بالطبع لا نعتبره أمراً جديداً وان جاز لنا أن نعتبره أمراً متوقعاً بعد أن تراجعت الحركة الشعبية مؤخراً عن تحركاتها الانفصالية واصرارها الغريب على اجراء الاستفتاء، دون الحاجة الى الفراغ من ترسيم الحدود!! فقد كان هذا الموقف برمته غير متوازن وغير طبيعي ولم يقم على أساس معقول. وقد كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة في العاصمة المصرية القاهرة حيث انعقدت ورشة مشاورات حول قضايا ما قبل وما بعد الاستفتاء بين شريكي الحكم الحركة والوطني بمشاركة مصرية عن تقارب كبير في المواقف ووجهات النظر والرؤى بين الطرفين بشأن مواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة الأصعب في تاريخ السودان. وكان لافتاً أن أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم أدلى بتصريحات صحفية قال فيها ان الطرفين اتفقا على العديد من القضايا من بينها ضرورة الفراغ من ترسيم الحدود قبل موعد الاستفتاء المقرر له كما هو معروف مطلع يناير المقبل 2011. وفي ذات الصدد صرّح الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني ورئيس وفد الوطني بأن الأمل في الوحدة بات كبيراً!! وهي اشارة دون شك مبنية على حقائق وقضايا نوقشت باستفاضة في الورشة. ولعل من المهم هنا ونحن نتابع هذه القضايا أن نشير الى أن الحركة الشعبية في الواقع لم تفعل طوال المرحلة السابقة شيئاً سوى الكشف عن (تكتيكات) ليس من بينها رؤية استراتيجية جادة بشأن مصلحة السودان ككل، فهي تحركت باتجاه التلويح بالانفصال وخدعت وخادعت في هذا الصدد وفات عليها وعلى من صدقوها أنها لا تملك كل خيوط اللعبة السياسية وحدهان كما لا تملك ارادة الناخبين الجنوبيين، ولعل مما يثير الاستغراب حقاً في هذا المنحى ما ذكره زعيم الحركة الفريق أول سلفاكير ميارديت في تصريحات صحفية مؤخراً عن أن عدد الجنوبيين الذين يحق لهم التصويت في الشمال قد يصل الى (7) مليون مواطن جنوبي! وبالطبع لم يكشف الفريق كير – مع أن هذا كان ضرورياً جداً – عن مصدر تقديره هذا في الوقت الذي لم تبدأ فيه اجراءات تسجيل الناخبين ولم يتم الفراغ من السجل الخاص بالاستفتاء. كما أن محاولة البعض ايراد هذا الرقم للتشكيك في الاحصاء السكاني فإنهم يتناسون – أن الفترة التي أعقبت الفراغ من الاحصاء السكاني يمكن أن تكون قد وقعت بعدها العديد من الوقائع التي تقلب المعادلة، اذ لا يمكن أن يظل الاحصاء أمراً جامداً ثابتاً. ولكن حتى ولو سايرنا الفريق كير في تقديره هذا، فهل من الممكن أن نتصور أن هذا العدد الكبير (7) مليون من الجنوبيين المقيمين بالشمال سوف يصوتون للانفصال ومن ثم يتوجب عليهم مغادرة الشمال أو القبول بالوضع الجديد الذي يتعين تطبيقه عليهم في الشمال أياً كان ذلك الوضع؟!