يدور هذه الأيام جدل داخل مؤتمر الحوار الوطني وخارجه، بين القوى السياسية المختلفة، حول قضية الحكومة الانتقالية وتصريحات نائب رئيس المؤتمر الوطني حولها، وثارت هذه القضية عقب الورقة التي قدمها المؤتمر الشعبي أو أوراقه التي دفع بها إلى لجان الحوار، ووجدت ردود أفعال وصدى قوياً في الساحة السياسية، إلى درجة أن بعض أطراف المعارضة الممانعة والمقاطعة للحوار اعتبرتها أوراقها وتصوراتها الخاصة سربها المؤتمر الشعبي، خاصة ما سماه إبراهيم الشيخ أحد أقطاب المعارضة أن ورقة البديل الديمقراطي التي أعدتها المعارضة سربها أحد قادة الشعبي إلى الحزب الحاكم. مهما كان الاختلاف حول قضايا الحكم التي يجري نقاشها وتباين الآراء حولها، فإن هناك محددات لا بد من التعامل معها بوضوح. فالحوار الوطني تُناقش فيه كل القضايا الوطنية بروح تنم عن مسؤولية لا مجال فيها للتبسيط وترك الأمور تجري على الهوى والرغبات السياسية للأحزاب، فالحكومة الانتقالية طرح جيد لو كانت الأوضاع استثنائية والبلاد في حاجة إليها، فهناك مؤسسات دولة قائمة كسبت شرعيتها من الانتخابات الأخيرة وتشارك الأحزاب الشريكة في الحكم حسب أوزانها الانتخابية، وما حققته من نتائج في دخول البرلمان القائم الآن.. فليس من المعقول أن نلغي كل هذه المعيات والحقائق ونلجأ إلى تكوين حكومة شذر مذر من تكوينات سياسية غير معلومة الحجم ومجهولة القدر، ولم تطرح على الشعب السوداني برامجها وتصوراتها لمعالجة قضايا البلاد. ثم إن هذه الأحزاب التي تطالب بحكومة انتقالية، تعلم علم اليقين أن شرعنة مثل هذه الحكومة في ظل وجود برلمان ومؤسسات دولة، تقتضي إجراءات ليست من السهل إقرارها وإنفاذها، وفي حال تمت على أية صيغة توافق عليها اللاعبون السياسيون لا أحد يضمن وضع البلاد وكيفية استقرارها لأنها ستكون قفزة في ظلام دامس. وليت الجميع الذين يطالبون بها، يضعون نصب أعينهم أنها من أجل إصلاح وضع البلاد، فكلنا يعرف أن الرغبة في السلطة والتمرغ في ترابها، هو السبب الرئيس الذي يدفع بعض الأحزاب للمطالبة بها، وهم يعلمون علم اليقين أن الوصول إلى مبتغاهم عن طريق صناديق الاقتراع صعب للغاية. وتقتضي فكرة الحكومة الانتقالية أو الفترة الانتقالية ترتيبات عملية خاصة لا تتوافر شروطها الآن، ففي حال حلت الحكومة الحالية نفسها وتم حل البرلمان الحالي وتسريح نوابه، كيف تتألف هذه الحكومة الانتقالية، ومِن مَن..؟ وما مدى تفويضها وتخويلها؟ وهل ستضم الكل أم جزء من هذا الكل..؟ وهل ستفوض الأحزاب غير المشاركة وعددها في الحوار الوطني فقط أكثر من ثمانين أو مائة حزب، بعضاً منها للمشاركة في الحكومة؟ أم سيحدث شيء آخر وترتيب يضمن اتفاق الجميع وتأييدهم؟ فضلاً عن عمر الحكومة الانتقالية ومداها الزمني وبرنامجها وقدرتها وتماسكها لإنجاز ما يمكنها إنجازه من مهمة انتقالية يعول عليها في إيجاد تدابير كثيرة لحفظ الأمن وصيانة الاستقرار والقيام بالأعباء التنفيذية الواجبة في مجال الخدمات وانتظامها ومشروعات التنمية الجارية واستمرارها.. عن الحديث الطاغي عن الحكومة الانتقالية يحرف الحوار الوطني عن مساره. فبدلاً من مناقشة كل القضايا لتكون في النهاية حزمة واحدة من مشروع إصلاح وطني توافقي شامل وكامل، سينصرف كل المشاركين إلى البريق اللامع للسلطة القادمة مع رياح الحكومة الانتقالية المنتظرة، فالأولوية يجب أن تكون للقضايا المعقدة والشائكة التي تحتاج إلى حل يتراضى عليه كل أهل السودان في محاور الحوار التي يدور حولها الجدال. فعلى الأحزاب ألا تسفر عن أطماعها، وعليها ستر مفاتنها في غوايتها البائنة للسلطة المرتقبة، وعليها ببعض الحشمة السياسية، والحكمة الوطنية، ولتدع الأمور تسير الى وفاق سياسي عام، ويشيد الإطار الدستوري والقانوني وتتهيأ لدخول الحلبة الانتخابية بعد انتهاء الولاية الحالية للحكومة والرئيس. ولعل العبرة في قصة الأعرابي الذي حل بعد تيه إلى مضارب قوم كرام، فأرادوا إكرامه وكان يشتكي من العُري وتمزُّق ثيابه واهترائها، قبل رغبته في الطعام لخصها في قوله: قالوا اقترح شيئاً نجد له طبخة ٭ قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً أحزابنا المعارضة أو المشاركة في الحوار، لا تريد اليوم إلا جبة السلطة وقميصها.. فلن تقترح شيئاً غيرها!! نقلاً عن صحيفة الانتباهة 2015/11/11م