاف الانصاري أن المسيرية بعيدين كل البعد عما يتم التداول فيه بالتالي فهم ليسوا مهتمين به وأنهم يرفضون اي حلول ليسوا جزءاً منها، وقال(نحن اهل المصلحة ولم يشاورنا أحد في مقترح الوساطة أو غير مقترح الوساطة، وتفويضنا للمفاوضين سياسي وليس حول الارض وحدودها)، واضاف(مع احترامنا للحكومة، لكننا نتحفظ على اي حل يطرح ، ونحن غياب في الوقت الذي تأخذ الحكومة ابناء النيل الازرق وجنوب كردفان للتفاوض، بالتالي أي توقيع لأي اتفاق بدوننا يعني ان ثمة شيئا تحت الجسر). التدخل الامريكي الاخير ورفض الخرطوم له ، أعتبره ايهاب محمد الحسن المحلل السياسي المقرب من دوائر المعارضة، سيكون لصالح الخيار الامريكي الذي يدعم رؤية الخرطوم في ابيي ، وذهب في حديثه ل(الرأي العام) أمس الى ان الادارة الامريكية موقنة بأن فرض الحل يمكن أن يهدئ الحكومات لكنه سيثير الحدود بين القبائل خصوصاً مع تصاعد الاحتقان داخل المسيرية ، بالاضافة لتأثير ذلك مستقبلاً على علاقة الخرطوموجوبا ، وما سيجره ذلك على ملف النفط من تبعات، بالتالي فإن المبعوث ابتدر لقاءه بالخير لامتصاص انفعال دينكا أنقوك ولارسال رسالة مفادها اهتمام أمريكا بالملف ليضمن حالة القبول النفسي لمقترحاته أمام القيادة الجنوبية ، ولضمان عدم حدوث انفلات في الاستقرار الجنوبي حالياً من قبل دينكا أنقوك، وتوقع الحسن أن يعيد أنتاج المقترح الامريكي بتقسيم ابيي لخدمة الاستقرار الدولي. عموماً رؤية الخرطوم الرسمية ازاء فكرة التدخل الامريكي في الملف حملها الفهيم، الذي أكد ان قيام استفتاء ابيي يجب أن يتم وفقاً للمعاهدات الدولية و البروتوكولات و المواثيق الموقعة بين الطرفين وأن اتخاذ أي قرار او محاولة لقيام الاستفتاء من جانب واحد يؤدي الى عرقلة العلاقات بين البلدين، وأن الخرطوم تقدر جهود واشنطن في تقديم الحلول للطرفين وصولا لحلول مرضية .. و اشار الى ان اللقاء تطرق لاختصاصات اللجنة الاشرافية المشتركة و تكوين المؤسسات الادارية و المدنية و بغرض تهيئة الاوضاع للحل النهائي وفقا لاتفاق التعاون المشترك باعتبار ان مسئولية الحل النهائي تقع على عاتق الرئيسين. نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 16/9/2013م